حسين كامل وبريغوجين والنهاية واحدة

حسين كامل وبريغوجين والنهاية واحدة

30 اغسطس 2023
+ الخط -

ليس ثمّة ما يجمع بين شخصيتي حسين كامل ويفغيني بريغوجين سوى حكايات صعودهما السريع في سلّم المجد، وسقوطهما المفاجئ الذي أودى بحياتيهما على نحوٍ تراجيدي، إذ هما عاشا في بيئتين متباعدتين، وفي زمنين مختلفين، ولم يقدّر لأحدهما أن يعرف الآخر، أو يسمع باسمه، أو يقرأ عنه. وإذا كانت صفحة حسين كامل قد طُويت إلى الأبد، فإن صفحة بريغوجين لم تُطو بعد، وما زالت هناك أسئلة قد لا نحصل على أجوبتها إلا بعد حين.

بدأت حكاية حسين كامل، عندما التقى صدّام حسين مجموعةً من شباب عشيرته الذين لم تُتح لهم الفرصة لإكمال تعليمهم، وعيّنهم حراسا شخصيين له. كان منهم العريف المغمور الذي لم يكمل الدراسة الابتدائية، حسين كامل. التقطه صدّام من القاع، وسيَّده، في ما بعد، على عشرات الضباط الكبار والعلماء وقادة الحزب، وربط به وزاراتٍ عدة، ومنحه صلاحياتٍ مطلقةً جعلت منه الرجل الثاني في النظام، ثم زوّجه ابنته ليصبح الأقرب إليه حتى من رجال أسرته. أغرته كل تلك الامتيازات والمنافع بأن يفكّر على نحو مختلف، هي خطوةٌ واحدة، ويصبح "السيد الرئيس"، ويجمع المجد من أطرافه. ... لماذا لا يفعلها إذن؟ لكنه أدرك أنه لا يستطيع تحقيق حلمه، أو حتى أن يُفاتح أحدا بنيّته إذا ما بقي في بغداد، وخامرته فكرة الانتقال إلى خارج البلاد وقيادة تجمّعات المعارضين للنظام، والبحث عن دعم عربي أو دولي يمكّنه من تقويض سلطة صدّام، ومجيئه رئيسا كما يحلم ويريد.

وفي ليلة صيفية لاهبة، توجّه إلى عمّان، ثم أعلن فيها انشقاقه عن النظام، وأفشى أسرار برامج التسليح العراقية لممثلي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وموفدي المخابرات المركزية، على أمل أن يفيده ذلك في الحصول على مساندة خطّته، لكنه لم يجد من يثق به من المعارضين. كما أن قوى عربية رفضت مساندته، فأسقط في يده، وقرّر العودة بعد أن أعطاه صدّام وعدا بعدم التعرّض له، لكن صدام، في الحقيقة، كان قد ترك مهمّة تصفيته بعض رجاله، وهذا ما تم بالفعل بعد يوم من وصوله، وقد تلقّى صدّام الخبر، وهو في اجتماع مع بعض مساعديه، وأعلن أن رجال عشيرته هم من قرّروا هدر دمه وغسل عار الخيانة الذي لحق بهم.

إذا كانت صفحة حسين كامل قد طُويت إلى الأبد، فإن صفحة بريغوجين لم تُطو بعد، وما زالت هناك أسئلة قد لا نحصل على أجوبتها إلا بعد حين

لم تترك نهاية حسين كامل على نظام صدّام حسين تأثيرا سلبيا يُذكر، إذ هو لم يكن يعني شيئا من غير تبنّي صدّام ورعايته له. على العكس، أحدث سقوطُه حالة ارتياح لدى قادة الحزب ورجال صدّام أنفسهم الذين كانوا لا يمحضونه الودّ ولا الثقة.

تشبه حكاية يفغيني بريغوجين، في بعض تفصيلاتها، حكاية حسين كامل، فقد بدأ حياته العملية لصّا، ودخل السجن بسبب ذلك ليمضي فيه تسع سنين. وعندما خرج فتح مطعما لبيع النقانق سرعان ما تحوّل الى مطعم فاخر ترتاده النخبة. وفي مصادفة نادرة حضر الى المطعم الرئيس فلاديمير بوتين ليرعى حفلا على شرف ضيوف أجانب، وأعجب بالمأكولات التي قدّمت فيه، والتي أشرف عليها بريغوجين بنفسه. ومن هنا، بدأت بينهما علاقةٌ، حصل بعدها بريغوجين على عقود لتزويد مدارس الأطفال ووحدات الجيش بالطعام، فشرعت أرباحه تكبر، وتحوّل إلى نجم في نوادي رجال الأعمال الشطّار، وارتبط بمجموعة مرتزقة استطاع أن يستحوِذ عليها، ويعيد تنظيمها تحت اسم "فاغنر"، لتُصبح شبكةً عسكريةً وماليةً واسعة، وقد وجد فيها الرئيس بوتين "مليشيا" فعّالة يمكنها أن تمثل ذراع روسيا الضارب في أكثر من مكان في العالم.

انتفخ بريغوجين كثيرا، ووقع في وهم أن سيده لا يمكنه التقدّم من دونه، وشرع يتدخّل في السياسات العليا للدولة بطريقةٍ لم ترق لبوتين. وفي ساعة تهوّر أقدم على اتخاذ القرار الخطأ في الزمن الخطأ، إذ اتجه برجاله نحو موسكو، داعيا وحدات الجيش إلى الانضمام إليه "لإصلاح أوضاع روسيا"، وهي الخطوة التي وضعته بين فكّي الوحش. ورغم أنه تراجع بعد ذلك واعتذر، إلا أن بوتين كان قد حسم أمره، وأعدّ عدّته. وقي الوقت المناسب، انتهى بريغوجين بضربةٍ ماحقةٍ مع مساعديه في حادث سقوط طائرة مرسومٍ بدقّة، وتلقّى الرئيس الخبر وهو يحضر حفلا موسيقيا في موسكو، وتظاهر بأنه فوجئ بالحدث، وطلب التحقيق. في المحصلة، ثمّة تداعيات محتملة على نظام الرئيس بوتين قد تظهر في المديين، المتوسط والبعيد، بعد أن اهتزّ الكرملين جرّاء فعلة بريغوجين، وربما تُضعف تلك التداعيات من مكانة بوتين القيادية في الداخل الروسي، حيث يسعى خصومه إلى استغلال أية ثغرة لمحاصرته، خصوصا وهو يكافح من أجل نهاية مشرّفة له في حرب أوكرانيا التي أطلقها بوهم تحقيق الانتصار في بضعة أيام، ولم يدرك أن الحرب مثل الحب، تبدأ بخطوةٍ لكنها تحتاج آلاف الخطوات، كي تصل إلى النهاية المطلوبة.

583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"