حارس الازدهار أم حارس لمن؟

25 ديسمبر 2023

زورق لخفر السواحل اليمني التابع للحكومة الشرعية في البحر الأحمر (12/12/2023/فرانس برس)

+ الخط -

منذ هجوم حركة حماس في 7 أكتوبر على مستوطنات غلاف غزّة، خرجت التحليلات السياسية التي ربطت بين طوفان الأقصى وضرب مسار التطبيع الذي بدأته دول عربية مع إسرائيل، الأمر الذي أعطى لتحرّك "حماس" بعدًا إقليميًا؛ لهذا وجّه الغرب، ولم يزل، أصابع الاتهام إلى ضلوع إيران مباشرة من جهة أنها كانت تعلم، وأنها مشاركة في العملية.
أخذت العمليات العسكرية في القطاع مساراتٍ مختلفة ومتنوعة، أولها مسار التدمير الممنهج بطريقة إجرامية إرهابية لقتل الأبرياء بطريقة غير إنسانية ولا أخلاقية، لترفع بأعداد القتلى في صفوف الغزّيين إلى ما يفوق عشرين ألفًا، عدا عن عشرات آلاف من الجرحى وملايين المهجرين قسرًا. إضافة إلى مسار آخر ارتبط بجنون رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ومصيره السياسي الذي ستحدّده أرض المعركة، وهناك مسار ارتبط بالمحور الذي تنتمي إليه "حماس" وضرورة انتصاره لتغيير وجهة السيطرة على المنطقة.
خرجت مسارات كثيرة عبر تحليلات لما بعد حرب غزّة، ولكن على أرض الواقع هناك مسار لم يزل يعلو على كل المسارات، وهي الحرب المستمرّة التي لم تزل تأخذ شكل التصعيد الميداني، والمبشّرة بأنها حرب ستطول. وهذه صحيفة لوس أنجليس تايمز تنشر مقال رأي ذكر فيه كاتبه أن "الرئيس الأميركي بايدن يرسل الجنود الأميركيين مرّة أخرى إلى الشرق الأوسط، وهو يجب ألا يفعل ذلك، لأن هذا دليل واضح على أن المشاركة في الحرب باتت حتمية، رغم العناوين التي تحملها إدارة بايدن على رأسها حماية الملاحة التجارية".
إرسال الولايات المتحدة حاملات طائراتٍ، وعديد من مدمّراتها وغواصاتها النووية، وضعت في خانة التهديدات بالتدخل السريع دعمًا لإسرائيل في مواجهة أي عمل عسكري من خارج قطاع غزّة. إذًا بات الحضور الأميركي في البحريْن، الأحمر والمتوسّط، يحمل دلالاتٍ أبعد من رفع سقف التهديد، بل قد يصل إلى شنّ حربٍ إن لم تكن إقليمية واسعة، فبالتأكيد على اليمن تحديدًا وعلى جماعة الحوثي.

أصبحت مصر الضحية الرئيسية لانضمام الحوثيين إلى الحرب في غزّة، بمنعهم السفن القادمة إلى إسرائيل من المرور عبر باب المندب

أعلن وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستين، الأربعاء 20 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، عن تشكيل القوة البحرية لمواجهة تهديدات الحوثيين في البحر الأحمر، وتسمّى "حارس الازدهار". وقال إن الدول المشاركة تقودها الولايات المتحدة، وتشمل بريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا. هذا وأكّد الجميع دعمهم للجهود الرامية إلى حماية الملاحة في البحر الأحمر بعد هجمات شنتها جماعة الحوثي المدعومة من إيران. ... وقد أثرت هجمات الحوثي بشكل كبير على حركة الملاحة في باب المندب، فهذا يرفع حتمًا من وتيرة التصعيد، الأمر الذي دفع بشركات نقل عالمية كثيرة إلى تغيير مسارها الملاحي؛ إذ أعلنت أكبر شركة شحن بحري في العالم "إم إس سي" في 18 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، تغيير مسارات سفنها لتجنّب المرور في البحر الأحمر بسبب تزايد الهجمات فيه.
هذا وكانت شركات أخرى قد أخذت الخطوة نفسها بعد الهجمات، منها شركة ماريسك الدنماركية، وسي إم إيه الفرنسية، وهاباغ لويد الألمانية. وانعكست هذه الخطوة سلبًا على حركة الملاحة في قناة السويس، التي أكّد رئيس هيئتها الفريق أسامة ربيع، الأحد 17 ديسمبر/ كانون الأول، في بيان توضيحي، بأن إدارة الشركة تتابع عن كثب التطورات الجارية في البحر الأحمر، ومدى تأثير ذلك على حركة الملاحة في القناة. وكانت صحيفة هآرتس الإسرائيلية قد ذكرت أن مصر أصبحت الضحية الرئيسية لانضمام الحوثيين إلى الحرب في غزّة، بمنعهم السفن القادمة إلى إسرائيل من المرور عبر باب المندب.
قد يكون "حارس الازدهار" حلفًا دوليًا لردع الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، ولكن الوجود العسكري الأميركي كان قبل أن تكون هناك فكرة الحارس، أي قبل أن تعلن الحركة الحوثية بدء العمليات نصرة لغزّة. هذا ما يطرح التساؤل حول الحراسة الأميركية في البحر الأحمر، ولمن هي قائمة؟
في العودة إلى الوراء قليلًا، قبل السير في التطبيع بين السعودي والإسرائيلي، حمل ملفّ التطبيع شرطًا سعوديًا يطلب فيه من الأميركي تقديم ضمانات أمنية للمملكة، تحديدًا من جهة ضبط الأعمال العسكرية للحوثيين. هذه الجبهة التي دفعت بالرياض للهرولة إلى الحاضن الصيني، لتوطيد العلاقة مع إيران حارسة الحوثيين، الأمر الذي أوقف هجمات الحركة إلى العمق السعودي. 

الوجود الأميركي في المنطقة يحمل رسائل أبعد من حماية إسرائيل، وأبعد من تهديدات إيران ومحورها

من أهداف الحلف الذي تعمل واشنطن على تفعيل دوره، ما يرتبط بمدى توجيه ضربات عسكرية على حركة الحوثيين في اليمن، وذلك لشلّ قدرة تأثيرها في البحر الأحمر أو على فتح أي حربٍ جوار مع المملكة والإمارات في المستقبل. إذ إن الهدف إعادة تفعيل الثقة بين المملكة وواشنطن، والتي كانت قد تشكّلت في 14 فبراير/ شباط 1945 على الطراد يو أس أس كوينسي إثر اجتماع بين الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت للتمهيد لعلاقة تاريخية بين البلدين.
خسرت إدارة الرئيس جو بايدن ثقة الرياض من خلال السياسة التي اتبعتها مع تفكيك شبكة المنظومات الدفاعية من المملكة، إلى ممارسة الضغط الأميركي بشأن قضية جمال خاشقجي، وصولًا إلى إعادة التفاوض مع الإيراني بشأن الملف النووي، رغم معارضة الرياض الشديدة لذلك. دفع هذا الأمر المملكة إلى التوجه نحو الحضنين، الصيني والروسي، والابتعاد عن كونها حليفة لأميركا في المنطقة، ما أوجد فراغًا كبيرًا لسياسة بايدن، عملت إيران على ملئه عبر وكلائها في المنطقة.
لهذا، يرى المتابع أن الوجود الأميركي في المنطقة يحمل رسائل أبعد من حماية إسرائيل، وأبعد من تهديدات إيران ومحورها، بل أقرب إلى إعادة اللحمة للعلاقة بين السعودي والأميركي. فهل ستكون حاملة الطائرات الأميركية يو إس إس جيرالد فورد الحارسة للازدهار في منطقة باب المندب كوينسي 2024 لفتح الطريق أمام واشنطن إلى الرياض مجددًا؟