ثلاث مراحل صعبة أمام نواب لبنان
خفت ضجيج الماكينات الانتخابية، وأُعلنت النتائج النهائية، وتبيّن أن تأثير الثورة التي قام بها اللبنانيون، مطالبين بتغيير جذري، لم يكن كبيرا، وبدا ذلك من الإقبال المنخفض على التصويت، فلم تتجاوز النسبة التي كلفت نفسها المشاركة في أقلام الانتخابات 41%، وهي بعكس ما قاله وزير الداخلية اللبناني، نسبة قليلة إذا ما قورنت بحجم الغضب الشعبي الذي ظهر في السنوات الأخيرة.
لم تظهر نتائج ثورة اللبنانيين بشكل واضح على شكل الطبقة السياسة التي أفرزتها الانتخابات، فلم ينجح من القوى التي سمّت نفسها قوى التغيير أكثر من 12 نائبا، وقد يكون قرار سعد الحريري مقاطعة الانتخابات صبّ في مصلحة هذه القوى الجديدة بالتحديد، فصوّت مناصروه لهم. وعلى الرغم من أن النتيجة النهائية قد سلبت بعض النفوذ السياسي في المجلس النيابي من حزب الله، فإن هذا الحزب، بما يملكه من قوة "مادية"، قادر على التعايش مع هذه النتيجة، وقد يكون ظهور حسن نصر الله بعد الانتخابات، مخاطبا اللبنانيين بنبرة صوت منخفضة، ووجه باسم، تعبّر عن الطريقة التي سيتفاوض بها مع خصومه وحلفائه خلال الاستحقاقات الثلاثة التي تنتظر هذا المجلس في الأشهر الستة المقبلة.
أول هذه الاستحقاقات وأشدّها إلحاحا يجب أن يتحقق في أولى جلسات النواب الجدد لانتخاب رئيس للمجلس. وفي المشهد يبدو نبيه بري الرئيس المزمن لهذا المجلس، الذي لطالما ضمن مقعده بكل سهولة سابقا، أما اليوم فالأمر مختلف جدا وشديد التعقيد، وقد لا يحصل على أغلبية مطلقة، ويتعقّد عقد الجلسة الأولى، فقد يُحجم النواب الذي لا يرغبون في رؤية برّي رئيسا لمجلسهم عن الحضور، وهؤلاء كثر، وقد يكون أبرزهم أعضاء التيار الوطني الحر نفسه، ومن بعده بقية تقليدية ممن كان في المعارضة من حزب القوات اللبنانية أو حزب الكتائب أو التغييريين ومستقلين كثيرين. ولكن الأعراف السياسية اللبنانية تشترط أن يكون رئيس المجلس النيابي من الطائفة الشيعية، ولا يوجد أي نائب شيعي مستعد للترشّح في وجه برّي، وهي المعضلة التي يجب حلها قبل الحديث عن المشكلات الاقتصادية والخدمية وبقية الأزمات.
قد تستهلك قضية نبيه برّي بعض الوقت وتستدعي تنازلات من هنا وهناك، وقد يأتي التنازل في ملف اختيار رئيس الحكومة، وهي مهمةُ تالية تنتظر المجلس، فيما لو أفلح في اختيار رئيسه. عندها، يختلي الرئيس اللبناني بكل قائمة انتخابية على حدة، في ما يُسمّى المشاورات الملزمة، قبل أن يرشّح رئيسا "سنيا" للوزراء عليه أن ينتقي حكومة. وإن مرّ اختيار بري رئيسا لمجلس النواب دون تأخيرات وتعقيدات ومساومات، فإن تسمية رئيس الوزراء تتجاوز المجلس النيابي اللبناني، فهذه يتدخل فيها الإقليم كله! ولكل بلد "مهتم" بلبنان مرشّحه الخاص. وهنا قد تطول المدة قبل أن تجرى تسمية رئيس الوزراء الجديد، وقد يستهلك هذا الأمر وقتا أطول ليسمّي الرئيس أعضاء حكومته، لأن اختيار حكومة في ظل تشرذم نيابي غير مسبوق قد يكون مهمةً أقرب إلى الاستحالة. وهنا سيستمر التعطيل وقتا أطول، وقد يكون على اللبنانيين ساعتئذ تحمّل مزيد من الضغط الاقتصادي المطبّق حاليا.
بعد عبور كل هذه المطبّات، ينتظر الجميع نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول، موعد مغادرة الرئيس ميشال عون منصبه، وقبلها يجب على هذا المجلس أن يختار رئيسا جديدا خلفا لعون، وهو من الطائفة المارونية بحسب توافقات السياسة اللبنانية. وقد تكون هذه الطائفة من أكثر الطوائف انقساما في لبنان، فهي موزّعة بين كتل حزب القوات اللبنانية والكتائب والتيار الوطني الحر ومستقلين آخرين، وكل فئة تنظر إلى هذا المنصب بعين الطموح، ولا يمكن استثناء حتى شخصية مثل كميل دوري شمعون، وهو نائب واحد يمثل حزبا كاملا، الوطنيين الأحرار.