تركيا ومصالحة النظام السوري
تعمل تركيا على مصالحة النظام السوري والمعارضة. هذا هو ملخص تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، التي حرّكت البركة الراكدة مع أنقرة، وقلّلت من مفاعيلها لاحتواء ردود الفعل السورية ضدها. وبغض النظر عن دوافع تصريحات أوغلو والأهداف من ورائها، فإن ما يلفت الانتباه هو الموقف الشعبي الذي عبّر عن نفسه من خلال تظاهرات واسعة في المناطق الخارجة عن نفوذ النظام، وأغلبها تحت سلطة فصائل عسكرية سورية مسلحة تربطها صلات متينة مع تركيا، سواء التي في إطار الجيش الوطني والحكومة المؤقتة، أو هيئة تحرير الشام. وهذه الأطراف لم تتدخل في سير التظاهرات، بل إن بعض أفرادها شاركوا فيها، وهم يعلمون مدى حساسية الأمر، الذي يمسّ، في مكان ما، العلاقات مع السلطات التركية، وربما لم يقدّر البعض أن تكون ردود الأفعال بهذا المستوى من الزخم، الذي وصل في بعض المناطق إلى إحراق العلم التركي على نحو فردي وغير مسؤول، لا يعبر عن الروحية العامة للاحتجاجات التي كانت تريد إيصال رسالة إلى أنقرة، فحواها أن هذه المناطق التي تربطها بها علاقات متميزة، وتستقبل قوات وقواعد تركية، غير راضية عن سياسة الانفتاح على النظام السوري.
لم تأت تصريحات الوزير التركي في سياق ملائم، بل على العكس، جاءت وسط تطوّرات لا تخدمها. وهناك المعطيات التي تعمل ضدها، أولها فشل مساري أستانة وجنيف في الوصول إلى أرضية حد أدنى لحل سياسي في سورية، بعد سنواتٍ من الاجتماعات التي حضرتها وفود النظام والمعارضة، برعاية الدول الضامنة والأمم المتحدة، وكان المعرقل الأساسي هو النظام الذي يحظى بدعم روسيا وإيران، وبالتالي، يرى قطاع واسع من السوريين في المصالحة نوعا من التنازل والتسليم بشروط النظام، ولن تخرج في كل الأحوال عن إطار مسار أستانة، الذي استعاد بفضله النظام السيطرة على أغلبية المساحة الجغرافية، التي كانت تقف عليها الفصائل المسلحة. والثاني، مخطط تركيا لإعادة حوالي مليون لاجئ سوري إلى الداخل، وإسكانهم في مناطق حدودية، وهذا يلقى معارضةً في أوساط اللاجئين الذين ينتظرون العودة إلى بيوتهم التي هجرهم منها النظام، على أسسٍ تتوفر فيها ضمانات دولية، ولا تمليها الحاجة التركية فقط. والثالث، تصاعد موجة العنصرية ضد اللاجئين السوريين، التي تزداد حدّة كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية في يونيو/ حزيران المقبل. والأمر الرابع أن تركيا لا تمتلك أوراق ضغط فعلية على النظام ليقبل مصالحة متكافئة، وهي غير قادرة على توفير ضماناتٍ دولية للضغط على النظام للدخول في مصالحة، مهما كان شكلها ومضمونها.
من المؤكد أن تركيا تتعرّض لضغوط روسية إيرانية للتطبيع مع الأسد، ولا شك أنها ضاقت ذرعا بأعباء اللجوء السوري الذي بات رقما حسّاسا في المعادلة الداخلية، ومن حقها البحث عن حلول تخفّف من الآثار السلبية، وتلبي مصالحها الخاصة وتطلعاتها الإقليمية والدولية، ولكن قدرها الجغرافي والتاريخي يرتّب عليها مراعاة عدة اعتبارات. أولها أن اللاجئين على أرضها يشكلون قضية ذات بعد إنساني دولي، ومن أجل تقاسم الأعباء، على أنقرة أن تضغط بثقلها الكبير، كي تتحمّل الدول الكبرى مسؤوليتها في هذا الشأن. والثاني أن الفصائل السورية المسلّحة قادرة عسكريا على إجبار النظام وروسيا وإيران على قبول حلّ سياسي. ومهما يكن من أمر، يبقى رهان السوريين على الدعم التركي قائما، ولا ينسوْن كل المساعدات، منذ بداية الثورة السورية. والثالث أن العامل الدولي غير متوفر اليوم، وصدرت ردود فعل عن بعض العواصم الغربية لا تستحسن التطبيع مع الأسد، الذي لم يقم بخطوة واحدة باتجاه المصالحة تبرّر الانفتاح عليه. ومن هنا، لا تتوفر لهذه الخطوة أسباب النجاح.