بوزنيقة والمربّع الليبي الأول
ما إن ظهر إلى العلن أن توافقا ليبيّا حدث بين أعضاء لجنة 6 + 6 المشتركة بين مجلس النواب في طبرق والمجلس الأعلى للدولة في طرابلس التي اجتمعت أخيرا في بوزنيقة المغربية لتحقيق التوافق وإعداد القوانين الانتخابية، إلا وظهرت معها على السطح بوادر الخلاف والاختلاف مرّة أخرى، بين أعضاء اللجنة أنفسهم من جهة، بحسب البيانات والتصريحات، ناهيك عن الخلاف المجتمعي والنخبوي حولها، وكذلك بشأن المسوّدات التي أخرجتها هذه اللجنة من جهة أخرى، ولتكون المحصّلة النهائية الفشل في التوافق كما هي العادة، والعودة إلى المربّع الأول مرّة أخرى.
كما أن الخلاف الذي أفسد الإعلان النهائي هو الأول، بشأن شروط ترشّح مزدوجي الجنسية، وصلاحيات الرئيس والبرلمان، وعدد أعضاء البرلمان، والقضايا الدستورية المصاحبة، بما فيها شرعية هذه اللجنة التي رأى كثيرون أن عملها ما هو إلا عبث وقفز على الإعلان الدستوري، وإسناد مهام واختصاصات دستورية أصيلة للمجلس التشريعي، وليس لأعضاء منه. كما أن الخلاف جاء أيضا بشأن إجراء الانتخابات الرئاسية من جولتين، بغض النظر عن النسبة التي تكون في الجولة الأولى، الأمر الذي رأى كثيرون أنه "سابقة" لم يسبقهم إليها أحد من قبل! كما أن هذا التوجّه هو حكم على إفساد الانتخابات وإفشالها إن لم يكن في الجولة الأولى ففي الثانية، باعتبار أن من يتحصل على نسبة 50+1 في الجولة الأولى كيف يكون مقبولا إلزامه بالجولة الثانية!
وفي المقابل أيضا، فُتحت أبواب أخرى للخلاف بشأن زيادة أعضاء مقاعد مجلس النواب، إلى 90 مقعدا جديدا بعد أن كان مائتي مقعد وليصبح 290 مقعداً، من دون أن تُبيّن الرؤية التي اتخذت في هذا الشأن والآلية المتبعة في ذلك، لا سُكانيا ولا حتى جُغرافياً، وكأن هذا التوجّه لم يوضع تحت المعايير الحقيقية، وإنما أريدت الزيادة لحسابات أقلّ ما يمكن أن توصف بأنها ستزيد الخلاف، وتفتح باباً آخر فيه، كما أن استحداث مقاعد جديدة في ظل دولةٍ تمرّ بأزمة سياسية حادّة سينتج تناقضات جديدة، بل وحادّة على المديين، القريب والبعيد، خصوصا في دولة تتجاذبها الانقسامات والصراعات السياسية المتجدّدة، كما أن هذا التوجّه ستعتريه كذلك أزمات قانونية ودستورية متراكمة على الأزمة الليبية ككل؛ الأمر الذي يضع علامات استفهام كبيرة أمام جدوى الخوض في عدد المقاعد في هذه المرحلة الانتقالية الصعبة، الذي يمكن أن يتلافى باعتماد العدد السابق المعتمد في انتخاب المؤتمر الوطني العام 2012، أو البرلمان، في 2014، كآلية توافقيةٍ لإنجاح الانتخابات البرلمانية وتجنيب البلاد مزيدًا من التشظي والانقسام بشأن قضايا يكون لها أثر في المجتمع ككل، ناهيك أن هذا العمل بالزيادة أو النقصان لأعضاء من يمثلون القاعدة الشعبية المجتمعية هو حقّ أصيل لجسم تشريعي منطلق من القاعدة المجتمعية، صحيح الشرعية، وبعيد عن الاستقطاب السياسي، فضلا عن أن تتولّاه لجنةٌ من أعضاء محدّدين فحسب!
حكم على إفساد الانتخابات وإفشالها إن لم يكن في الجولة الأولى ففي الثانية، باعتبار أن من يتحصل على نسبة 50+1 في الجولة الأولى كيف يكون مقبولا إلزامه بالجولة الثانية
وفي المجمل، الخلاف قائم ولا يزال يدور في المربع الأول، وبالتالي، فإن الاستمرار على هذا المنوال والتوجّه لن يأتي بنتيجة تذكر، خصوصا أن المجتمع الداخلي يرفض هذا الاختلاف، على مستوياتٍ متعدّدة، ولعلّ آخرها رفض قيادات عسكرية مخرجات لجنة 6 + 6، مطالبين بضرورة إجراء الانتخابات وفق قوانين صحيحة مُتفق عليها من كل الأطراف، وتكون سليمة وصحيحة، وتبتعد عن الاستقطابات السياسية المغلقة.
وأخيراً، لن تكون النظرة السياسية إلى العامل الخارجي وفق هذا الفعل تقليدية؛ بل سوف تكون مغايرة في مقبل الأيام، خصوصا من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، سواء بإشراك أطرافٍ أخرى لصياغة القوانين السياسية والأطر الدستورية اللازمة لتجديد السلطة التشريعية، أو أي عمل آخر يسرّع من الوتيرة الحقيقية والفعلية لإنجاز طريق واضحة المعالم، تنجح في الابتعاد عن الخلاف، وتحقّق شيئا من التوافق، إن لم يكن كليا فجزئيا على أقل تقدير.