انتخابات لبنانية بحكم الساقطة سلفاً؟

23 ابريل 2022

لافتات في بيروت دعاية لمرشّحين في الانتخابات اللبنانية (19/4/2022/الأناضول)

+ الخط -

تتكثف المواجهة الانتخابية النيابية في لبنان في الدوائر ذات الهيمنة المباشرة والكاملة "للثنائي الشيعي" عموما، وحزب الله خصوصا. من هنا تكتسب المعركة الانتخابية في دوائر الجنوب اللبناني بعدا استراتيجيا سينعكس حكما في مدى الشراسة والعنف الذي قد يرافقها. على اعتبار أن القوة الضاربة للنظام اللبناني الآن، لا بل نقطة تكثيف قوة هذا النظام، هي في طرف حزب الله الذي أعلن، في عدة مناسبات، وفي مقدمتها غزوة بيروت في 7 مايو/ أيار 2008، وفي خطابات أمينه العام، حسن نصرالله، في فترة انتفاضة 2019 خصوصا، أن حزب الله هو من يضع المعادلات العامة والعناوين العريضة للحياة السياسية اللبنانية، وهو من يقرّر إن كان مسموحا إسقاط النظام أو الحكومة أو الرئاسة، أو إجراء أي تغيير… إلخ.

من هنا تتسم عملية الاقتراع في الجنوب بطابع دقيق، يجعلها بوصلة المواجهة المباشرة التغييرية مع النظام، سيما في دائرتي الجنوب الثانية (صور والزهراني) والثالثة (بنت جبيل والنبطية ومرجعيون وحاصبيا)، والتي هي أصعب الدوائر وأخطرها في هذه الانتخابات، فالدائرة الثانية هي معقل رئيس مجلس النواب منذ نحو ثلاثين عاما، نبيه برّي. والدائرة الثالثة التي هي المعقل الأساس وثقل حزب الله، وميدان أساس من ميادين تكثيف امتداده وبسط سلطته وسلاحه ونفوذه.

حزب الله هو من يضع المعادلات العامة والعناوين العريضة للحياة السياسية اللبنانية

ولا تتأتى صعوبة المواجهة في الدائرتين من أنهما معركتان حول العناوين السياسية حصرا، بل أيضا من أنهما المعركتان الأخطر على مختلف المستويات الأخرى، وفي مقدمتها المستوى الأمني الذي شاهدنا هشاشته في الهجوم الذي شنّته مجموعات في فلك حركة أمل في منطقة الصرفند يوم 16 إبريل/ نيسان الحالي (إغلاق طرقات، رشق حجارة، استخدام السلاح، الضرب، الشتم .. إلخ)، لمنع وصول جمهور المعارضة والمرشّحين عن هذه الدائرة، ما حال دون القدرة على إطلاق حملة لائحة المعارضة الموحدة في دائرة الجنوب الثانية (معًا للتغيير). وهو ما يشي بأن جو الأيام المقبلة لن يكون تأزيما على مستوى العناوين السياسية للمواجهة والتمثيل حصرا، ولا على مستوى استخدام خطاب التخوين المستمرّ منذ سنوات فحسب، بقدر ما يشي بأن المعركة الديمقراطية ذاتها في حكم المستحيل، ليس لشيء إلا لعدم قدرة القوى الأمنية والعسكرية على إنجاز الاستحقاق بنوع من الأمان والسرّية والحرية التي لا بد من توفرها في أية انتخابات على هذا المستوى.

وبالكلام عن غياب الديموقراطية وآلياتها في المنافسة، نتكلم عن كل ما يمكن أن يسهم في تكريس المعادلة سلفا، وصولا إلى كل ما يظهر نتيجة الانتخابات قبل أن تحدُث. فالسؤال الأمني، على هذا الشكل، ليس تفصيليا يمكن غض النظر عنه بهذه السهولة والبساطة، واستكمال المواجهة كأنه لم يكن. بل هذا النوع من الممارسات، وما يرافقه من أسئلة، سيؤثّر حكمًا على عملية التصويت، خصوصًا أن سياسة الترهيب والترغيب، التخوين والاتهام، تُستخدَم وتُلصق بأي كلام أو موقف أو مشروع يواجه مشاريع أمل وحزب الله في لبنان. فأي ناخب سيشعر، وبشكل تلقائي، بنوع من الخوف خلال الإدلاء بصوته، وليس سلوك القوى الأمنية والعسكرية الناعم (على خلاف سلوكها مع التغييريين خلال تحرّكاتهم) الذي رافق عملية الاعتداء إلا تأكيدا على ذلك، فهل ستؤمن هذه القوى حسن سير العملية الانتخابية؟ هل تستطيع تأمين الحماية اللازمة للمرشّحين، وللمقترعين، وللمندوبين الثابتين والمتجولين لقوى المعارضة؟… إلخ.

تتسم عملية الاقتراع في الجنوب بطابع دقيق، يجعلها بوصلة المواجهة المباشرة التغييرية مع النظام

من ناحية ثانية، يعرف أي متابع لمجرى الانتخابات النيابية اللبنانية المخالفات التي ترافق عملية الاقتراع والفرز: إما لفتح باب الاقتراع ساعات وساعات بعد انتهاء التوقيت الرسمي المحدّد (كما جرى في دائرة بعلبك الهرمل في انتخابات 2018)، أو لناحية التأخير المتعمّد خلال عملية الفرز (ما شوهد في إحدى دوائر بيروت خلال الانتخابات الماضية)، ناهيك عن اختفاء صناديق لدى نقلها من مراكز الاقتراع إلى مراكز الفرز، والتلاعب ببعضها الآخر، واختفاء أصوات منها… إلخ. وصولًا أيضًا إلى السمة المستمرّة، قطع التيار الكهربائي عن مراكز الفرز، ما يفتح الباب أمام كل عمليات التزوير والتلاعب بالصناديق. هذا من دون أن تُغفل إمكانية افتعال أي إشكال، في أي مركز، وفي أية لحظة قد يشعر فيها أحد أطراف السلطة عموما، والثنائي خصوصا، بأن سير الاقتراع ليس في صالحه.

ليس التركيز على هذه الممارسات سوى البداية الضرورية التي لا بد أن ترافق محاولة قراءة استحقاق ونتائج الانتخابات النيابية اللبنانية يوم 15 مايو/ أيار المقبل. وهي، بشكلها الأولي، تظهر، بما لا يطاوله أي شك، أن انتخابات كهذه لن تعكس بالضرورة التمثيل الفعلي للمعارضة الجنوبية وللسلطة على حد سواء: للمعارضة، ﻷن جمهورها يمكن أن يخاف، وقد يُحجم عن المشاركة بسبب ممارسات الترهيب والترغيب والتخوين في حقه وفي حق مرشّحيه ومشروعهم وعناوينهم، مع حملات تهديد قد تطاول أهاليهم. وللسلطة، لأن الجمهور لا يمكن قياس قناعته، وبالتالي حجمه، بالترافق مع عملية القولبة والتخويف المذهبي التي تقصفه بها قوى "الثنائي الشيعي" ليل نهار.