انتخابات إيران للمضي نحو مزيد من التشدد

01 مارس 2024

ملصقات انتخابية لمرشحين في الانتخابات الإيرانية في العاصمة طهران (28/2/2024/فرانس برس)

+ الخط -

لم تحظ الانتخابات البرلمانية، وانتخابات مجلس خبراء القيادة في إيران، المزمع إجراؤها اليوم، 1 مارس/ آذار، بالاهتمام الكافي من وسائل الإعلام الدولية، كما أن الاهتمام الداخلي بها، خصوصاً على المستوى الشعبي، لا يرقى إلى مستوى أهميتها على المستويين، التشريعي والقيادي، بالنظر إلى عوامل متعدّدة. وبات متوقّعاً أن تسجّل هذه الانتخابات نسبة مشاركة أقلّ بكثير من سابقاتها، على الرغم من حرص النظام الإيراني على إجراء جميع الاستحقاقات الانتخابية ومراكمة السياق الانتخابي، بما يوحي باستقراره وتماسكه، وتأكيد قدرته على إتاحة التصويت الشعبي، وإبراز تماسكه الداخلي بعد مرور 45 عاماً على تأسيس الجمهورية الإسلامية.

تعد هذه الانتخابات الأولى بعد الانتفاضة الشعبية للإيرانيين، والاحتجاجات التي اندلعت بعد وفاة الشابة مهسا أميني في نهاية العام 2022، وقادتها نساء إيرانيات، وشهدت مشاركة فئاتٍ مختلفةٍ من الشعب الإيراني. لذلك يسعى النظام الإيراني إلى تصويرها بمثابة تجديدٍ لشرعيته الشعبية، ويدفع باتجاه زيادة المشاركة في السوق الانتخابية، سواء عبر الحشد لها إعلامياً من خلال تخصيص عشر قنوات تلفزيونية، أم من خلال زيادة عدد المرشّحين في المدن، حيث وصل عددهم فيها إلى أكثر من 15 ألف مرشح، سيختارون 290 عضواً للبرلمان لأربع سنوات، و88 عضواً لمجلس خبراء القيادة لثمانية أعوام. وعلى الرغم من ذلك، تفيد استطلاعات الرأي الرسمية بأن نسبة المشاركة في الانتخابات ستكون في أدنى مستوياتها، فقد أعلن حسن مسلمي نائيني، رئيس الجهاد الجامعي، الذي يشرف على مؤسّسة استطلاعات الرأي "إيسبا"، أخيراً، أن 27.9% فقط من المواطنين قالوا إنهم سيشاركون بالتأكيد في الانتخابات، وفي المقابل، أكّد 36% أنهم لن يشاركوا. ودفعت هذه التوقّعات وسائل الإعلام الرسمية إلى محاولة تبرير انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات الإيرانية، بالحديث عن انخفاض نسب مشاركة شعوب دول أخرى في انتخاباتها في السنوات السابقة. واللافت أن 52% من الناخبين الإيرانيين لا يعلمون متى ستجري الانتخابات، حسب استطلاع رأي نشرته صحيفة هم ميهن، وأجرته مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية في نهاية شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، ما يشي بأن العزوف عن المشاركة في الانتخابات قد يكون كبيراً، وبما يمكن اعتباره فعلاً احتجاجياً على تردّي الأوضاع المعيشية والاجتماعية لفئات واسعة من الإيرانيين. فضلاً عن أن عديدين من المستطلع رأيهم اعتبروا أن نواب البرلمان لم يعودوا ممثلين للشعب بل للنظام الحاكم. وبالتالي، تفيد كل المعطيات المرافقة للعملية الانتخابية المقبلة بأن المنافسة ستنحصر بين متشدّدين من أجنحة التيار المحافظ وأحزابه، وبما يعني أنها ستشكّل معركة محدودة داخله أطرافه لنيْل أصوات القاعدة الموالية للنظام، التي يقدّر نسبتها الخبراء بين 20% و30% من أصوات الناخبين الإيرانيين، لذلك لا يتوقّع أن تتجاوز نسبة المشاركة فيها هذه الحدود.

المشاركة في الانتخابات لا معنى لها، لأنها غير تنافسية، وغير عادلة، وغير فعّالة

دفعت التقديرات بانخفاض نسبة المشاركة الشعبية المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي، إلى مهاجمة من يصورّ الانتخابات عديمة الفائدة، واعتبر أن كل من يعارضها يعادي "الجمهورية الإسلامية والإسلام"، وكرّر التشديد في أكثر من مناسبة على أهميتها، بوصفها تأكيداً لتجديد المشروعية التمثيلية التي يمنحها الناخب الإيراني لسياسات النظام داخلياً، وللاستمرار في سياسة المواجهة مع الغرب، في ظل العقوبات والضغوط الخارجية التي تستهدفه وتنال من شرعيّته. لكن اهتمام الجهات المشرفة على الانتخابات انصبّ على استبعاد مرشّحي التيارين، الإصلاحي والمعتدل، لمصلحة قبول ترشيح المتشدّدين في التيار المحافظ في محاولة للجنوج أكثر نحو التشدّد، حيث يريد التيار المحافظ تحويل العدد الكبير للمرشّحين في الانتخابات إلى مكسبٍ له، وإحكام سيطرة قواه وأحزابه على المشهد الانتخابي ومعركته، وبما يحدّ من الأجواء التنافسية فيها، الأمر الذي أفضى إلى التقليل من أعداد مرشّحي التيار المعتدل والإصلاحي، والحدّ من تحفيز الشارع الإيراني للمشاركة الواسعة فيها، لأن خياراته الانتخابية باتت محصورة بشكل كبير بين مرشّحين متشدّدين من المحافظين التقليديين أو المحافظين الجدد أو القوى الثورية الأصولية.

يُقدم رفض مجلس صيانة الدستور ترشيح عديد من المرشّحين المنتمين إلى التيار الإصلاحي والمعتدل، مثل الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، دليلاً فاقعاً على أن التيار المتشدد الأصولي الحاكم في إيران يريد الاستئثار بالسلطة، وإبعاد كل المعتدلين عن مختلف مفاصلها، إذ من غير الممكن القبول بأن المجلس حكم بعد أهلية روحاني للترشّح، إلا إذا كانت وراء ذلك غاياتٌ سياسية، خصوصاً وأن الاستبعاد طاول آخرين من التيار المعتدل نفسه. وقد سبق أن رفض المجلس في انتخابات سابقة ترشيح كل من الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، ورئيس البرلمان السابق علي لاريجاني، وحفيد آية الله الخميني، حسن الخميني، وغيرهم ممن يوصَفون بالمعتدلين والإصلاحيين.

تكهنات بأن عملية الاقتراع ستكون مهندسة ومعروفة النتائج، وتصل إلى حدّ اختيار الفائزين فيها قبل إجراء عملية الانتخاب

الملاحظ أن استبعاد روحاني، واستبعاد عديدٍ من المرشّحين الإصلاحيين والمعتدلين المؤهلين للانتخابات العامة ولمجلس القيادة، لم يؤدّيا إلى ردود فعل واسعة بين صفوف الإيرانيين، على الرغم من أنه يشكّل تهديداً للمشاركة العامة والمنافسة العادلة بين التيارات السياسية، حيث يُفضي إلى تحويلها إلى سباق حصانٍ واحد، أو بالأحرى طرف واحد. وبالتالي، تصبح المشاركة في الانتخابات لا معنى لها، لأنها غير تنافسية، وغير عادلة، وغير فعّالة، وتفتح باب التكهنات بأن عملية الاقتراع ستكون مهندسة ومعروفة النتائج، وتصل إلى حدّ اختيار الفائزين فيها قبل إجراء عملية الانتخاب.

يذهب إيرانيون إلى تصوير ما قام به مجلس صيانة الدستور بعملية تصفية لكل الأصوات المعارضة للنظام، وتلك التي تتمايز في أطروحاته عنه، أو تحمل خطاباً مغايراً لخطابه. وبالتالي، الغاية من الانتخابات تمكين محافظي النظام من إحكام قبضتهم على سائر مفاصل الحكم من خلال عملية اقتراع وظيفية، يجري استخدامها بهدف إقناع حاضنته الشعبية بالتزامه بمبادئه الجمهورية، حيث يعتبر النظام هذه الانتخابات بمثابة تجديدٍ له ضمن دائرته الأكثر أصولية وتشدّداً، ما يعني بقاء أزمة النظام في علاقاته مع الداخل الإيراني أولاً، ومع الخارج الدولي والإقليمي ثانياً، حيث لا تزال الأزمات الاقتصادية والمعيشية تعصف بحياة الإيرانيين، فيما يعيش النظام، في ظل العقوبات الأميركية المفروضة عليه، وحرب الظل بينه وبين إسرائيل التي قتلت عديدين من ضباطه ومستشاريه العسكريين في سورية، فضلاً عن استهدف الولايات المتحدة المليشيات التي يدربها ويمولها في سورية والعراق وحتى اليمن.

5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".