المواطن صابر والتعويم والغزو

05 ابريل 2022

(عمر النجدي)

+ الخط -

استيقظ المواطن صابر من نومه ليذهب إلى عمله كما يفعل كلّ يوم، لكن هذا اليوم كان مختلفاً، فقد ذكّرته زوجته بأنّ عليه ألّا ينسى شراء مستلزمات رمضان، مثلما ينسى أو يتجاهل كلّ يوم، فالأسعار تتضاعف بشكل متسارع يومياً، وعليه أن يوفر كلّ كميات "الياميش"، أو مستلزمات رمضان من التمر والمكسّرات واللحوم والكنافة والقطايف، قبل الزحام والتهافت عليها، أو قبل ازدياد الأسعار مرّة أخرى.
خرج المواطن صابر، هذا اليوم، من عمله الحكومي، وتوجّه إلى الأسواق الشعبية التي تتميز بأنّ الأسعار فيها أقل نسبياً من مثيلاتها في المناطق الراقية أو من المحلات الشهيرة، ففي الفترة السابقة لهذا اليوم زادت الأسعار بشكل جنوني، وزادت أكثر بعد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، ولذلك رضخ أخيراً لإلحاح زوجته بضرورة الإسراع بشراء مخزون رمضان. ولكن صدمة شديدة أصابته عندما وجد أنّ الأسعار زادت بنسبة تقارب الـ50%.
لم يستكمل العم صابر الشراء، إنه يوم تعويم سعر الدولار وارتفاع سعره بشكل مفاجئ أكثر من 20%، ولكن تجّارا كثيرين أصابتهم حالة من الهلع أيضا من ذلك التعويم المفاجئ، فامتنع كثيرون عن البيع، حتى يستطيعوا إعادة تقييم الأسعار بعد استقرار سعر الصرف، فيما بالغ آخرون في التسعير، حتى يتجنّبوا الخسارة المستقبلية إن انخفضت قيمة الجنيه مرة أخرى، أو إن واجهوا عراقيل حكومية جديدة في استيراد السلع من الخارج.

زيادة الأسعار تعني بطء البيع وعزوف المواطنين عن شراء السلع أو تردّدهم، فهي خسارة للجميع بالطبع

أصابته الصدمة بحالةٍ من الصمت والتجهم الطويل. وبعد عدة دقائق، بدأ في سؤال البائعين والتجار عن ذلك الجنون الذي يحدُث، أجابه بعضهم بنبرة من الحزن أن تلك الزيادات عليهم أيضا، ويعانون منها مثله، وستؤثر بالتأكيد على المبيعات، فزيادة الأسعار تعني بطء البيع وعزوف المواطنين عن شراء السلع أو تردّدهم، فهي خسارة للجميع بالطبع. ثم بدأ نقاش في السوق بين التجار والزبائن والمارّة، برّر بعضهم ذلك بارتفاع سعر الدولار، وبرّره آخرون بالحرب الروسية الأوكرانية التي تسببت في زيادة أسعار القمح والوقود وسلع رئيسية عديدة.
تدخّل أحد المارّة في الحديث، قائلاً إنّ ما حدث نتيجة طبيعية للمنهج الاقتصادي الذي تسير عليه الحكومة، فالاتجاه نحو الاستثمار العقاري والسياحي والخدمي، ويتم إنفاق أموال باهظة من ميزانية الدولة للمشروعات القومية وشبكة الطرق التي تخدم فقط العاصمة الجديدة وباقي المشروعات الفخمة، بالإضافة إلى القروض المتراكمة، وذلك كله يجري سداده من أموال دافعي الضرائب عن طريق زيادة مزيد من الضرائب والرسوم على المواطنين، فالاقتصاد المصري لا يعتمد على التصنيع أو الإنتاج، إنما الخدمات. ولذلك هو أكثر تأثراً بالأزمات والأحداث العالمية، فسحب المستثمرين الأجانب استثماراتهم ومدّخراتهم من الاقتصادات الناشئة وارتفاع أسعار الوقود والقمح، وزيادة كلفة الشحن، بالإضافة إلى غياب السياحة الروسية الأوكرانية عن مصر بسبب الحرب، أضرّ الاقتصاد المصري كثيراً.
صمت الجميع، ثم نظر إليه التجار ورواد السوق بارتياب، خصوصاً أنّه كانت تبدو عليه بعض سمات المثقفين أو من يطلق عليهم لقب نشطاء سياسيين، إلى أن صاح أحدهم قائلاً: "منّك لله يا بوتين.. منّك لله.. "، فردّ عليه آخر غاضباً: "وهل بوتين هو السبب؟ ده يدافع عن أمنه القومي ضد الناتو والأمريكان.. ". بدأ بعضهم في النقاش والسخرية، وانقسموا فريقين مرة أخرى بين منتقد لروسيا ومدافع عنها، إلى أن قاطعهم آخر ضاحكاً: "إنّه لم يقصد الدعاء على بوتين بالطبع، وأنتم تعلمون من يقصد بهذا الدعاء"، فنظر الجمع بعضهم إلى بعض قائلين: "منّك لله يا بوتين".

ماذا استفاد المواطن المصري البسيط من الفنادق والمنتجعات والأبراج الأيقونية والشواطئ السياحية التي يجري إنشاؤها بشكل متسارع؟

في نهاية المطاف، غادر المواطن صابر السوق، ولم يستطع إلا شراء أقل القليل من مستلزمات شهر رمضان الكريم وخزينه. لم يستطع استيعاب تلك الزيادات غير المبرّرة، هل فعلاً ما يحدث نتيجة غزو روسيا لأوكرانيا؟ أم هو استمرار لتداعيات كورونا كما قال أحدهم، لم يعنه ذلك كثيراً، فأمامه نقاش حامٍ مع زوجته عندما يصل إلى المنزل، فهي نبّهته كثيراً في الأسابيع الماضية بأنّ عليه أن يسارع لشراء الخزين ولا يتكاسل، لأنّ الأسعار سترتفع قريباً، وسيجري تحرير سعر صرف الدولار مرة أخرى.. كيف تنبأت زوجته بارتفاع سعر الدولار قبل حدوث ذلك، وهي ربّة المنزل التي لا تخرج كثيراً، وليس لها اهتمامات بالاقتصاد أو السياسة؟
وبعد نقاش منزلي طويل، وبعد استخدام المواطن صابر كلّ مقولات العظة والحكمة والأحاديث النبوية الشريفة عن ضرورة الترشيد، وأنّ رمضان هو شهر الصيام والتقشّف والإحساس بالفقراء، وليس العزومات والولائم والتفاخر والبذخ. وانتهى النقاش بأن أجريا حسابات رياضية معقدة لحساب الحد الأدنى الذي يكفي عدداً قليلاً من عزومات العائلة، بالإضافة إلى عدد محدود من الأطعمة والأكلات والمشروبات الرمضانية المصرية الشهيرة. ولكن، في نهاية المطاف، ظل عقله يثير مئات الأسئلة بدون إجابة، لماذا أصبح الحال هكذا بعد أكثر من تسع سنوات من الوعود البرّاقة بأنّ المستقبل سيكون عظيماً، وأين ذهبت أخبار الأرباح المهولة لقناة السويس الجديدة التي بشّروا بها؟ ولماذا تُصرف كلّ تلك المليارات على الطرق التي تخدم المشروعات السياحية الجديدة؟ ولماذا تُنفق مليارات جديدة لتعديل طرق أُنشئت منذ وقت قليل، وماذا استفاد هو، المواطن البسيط، من تلك الفنادق والمنتجعات والأبراج الأيقونية والشواطئ السياحية التي يجري إنشاؤها بشكل متسارع؟ وهل يدفع الأغنياء نصيبهم من الضرائب، كما يدفع هو المواطن البسيط ويسدّد ضرائب ورسوماً في كلّ خطوة يخطوها، وهل يدرك صنّاع القرار أنّ تلك القرارات والسياسات ستمثل عبئاً وثقلاً متزايداً قد يؤدّي إلى ما لا تُحمد عقباه يوماً ما؟ وكيف سيكون طعم رمضان هذا العام، بعدما قرّر تحديد عدد العزومات العائلية وتقليل كمية الوجبات الرمضانية الشهيرة التي تحتاج للمكسّرات باهظة الثمن؟

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017