المطلوب قبل الحديث عن خلافة محمود عبّاس
عندما ملأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قبل شهر، منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، كان واضحاً في بيان التكليف أن عضو اللجنة عن حركة فتح، حسين الشيخ، سيقوم بمهام أمين السر، فقرار من يشغل هذا الموقع يعود إلى اللجنة التنفيذية مجتمعة، وليس لرئيسها أو لحركة فتح.
منصب أمين السر الشاغر منذ أكثر من سنة ونصف السنة، منذ رحيل صائب عريقات، كان نفسه منصب محمود عبّاس عندما كان ياسر عرفات رئيس للجنة التنفيذية، وقد ساعده ذلك للصعود والترشّح لموقع رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة، ثم الفوز في انتخابات عامة رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية، وبالتالي، رئيسا لدولة فلسطين غير المكتملة في استقلالها.
الوزير حسين الشيخ، الذي بدأ يجتمع مع الوفود السياسية الدولية كما كان عريقات، جرى تثبيته رسميا في الموقع في أول جلسة للجنة التنفيذية في مقر الرئاسة في رام الله الخميس الماضي. وجاء التثبيت ضمن قائمة بكل المواقع التي جرى توزيعها بين أعضاء اللجنة الستة عشر، حيث أضيف إلى منصب أمين سر اللجنة التنفيذية منصب رئيس دائرة المفاوضات. وبذلك، أصبح الوزير حسين الشيخ، من دون أي شك أو منازع، الرجل القوي في القيادة الفلسطينية، حيث له مناصب مهمة ومفصلية في المنظمة وفي الحكومة، وفي كل ما يتعلق بالمفاوضات والعلاقات مع الجانب الإسرائيلي.
ولكن على الرغم من تلك المواقع المشابهة لما كان لدى محمود عبّاس، إلا أن هناك اختلافا جوهريا بين وضع محمود عبّاس وتوليه الرئاسة بعد عرفات، ومستقبل حسين الشيخ، فموقع الأخير لا يعني، بالضرورة، أنه وريث محمود عبّاس رسميا، أو أن القيادة الحالية، وخصوصا داخل مركزية حركة فتح، ستقبل ذلك بصورة أوتوماتيكية. وكما قال أحد كبار أعضاء اللجنة المركزية في حركة فتح، الوضع قبل غياب أبو مازن يختلف عن الوضع في اليوم التالي بعد غياب الرئيس عباس.
لا توجد إرادة حقيقية أو قيادة جادّة في العمل على تنمية وقيادة مقاومة سلمية
المحزن طبعا أنه لا حسين الشيخ ولا أعضاء مركزية "فتح" أو تنفيذية منظمة التحرير أو حكومة محمد اشتية هم منتخبون من الشعب الفلسطيني. يجب ألا تأتي القيادة بالوراثة أو التكليف، بل من خلال إرادة الشعب بأكمله، وذلك من خلال صندوق الانتخابات... قد يقول قائل إنه يجب، في فترة ثورة ومقاومة، وضع آليات الاختيار الديمقراطي جانباً. قد يكون هذا صحيحا، لو كانت هناك ثورة ومقاومة، ولكن القيادة الفلسطينية لا تزال تراهن على حلٍّ من خلال مفاوضات، وتعمل على استكمال الاستقلال لدولةٍ غير مكتملة، ومجبرة على ممارسة كل أشكال التنسيق الأمني المناقض لمبدأ المقاومة العسكرية.
واضح أن الشعب الفلسطيني مقبلٌ على تغييراتٍ في الشخوص التي ستتولي القيادة الفلسطينية. وللأسف هناك غموض بشأن التوجّه والاستراتيجية المقبلة، ففيما الاحاديث الجانبية تتركّز على شخوص الخلافة، المطلوب الآن، وفي أسرع وقت ممكن، التفاهم حول خريطة طريق التحرّر من الاحتلال والاستيطان والتشريد، فالإجماع على الاستراتيجية سيسهل عملية الاتفاق على الأشخاص المناسبين، لتولي قيادة الشعب لتنفيذ هذه الخطط. والعودة إلى الشعب لاختيار ممثليه في المجلس التشريعي الفلسطيني، وفي المجلس الوطني، أصبحت أكثر أهمية الآن من أي وقت سبق. ومن الضروري أن يرافق ذلك العمل على الفصل بين السلطة الوطنية ومنظمة التحرير، وبين الحكومة وفصائل المقاومة. لقد جرى إفساد مهام فصائل المقاومة في الضفة الغربية وقطاع غزة في حركتي فتح وحماس وغيرهما من خلال الخلط غير الصحي بين الحكم الإداري وتسيير أمور الناس وبين العمل الثوري المقاوم، وفي غياب استراتيجيةٍ يجمع عليها الشعب.
ليس الأمر سهلاً، ومن يعتقد أن لديه حلا سحريا فليتقدم إلى الأمام بكيفية الجمع بين حاجة شعب يرزح تحت الاحتلال ضمن دولةٍ غير مكتملة السيادة والمقاومة المسلحة، والتي تفتقد مقوماتٍ أساسية من عتاد وتدريب ودول جوار مساندة وغيرها من أساسيات نجاح مقاومة عسكرية.
أما إمكانية المقاومة الشعبية غير العنيفة، فهي متوفرة ومناسبة، ولكن لا توجد إرادة حقيقية أو قيادة جادّة في العمل على تنمية وقيادة مقاومة سلمية قد تكون الأفضل، كما رأينا في الانتفاضة الأولى.
كل الخيارات المتوفرة بحاجة إلى حوار جادّ وضرورة الوصول إلى إجماع أو شبه إجماع بشأن الطريق الأفضل لتحقيقه ضمن المعطيات على الأرض، وليس ضمن الأحلام والتمنّيات والخطاب الثوري غير المرتبط بالواقع .. الخلافة الفلسطينية يجب ألا تنحصر داخل أطر هذا الفصيل أو ذاك، بل يجب أن تأتي في نهاية حوار داخلي جادّ، وضمن رؤيةٍ يجمع عليها الشعب، فهل هناك فرصة لذلك قبل فوات الأوان؟