المصريون وحرب غزّة في استطلاع المركز العربي

29 يناير 2024
+ الخط -

يُظهر مؤشّر قياس الرأي العام تجاه الحرب على غزّة، الصادر أخيراً عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن لدى المصريين حزمة من مواقف ضد إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة، حيث يصنفهما غالبية المصريين مهددين لاستقرار البلاد العربية، كما يعتبرون التضامن مع الشعب الفلسطيني ضرورة يفرضها الواقع، وأداة للدفاع عن النفس أيضاً ضد هيمنة دولة الاحتلال، لذا يطالبون بخطواتٍ حاسمة، لمواجهة العدوان بشتى السبل.
وضمن استطلاع الرأي، الذي شمل مناطق حضرية وريفية من 17 محافظة، يرجع المستجيبون أسباب قيام حركة حماس بالعملية العسكرية على مواقع إسرائيلية في 7 أكتوبر إلى عدة أسباب، أبرزها استمرار الاحتلال وتوسع الاستيطان، والدفاع عن المسجد الأقصى، وتحرير الأسرى وإنهاء الحصار على غزّة. ويظهر 88% تأييدهم العملية بوصفها مقاومة مشروعة، لكن 54% يعتقدون، رغم مشروعيتها، أن هناك بعض الأخطاء وقعت في العملية، ذلك في مقابل 6% اعتبروها غير مشروعة، وهي نسبة الموافقين على اعتراف الحكومات العربية بإسرائيل، وضمنيّاً التعاون والتطبيع معها، ولا ينفصل ذلك عن رفض خيار المقاومة حلّاً للقضية الفلسطينية. ولا تُبدي هذه الفئة التي تمثل أقلية بين المصريين نقداً لمواقف الولايات المتحدة والقوى الغربية، التي تروّج "7 أكتوبر" حادثاً إرهابياً، وحركة حماس تنظيماً داعشياً يستوجب بناء تحالف دولي لمواجهته. وفي المقابل، رفض أغلب المشاركين في الاستطلاع (88%) تشبيه حماس بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، واعتبر 61% من المستجيبين أنها تختلف كلياً، وقال 17% إنها تختلف عن داعش بقدر كبير.
ويظهر اتجاه رأى بين المصريين، يبلغ 23%، أنهم يؤيدون الشعب الفلسطيني رغم اختلافهم مع "حماس"، ما يدل على عقلانية في التقدير، وأن الاختلاف السياسي لا يعني الاصطفاف مع المحتلّ أو التواطؤ معه، كما يعارض نحو 89% من المستجيبين الاعتراف بإسرائيل، ويدركون أن الشعب الفلسطيني يواجه حرباً مع دولة الاحتلال مدعومة أميركياً وأوروبياً، وهو ما يساهم في بقاء العدوان، وربما هنا إشارة إلى ذاكرة المصريين، ومواجهة بلدهم إسرائيل في ثلاث حروب، وبالتالي، يظهرون تقييماً سلبياً لموقف واشنطن بنسبة 95%، منهم 83% يقيّمون موقفها خلال الحرب على غزّة بأنه "سيئ جداً" وارتباطاً بذلك، لا يعتقد 88% أن الولايات المتحدة جادّة في العمل من أجل إقامة دولة فلسطينية على أراضي 1967 (الضفة الغربية والقدس وقطاع غزّة).

يرى حوالي 61% من المستجيبين أن مساندة الولايات المتحدة، ودول أوروبية، سبب رئيسي لاستمرار الحرب

لا ينفصل ذلك عن موقف المصريين من الإعلام الأميركي، يرى 86% من المستجيبين انحيازه لإسرائيل، وهي النسبة نفسها لدى مواطني الأردن والعراق. ويرى أغلب مواطني الدول الثلاث أن القضية الفلسطينية قضية العرب ككل، وهذا الاتجاه، المنطلق من الارتباط بالقضية الفلسطينية عروبياً وإنسانياً، والشعور بوحدة مصائر شعوب المنطقة، تنامى في مصر منذ 2011 ليتجاوز 93% خلال الحرب على غزّة، هذا مقابل، أقلية (3%) ترى أن القضية الفلسطينية تخصّ الفلسطينيين وحدهم وعليهم العمل على حلها.
أما عن عوامل استمرار إسرائيل في عدوانها، فيرجع إلى أسباب رئيسية، ترتبط بسياقات ومواقف دولية وإقليمية، يرى حوالي 61% من المستجيبين أن مساندة الولايات المتحدة، ودول أوروبية، سبب رئيسي لاستمرار الحرب، واعتبر 48% من المستجيبين أن الدعم الأميركي السياسي والعسكري يمثل العامل الأكبر، بينما الدعم الغربي الأوروبي يمثل 13%، أما عن السياقات الإقليمية، ومواقف الدول العربية، فاعتبروها ضمن الأسباب، وبين ذلك الانخراط في اتفاقيات التطبيع، وعدم قدرة الحكومات على اتخاذ إجراءاتٍ حاسمةٍ لوقف الحرب.
وبشأن أدوار مفترضة للحكومات تساهم في وقف الحرب، رأى المصريون أن أهم أربع خطوات تتمثل في إنهاء كل علاقات التطبيع، وإدخال المساعدات إلى غزّة من دون موافقة إسرائيل، وثالثاً تقديم مساندات عسكرية وتوفير الحماية لسكانها، والاستعداد لعملية تعبئةٍ عامة، ودولياً إنشاء تحالف لمقاطعة إسرائيل ودعم للفلسطينيين، ورابعاً الضغط بسلاح النفط على مؤيدي دولة الاحتلال وحلفائها، ضمن سياقات إعادة النظر في علاقات الدول العربية مع محيطيها الإقليمي والدولي.
ووفقاً للمستجيبين المتنوعين من حيث العمر ومستوى الدخل والتعليم، من المهم مراجعة العلاقات مع حلفاء دولة الاحتلال، خصوصاً واشنطن، والتي ترى نصف العينة أنها مهدّدة لاستقرار المنطقة ككل، يتّضح من المؤشر اهتمام الرأي العام المصري، باتخاذ خطواتٍ على صعيد دبلوماسي، كما إقامة تحالفاتٍ دوليةٍ تشمل الدول الداعمة للحق الفلسطيني، والمناهضة للاحتلال، كأداة ضغط ممكنة، وأيضاً خطوة لجذب أكبر كتلة من الأطراف الدولية إلى الساحة العربية.

عن متابعة المصريين أحداث الحرب المستمرّة على حدودهم، أظهر المؤشّر أن حوالي 58% يتابعون بشكل يومي

ويبدو من المؤشّر أن تقييم الرأي العام لمواقف الولايات المتحدة سلبيٌّ للغاية، وكذلك موقف نسبة من المصريين للصين وروسيا ليس إيجابياً، وربما أحدثت الحربُ أيضاً انكشافاً للدولتين والدعاية التي تصدُر عنهما تجاه المنطقة، أو أوهام يروّجها أنصار السلطوية (بجانب أصوات قومية) ما زالت تعيش في زمنٍ آخر، لا تدرك التغيّرات ولا تلتفت إلى الواقع بقدر انطلاقها من أوهامها، وتصوّر أن النظم السلطوية بقيادة الصين وروسيا تساند مشاغل دول المنطقة وشعوبها في مواجهة الولايات المتحدة والدول الغربية.
وعن متابعة المصريين أحداث الحرب المستمرّة على حدودهم، أظهر المؤشّر أن حوالي 58% يتابعون بشكل يومي، بينما يتابع نحو 19% الأخبار عدة مرات أسبوعياً، أي أن 77% يتابعون الأحداث باهتمام، بجانب فئات أقل متابعة، بينما قال 8% إنهم غير متابعين، هذا المؤشّر، قريب من الاتجاه العام عربياً، حيث يتابع نحو 59% من المستجيبين الأحداث بشكل يومياً، بينما لا يتابعها نحو 7%.
أما عن وسائل متابعة الأخبار ومتابعتها، يجمع المصريون بين الوسائل التقليدية والحديثة، حيث يعتمد ما يزيد عن 57% على القنوات الفضائية، وما يقارب 21% يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً "فيسبوك"، بينما يتابع 8% الأحداث عبر المواقع الإخبارية على شبكة الإنترنت، وربما يعكس ذلك أولاً التفاوت في مستويات التعليم والعمر ومدى استخدام الأشخاص الإنترنت في متابعة نوعية الأحداث والأخبار، ويتناقض مع تصوّر أن الجميع يتابع الأخبار عبر شبكة الإنترنت، وربما يطرح أسئلة بشأن مدى مناسبة الوسيلة الإعلامية الحدث الجاري.

يشدّد المستجيبون المصريون على أن إدخال المساعدات إلى غزّة من دون انتظار موافقة إسرائيلية إحدى الخطوات الضرورية لوقف الحرب

وعموماً، لا تعني مسألة عدم المتابعة اليومية نقصاً في الاهتمام أو عدم الاكتراث بالحرب، فهناك أسباب عدة تبعد بعضهم عن المتابعة، بينها آثار التعرّض اليومي للأحداث، بما فيها من وحشية بالغة، يوضح الاستطلاع أن 97% من المواطنين العرب يشعرون بضغط نفسي مما تخلفه الحرب من فظائع، وعبّر نحو 95% من المصريين بشعورهم بضغط نفسي، بينهم 88% يشعرون بضغط نفسي كبير.
يمكن الاستنتاج أن المصريين يعتبرون أنفسهم شركاء الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال ضمن اتجاهٍ سائد عربياً، وأن دولة الاحتلال المدعومة أميركيا تقف في مواجهة شعوب المنطقة ككل، كما يتّضح أن الرأي العام شبه مُجمع على أن الحكومات لم تتّخذ مواقف حاسمة، نظراً إلى ارتباطاتها دولياً وإقليمياً، وبينها اتفاقات التطبيع، والتي لا تحظى بتأييد من أغلب المستجيبين في الاستطلاع، بل يُظهرون رفضاً ملحوظاً للاعتراف بإسرائيل رغم اتفاقية السلام.
ويشدّد المستجيبون على أن إدخال المساعدات إلى غزّة من دون انتظار موافقة إسرائيلية إحدى الخطوات الضرورية، كما أن مساندة أهلها بشتى السبل سيُساعد على مواجهة تداعيات العدوان، مع الاعتبار أن الاستطلاع أجري في مصر بعد الحرب بشهرين (من 7 ديسمبر/ كانون الثاني إلى 28 منه)، وقبل أن تنحدر الأوضاع الإنسانية خلال شهر مضى إلى وضعٍ بالغ الصعوبة، يصيب المتابعين بالحسرة من حالة العجز عن إيصال مياه وخبز إلى القطاع، سواء مناطق الشمال أو مناطق النزوح فى خانيونس، المرشّح نزوحهم لينضمّوا إلى مئات الآلاف من النازحين فى رفح على الحدود المصرية، الذين يفتقدون الخبز والماء وصعوبة تدبير خيام. يتابع الرأي العام المصري كل هذه القسوة، وليس مستغرباً أن يدفع بتلك المطالب، وأن يكون غاضباً من المواقف الرسمية للحكومات العربية، وما يجب أن يتخذ من خطواتٍ تمثل حدّاً أدني، هو الدفع إلى دخول المساعدات الإنسانية.

D75BB17B-0520-4715-86EC-B6995DA95615
عصام شعبان

باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة القاهرة، أحد مؤسسي الجمعية الوطنية للتغيير، عضو المجلس الأعلى للثقافة لدورتين متتالتين، عضو شعبة العلوم الاجتماعية. أحد كتاب الرأى في صحيفة وموقع "العربي الجديد".يقول: "نفعل كما يفعل السجناء، نربي الأمل".