"المؤشّر العربي" ... كي نعرف أكثر عن حالنا

04 يناير 2023

(كمال بلاطة)

+ الخط -

تزعم إحدى الخرافات التي تحوم فوق البلدان العربية أن لا وجود لقاعدة بيانات محلية الصنع ذات قيمة عن منطقتنا، وأن كل ما نعرفه عن أنفسنا، عن اجتماعنا وسياستنا وثقافتنا ورأينا العام والأمزجة الجماعية لشعوب بلداننا، وعن موقفنا من الديمقراطية والدين والعلمانية، وعن جوارنا، وعن اقتصادنا، إنما نستلهمه من مصادر أجنبية، أكانت مراكز دراسات حكومية وخاصة، أو وسائل إعلام، أو مؤرّخين ومستشرقين ووكالات أنباء دولية. النقص في المعلومات الضرورية لصناعة السياسات العامة وللأحزاب ولأي محاولة إرساء تجارب ديمقراطية، تم ملء جزء كبير منه منذ عام 2011، تاريخ بدء المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إعداد "المؤشّر العربي" ونشر نتائجه المفصلة على موقعه الإلكتروني. والمعنيون بهذا النوع من المعلومات هم، نظرياً، صانعو السياسات العامة أساساً، الحكومات أولاً، ثم الأحزاب، فالأكاديميون، والطلاب الجامعيون، والعاملون في الصحافة والأبحاث ثالثاً، عرباً كانوا أو أجانب مهتمين بشؤون المنطقة. بقليل من المغامرة، يمكن الافتراض أن من يستفيد فعلاً من الجهد الهائل الموضوع في إعداد "المؤشّر العربي"، فضلاً عن الكلفة المادية الكبيرة، منذ 12 عاماً، في ثماني نسخ، هم الفئة الأخيرة المذكورة، أي الأكاديميون والصحافيون والطلاب والباحثون. أما الأقل استفادة فلا بد أنهم أول المعنيين، صانعو القرار، أي الحكّام ومستشاروهم ومديرو مكاتب الوزراء وفرق عمل الإدارات العامة.

أن يقوم مركز أبحاث بأكبر استطلاع في العالم العربي، صدرت نتائج نسخته الثامنة، أمس الثلاثاء، يغطّي 14 بلداً، بعيّنة تراعي المعايير العلمية وتضم 33300 مستجيب ومستجيبة، قابلهم 945 باحثاً وباحثة (مناصفة تقريباً)، على امتداد تسعة أشهر، فإنما هذا جهدٌ يجب استغلاله إلى الحدّ الأقصى، بما لا يقتصر على المؤسسات البحثية العربية والدولية، والأكاديميين والخبراء والصحافيين، ليصل يوماً ما إلى دوائر صنع القرار. ليس مطلوباً من السلطة، أي سلطة، أن تنسخ نتائج استطلاع للرأي في سياسات عامة، فإنّ في ذلك خطر ملامسة الشعبوية، لكنّ وضع سياساتٍ حول شأن ما من دون معرفة اتجاه الرأي العام حيال الموضوع المطروح، فإنّ ذلك لا يعني سوى جهل وفشل حتمي.

التعاطي مع وقائع علمية كنتائج المؤشّر العربي 2022 (أجري بين مايو/ أيار وديسمبر/ كانون الأول)، أكان من صنّاع القرار أو الأحزاب أو الأكاديميين والإعلاميين والباحثين والمهتمين، يتطلب استعداداً نفسياً لقراءة ما قد لا يُسرّ. من بين ما قد يعجب حكاماً عديدين، ويحبط ديمقراطيين كثرا، معارضة 19% من المستطلعة آراؤهم النظام الديمقراطي، وتأييد 47% (بين أوافق وأوافق بشدة) مقولة إن "مجتمعنا غير مهيأ لممارسة النظام الديمقراطي"، واعتقاد 35% أن "الأنظمة الديمقراطية غير جيدة للحفاظ على النظام العام". ومما سيسرّ الحكّام العرب أيضاً تراجع النظرة الشعبية الإيجابية عند الرأي العام العربي في البلدان الـ14 حيال الثورات العربية (انتفاضات 2011) بمقدار 12 نقطة مئوية عن تقييمها في عامي 2019-2020. في الاستطلاع السابق، كان 58% من المستطلعة آراؤهم ينظرون بإيجابية حيال الثورات العربية، فأصبحت 46% في استطلاع 2022، في مقابل 39% ينظرون إليها بشكل سلبي. للعلمانيين حصتهم من الخيبة، ذلك أن 47% فقط يؤيدون فصل الدين عن السياسة، مقابل 48% تعارضهم، وهو شبه تعادل ثابت منذ عام 2011.

ليس الحكّام وصنّاع السياسات والأحزاب والإعلاميون والباحثون والأكاديميون وحدهم المعنيين بنتائج المؤشّر العربي، فلكل مواطن حصّته من السرور ومن الخيبات في قراءة خلاصات الاستطلاع. لكل معني بالشأن العام مصلحة في فهم محيطه وآراء ناسه قبل تكبير الشعارات أو تقزيمها، وقبل المبالغة في الأحلام أو الغرق في اليأس.