الكباش الدولي على أرض لبنان

03 مارس 2022
+ الخط -

يترنّح العالم اليوم على وقع الحرب في أوكرانيا، حيث تعود إلى ذهن المتابع مشهدية الكباش الدولي في فترة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والغرب بعد الحرب العالمية الثانية. بدأت معالم الفرز الدولي تتّضح مع إعلان روسيا اعترافها باستقلال مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك، حيث أيّد كل من سورية وفنزويلا الخطوة، مع الدعم المتحفظ للصين الذي أظهره مندوبها في الأمم المتحدة. في المقابل، تتموضع الدول الغربية خلف كييف، داعمةً لها، ومستغلةً اجتياح روسيا لها، لتفرض عقوباتها الاقتصادية التي لطالما كانت تنتظر فرصةً مناسبةً لفرضها على ألدّ عدو لها، بعد الصين.

يُنتظر مع الوقت، ومع اشتداد الأزمة على وقع سيف العقوبات الغربية الذي يسلّط على روسيا، وبالأخص على القيادة العليا فيها، أن يبدأ التموضع الدولي عبر التحضير لمختلف السيناريوهات، وفي مقدمتها الحرب الكبرى. هذا الكباش الدولي المستجد، نتيجة العملية العسكرية لروسيا في أوكرانيا، سينسحب على مختلف قضايا المناطق الساخنة في العالم، ولبنان حتمًا إحدى ساحات الصراع.

فلبنان في ما يبدو لم يزل على قائمة الاهتمام الدولي، إذ تأتي زيارة وزير خارجية فرنسا، جان إيف لودريان، بيروت، بعد قطيعة طويلة، أي منذ إطلاقه مقولته التي توجه بها إلى اللبنانيين "ساعدونا لنساعدكم"، لتؤكّد أنها لن تترك لبنان لقمة سائغة لمن يتربّص الفرص لفرض الهيمنة عليه. يقابل الحراك الفرنسي المدعوم غربيًا تطورات ميدانية في لبنان، تتمحور على تعاظم القدرة الصاروخية والجوية لحزب الله، الذي يعتبر حليف الحليف للروسي في منطقة الشرق الأوسط، على جبهتي سورية ولبنان.

بينما العالم يستمع إلى ضجيج المعارك، تتراقص الساحة اللبنانية على انقسام جديد، بين من يبرّر لروسيا هجومها على كييف، ومن يعارض الهجوم

بينما العالم يستمع إلى ضجيج المعارك، تتراقص الساحة اللبنانية على انقسام جديد، بين من يبرّر لروسيا هجومها على كييف، تحت مسمّى الحليف الأكبر، ومن يعارض الهجوم، مسجّلًا تناغمًا واضحًا مع المواقف الغربية المندّدة بفعلة روسيا المشينة. هذا وقد "زاد في الطين بلة" بيان وزارة الخارجية اللبنانية، وفيه "انطلاقًا من تمسّك لبنان بالمبادئ الراسخة والناظمة للشرعية الدولية التي ترعى الأمن والسلم الدوليين، وفي طليعتها مبدأ احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها وأمن حدودها .. فإن لبنان يدين اجتياح الأراضي الأوكرانية، ويدعو روسيا إلى الانسحاب فورًا ووقف عملياتها". وقد كشف هذا البيان حالة الانقسام القائمة في الشارع اللبناني، بين من هو مؤيد ومن هو رافض له، أي بين من يشرعن غزو روسيا لأوكرانيا انطلاقًا من شرعنة تدخلاتها في سورية واليمن والعراق، وجرّ لبنان إلى محور الممانعة، وبين الذي يعتبر هجوم روسيا ليس إلا غزوة غير مبرّرة الأهداف، في دلالةٍ واضحةٍ على تماهي هذا الموقف مع المواقف الغربية المعارضة لروسيا. لكن السؤال المطروح أمام لعبة الكباش الدولي: ماذا تريد روسيا من لبنان؟ وهل ستدفع بمن تسميهم حلفاء لها إلى تعبيد الساحة اللبنانية أمام شركاتها التي ستعاقب غربياً؟

كتب خبير نادي فالداي، أندريه باكلانوف، في "إزفيستيا" مقالاً يقول فيه: "في ظل التوتر الدائم في علاقات موسكو مع الدول الغربية، تزداد أهمية علاقات روسيا التجارية والاقتصادية مع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولكن إمكانية توسيع هذه العلاقات اليوم تعتمد إلى حد كبير على مدى استقرار الوضع في هذه المنطقة". ويتقاطع هذا القول مع تصريح الكرملين بشأن العقوبات الغربية على بلاده إنّ "الصادرات الروسية والاستثمارات ستتوجه نحو آسيا". وهذا دليل إضافي على اتساع دائرة الانقسام في الداخل اللبناني، بين من يسعى إلى وضع لبنان في الاتجاه الشرقي، وهذا ما عبّر عنه أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، في أكثر من مناسبة، ومن يطالب بالحياد الإيجابي، كي يبقى لبنان محافظاً على رسالته الانفتاحية للعالم أجمع، وصديقاً صدوقاً للدول الغربية، وكي لا يفقد لبنان عروبته، وهذا ما برز في بيان وزارة الخارجية اللبنانية من أحداث أوكرانيا.

حالة الاشتباك الداخلي نتيجة الكباش الخارجي جدّ طبيعية عند اللبنانيين

يعيش لبنان مرحلة التحضير للانتخابات النيابية، لكنّ اللافت أنّه لم يذهب أي فريق سياسي إلى تقديم برنامج انتخابي واضح، على الأقل على المستويين، الاقتصادي والاجتماعي، بالرغم من أنّ البلاد قد شهدت في السنوات الماضية انهياراً غير مسبوق ترك تداعياته على مختلف المواطنين. فهذا الهم كان من المفترض أن يكون الأولوية عند من يطمح إلى تمثيل الشعب في الندوة البرلمانية، لكن هذا ما لن تشهده الساحة الدولية؛ إذ لا برامج في انتخابات 2022 للقوى السياسية التي تبحث فيها عن حروب، وهذا ما أكّده رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، أنّ الانتخابات النيابية المقبلة في لبنان "مصيرية"، وتتوقف عند كلّ ورقة توضع في صناديق الاقتراع. وهذا كلام عن انتخاباتٍ لأجل إعادة تصويب لبنان إلى وجهته الطبيعية وإلى دوره التاريخي المبني على الحياد ليس بعيداً عن كلام نصر الله أنّ حزبه يخوض معركة الانتخابات لتحديد هوية لبنان، ومحاربة التدخلات الأميركية والعربية في شأن السياسات الداخلية والخارجية للبنان.

أخيراً، ما يحدث على الساحة اللبنانية من انعكاسات الكباش الدولي على أرضها، سبق للبنان أن شهده في 1958 عندما وقعت حرب أهلية سقط فيها مئات نتيجة التموضع بين حلف بغداد بقيادة أميركا، ودعم الوحدة العربية الداعمة للاتحاد السوفييتي يومها. لهذا، حالة الاشتباك الداخلي نتيجة الكباش الخارجي جدّ طبيعية عند اللبنانيين. والسؤال: هل من الضروري، في كلّ مرة تتكابش فيها الدول، أن يدفع لبنان نتيجتها حرباً أهلية، كي يعيد صياغة دستوره بما يتناسب مع ميزان المنتصر والخاسر؟