العودة إلى وديعة جلال الطالباني

العودة إلى وديعة جلال الطالباني

22 يوليو 2021
+ الخط -

كرّس رحيل الرئيس العراقي الأسبق، جلال الطالباني، قبل أربعة أعوام، مسألتين داخل بيته الحزبي (الاتحاد الوطني الكردستاني): الركون إلى نمط حكم سلاليّ يحاكي تجربة العائلة البارزانية المستقرّة. وفكرة صعود قيادات شابة، فيما يشبه عملية "إطاحة" رفاق درب الطالباني الأب. ولأن كردستان العراق خرجت من رحم استفتاء الاستقلال أكثر انقساماً، فإنّ أبرز أحزاب الإقليم مضت في طريق الاستقطاب الحزبي. وقد نجح الاتحاد الوطني، بقيادة لاهور شيخ جنكي، في جني ثمار الاستقطاب الحاصل في محافظة السليمانية، وتشكيل تحالف مع حركة التغيير (كوران)، ودائماً عبر نقضه ما يمكن تسميتها "وديعة الطالباني"، حين أصرّ جلال الطالباني على أنّ أساس حكم الإقليم والحضور المميّز في بغداد يمرّ عبر التحالف مع مسعود البارزاني والحزب الديمقراطي الكردستاني.

بقي المزاج السياسي العام في السليمانيّة منذ التسعينيات مناوئاً لأربيل، ولعلّ الانشقاق الذي طاول الاتحاد الوطني الكردستاني عام 2009، وأفضى إلى تشكيل حركة التغيير (كوران) جاء، في جزء منه، مبنيّاً على تحالف الطالباني – البارزاني، وهذا يفسّر الصعود السريع للرئيس المشارك، لاهور شيخ جنكي، الذي أجاد الاستفادة من المزاج الشعبي الممزوج بخطاب المظلومية المحلّية للسليمانية.

احتكم الاتحاد الوطني إلى صيغة الرئاسة المشتركة بين لاهور شيخ جنكي (الطالباني) وبافل الطالباني، لكن الاحتكام هذا حمل في داخله بذور الانشقاق واستبعاد رموز الحزب التقليدية

احتكم الاتحاد الوطني إلى صيغة الرئاسة المشتركة، على ما تحمله التسمية من تسويةٍ حزبيةٍ وعائليةٍ بين لاهور شيخ جنكي (الطالباني) وبافل الطالباني، لكن الاحتكام هذا حمل في داخله بذور الانشقاق واستبعاد رموز الحزب التقليدية. وأيّاً يكن من أمر، فإن ما حصل خلال الأيام الفائتة من تغلّب لنجلي الطالباني على معسكر لاهور شيخ جنكي "ابن العم" والشروع في تعيين مسؤولين عسكريين وأمنيين، واستبدال تسمية "الرئيس المشارك" إلى "الرئيس" في معرض الحديث عن بافل الطالباني، وذلك كله ضمن ما أطلق عليه الأخوة طالباني تسمية "ثورة الإصلاح"، والتي توصف في مكان آخر بـ"الانقلاب الأبيض".

عُرف عن شيخ جنكي ميله إلى التصعيد في مواجهة ما سماه "تفرّد" أربيل بسياسة الإقليم واقتصاده، وعدم انصياعه للضغوط التركية المتصلة بمحاربة العمال الكردستاني، وسعيه إلى تطويق صعود منافسه الديمقراطي الكردستاني، عبر دعم قوّات سوريا الديمقراطية (قسد) في سورية، ورفضه الانخراط في مواجهة حزب العمال الكردستاني، وسعى إلى ذلك في توسعة شبكة العلاقات الكردستانية بعد طول انكفاء شهده الاتحاد الوطني، وابتعاده عن المشكلات التي تطاول الكرد في الدول المجاورة للإقليم؛ وخسارة حليف مثل أربيل، عوّضه في مكان آخر، تحديداً داخل السليمانية، وعبر شبكة القوى السياسية والاجتماعية المناوئة لأربيل/ الحكومة، كما أنّ علاقاته المميّزة مع الولايات المتحدة وإيران لم يسعفاه في الفكاك من المقصلة الحزبيّة التي أعدّها له نجلا الطالباني اللذان يحظيان بعلاقاتٍ أكثر تماسكاً مع "الديمقراطي الكردستاني"، فيما يشبه نظرة الطالباني الأب إلى مسألة التحالف تلك، على الرغم من أنّها تخفّض من شعبيتهما محلّياً، وتحديداً لدى الطبقات الاجتماعية في السليمانيّة بما هي خزّان الحزب ورأسماله الانتخابيّ.

لم يعد من الممكن إعادة عقارب ساعة الاتحاد الوطني إلى الوراء

تشير الترجيحات، في حال طويت صفحة الرئيس المشارك، لاهور شيخ جنكي، إلى ثلاث مسائل تنتظر الاتحاد الوطني: الأولى، إمكانية تعرّض الحزب إلى انشقاق لاحق وانفصام عرى التحالف بين الاتحاد الوطني وحركة التغيير اللذين قرّرا أن يمضيا معاً في الانتخابات البرلمانية العراقية المزمع إجراؤها في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. والثانية أن ينجح الحزب في مسألة العلاقات السياسية، إذ يحظى نجلا الطالباني، بافل وقوباد، بعلاقاتٍ براغماتية متوازنة مع طهران وواشنطن وبغداد، ويضاف إليها علاقاتهما مع العائلة البارزانية، وحزبياً مع رفاق درب الطالباني الأب. ويعني ذلك أن الإخفاق الحزبي القائم على الاستقطاب سيتم تعويضه عبر تنشيط شبكة العلاقات الداخلية والخارجيّة، فيما تبقى المسألة الأهم احتمالات انزياح الحزب إلى ضبط الأوضاع الداخلية في السليمانية بشيءٍ من القسوة، ما قد يضع سمعة الحزب على المحكّ.

لم يعد من الممكن إعادة عقارب ساعة الاتحاد الوطني إلى الوراء. وبذا انتهت مسألة الرئاسة المشتركة بين أبناء العمومة، وانتهت معها مرحلة حل مشكلات القيادة المتصلة بشبكات الزبائنية المتنامية والاحتكارات المالية والتنافس على السلطة، إذ ستتم إعادة إنتاجها وفقاً للأوضاع الحزبية المقبلة. والأهم أن السعداء برحلة صعود رجل الحزب القوي، لاهور الطالباني، باتوا أقرب إلى التكيّف مع الصعود الجديد للرئيس (غير المشترك) بافل الطالباني. وإذا كان يمكن التنبؤ بمصير الاتحاد الوطني الذي سيُحدد للسنوات المقبلة سياسة إقليم كردستان ومركز رئيس الجمهورية العراقية الذي بات حقّاً حصرياً للحزب، فإن الأوضاع تشير إلى اتباع نهجٍ أكثر براغماتية في إزاء الدول الإقليمية وبغداد وواشنطن، والأهم ستستعاد "وديعة جلال الطالباني" القائمة على التقارب والتفاهم والتحالف مع "الديمقراطي الكردستاني"، لكن ذلك يبقى معلّقاً على شرط داخلي، وهو دور رفاق الطالباني الأب في المرحلة المقبلة، بما هم الأكثر تمرّساً وخبرةً بأوضاع الإقليم والعراق.