05 نوفمبر 2024
العملية التركية شرقي الفرات.. وحدودها
مع إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سحب ما تبقّى من القوات الأميركية في سورية، وإعلان البيت الأبيض بدء سحب جزء منها، إلى جانب تفهّم ساسة الكرملين الدواعي الأمنية التركية، أصبحت الظروف الدولية مهيأة لبدء عملية عسكرية تركية في منطقة شرقي الفرات، بغية محاربة مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية، وسواهم من المقاتلين المنضوين تحت مسمّى قوات سورية الديمقراطية (قسد)، ولكنّ أسئلة كثيرة تطرح بشأن تفاصيل العملية، والإرهاصات التي ستنجم عنها، خصوصا أن طموح الساسة الأتراك بإقامة منطقة آمنة في هذه المنطقة، وإعادة لاجئين سوريين إليها، سيصطدم بمعيقات كثيرة.
وكعادته، فاجأ ترامب بقراره حلفاءه في الخارج، وفاجأ أيضاً أركان إدارته في الداخل، وزاد من دهشتهم واستغرابهم، بالنظر إلى أن قراره جاء على إثر اتصال هاتفي بينه وبين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الأمر الذي أفضى إلى مطالبة بعضهم ترامب بالعدول عن القرار الذي أثار صدمة لدى قادة الوحدات الكردية ومناصريها، والقوى الأخرى في فلكها، وراحوا يتحدّثون عن طعنة أميركية في الظهر، وربطوها بتاريخ طويل من خذلان متكرّر من دولٍ اعتبروها حليفة لهم.
ردّ الرئيس ترامب على اتهامات الخذلان، بالتذكير بأن الولايات المتحدة دفعت مالاً كثيراً لحزب
الاتحاد الديمقراطي الكردي ومخرجاته في سورية، وقدّمت كميات كبيرة من الأسلحة للوحدات الكردية، في مقابل إشراكهم في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). أما قرار الانسحاب فينسجم مع توجهات ترامب، إضافة إلى أنه يريد توظيفه في حملته الانتخابية لتجديد رئاسته، لكن هذا القرار يعدّ تطوراً مهما للقيادة التركية التي تريد تحقيق أهداف عديدة منها، سواء على مستوى الداخل التركي، كونها تصبّ في مصلحة أردوغان وحزبه الحاكم، أم على مستوى الخارج، بوصفها ستمكّن الأتراك من أن يصبحوا لاعباً مهماً ومحورياً في وضع سورية ومستقبلها.
وإذا كان ترامب قد نفّذ وجهة نظره التي فضلت مراعاة حليفه التركي وعدم إغضابه، وترك الأتراك والأكراد يسوّون أمورهم بأنفسهم، إلا أن العملية العسكرية التركية في شرقي الفرات لن تكون بسيطة، خصوصا أن الصراع على سورية تتفاذفه حمم خمس قوى دولية وإقليمية، روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا وإسرائيل، وليست كل هذه الدول على الموقف نفسه من الصراع في سورية وعليها، إذ لا يؤيد معظمها العملية التركية، خصوصا أن المنطقة التي تسيطر عليها (قسد) من أغنى مناطق سورية، ولها أهمية اقتصادية وجيوسياسية، بالنظر إلى أنها محاذية لكل من تركيا والعراق، وتعتبر غلة سورية الاقتصادية، حيث إن معظم الغاز والنفط السوريين في حقولها، فضلاً عن أهميتها الزراعية والتجارية.
وتوجد في منطقة شرقي الفرات، المعروفة باسم الجزيرة السورية، قوات دولية وإقليمية ومحلية عديدة، حيث تسيطر عليها عملياً مليشيات وحدات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، ويستحوذ عناصر حزب العمال الكردستاني التركي على قيادتها، وتوجد مليشيات محلية عربية منضوية تحت قيادة الوحدات الكردية. وكما هو معروف، توجد قوات أميركية أيضاً، يعتزم ترامب سحبها، إلى جانب وجود قوات أخرى من دول التحالف ضد الإرهاب. ويمتلك نظام الملالي الإيراني وجودا له أيضاً، عبر أذرعه المليشياوية، مثل مليشيا حزب الله اللبناني ومليشيات عراقية شيعية. كما يحتفظ النظام بوجود عسكري وإداري وسياسي، خصوصا في مدينتي القامشلي والحسكة، بالتوافق والتنسيق مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ومليشياته. كذلك لا تغيب القوات الروسية عن هذه المنطقة أيضاً، وبالتالي، ستكون أي عملية عسكرية تركية محسوبة بدقة ومحدودة أيضاً، بحكم الوجود الكثيف للقوات والمليشيات الأخرى في المنطقة. وبالتالي، ستكون موجهة في حيّز معين، وأغلب الظن أنها ستكون محدودة أيضاً، بحيث لا تتجاوز العملية العسكرية التركية المنطقة الممتدة من رأس العين وصولاً إلى بلدة تل أبيض، وستتجنب المناطق ذات الكثافة السكانية الكبيرة، وستعتمد على فصائل سورية موالية لتركيا، ومنضوية تحت مسمّى الجيش الوطني وسوى ذلك، بوصفهم وقوداً أساسياً لها.
وكان الرئيس ترامب قد سبق له أن أعلن سحب القوات الأميركية من سورية، ثم تراجع في أكثر
من مناسبة، تحت ضغط بعض أركان إدارته ومؤسساتها. ولذلك ما تحقق على الأرض حالياً هو انسحاب الجنود الأميركيين من مناطق رأس العين وتل أبيض، بما يعني أن عملية الانسحاب أشبه ما تكون بإعادة انتشار أميركي، بغية إتاحة المجال أمام توغل عسكري تركي محدود. ومن هنا يُفهم تهديد ترامب بتدمير اقتصاد تركيا إذا "تجاوزت الحدود"، الأمر الذي يشي بأن ترامب تفاهم مع أردوغان على حدود العملية العسكرية التركية وتفاصيلها، ما يعني أنها لن تذهب بعيداً.
وعلى الرغم من كل الملابسات بشأن قرار الانسحاب الأميركي، إلا أنه يعكس عدم وجود استراتيجية أو رؤية موحدة ومشتركة بين أركان إدارة ترامب في سورية، خصوصا أن ترامب يرفض الاستماع لهم في هذا الخصوص، ما يعني أنه تنفيذ لسعيه إلى التخلص من تبعات وجود بلاده العسكري في سورية، والذي يكمن في كرهه الاشتراك عسكرياً في نزاعات وحروب، لا تدرّ بفائدة مباشرة على الولايات المتحدة، خصوصا إذا كانت لا تحمل تهديداً مباشراً للمصالح الأميركية.
وقد أدرك الساسة الأتراك ذلك تماماً، فلم ينفّذوا تهديداتهم العسكرية إلا بالتوافق مع الرئيس ترامب الذي لن يعطيهم كل ما يريدون من منطقة شرقي الفرات، على الرغم من تفاهمه مع نظيره أردوغان بشأن العملية العسكرية وحدودها وتفاصيلها.
ردّ الرئيس ترامب على اتهامات الخذلان، بالتذكير بأن الولايات المتحدة دفعت مالاً كثيراً لحزب
وإذا كان ترامب قد نفّذ وجهة نظره التي فضلت مراعاة حليفه التركي وعدم إغضابه، وترك الأتراك والأكراد يسوّون أمورهم بأنفسهم، إلا أن العملية العسكرية التركية في شرقي الفرات لن تكون بسيطة، خصوصا أن الصراع على سورية تتفاذفه حمم خمس قوى دولية وإقليمية، روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا وإسرائيل، وليست كل هذه الدول على الموقف نفسه من الصراع في سورية وعليها، إذ لا يؤيد معظمها العملية التركية، خصوصا أن المنطقة التي تسيطر عليها (قسد) من أغنى مناطق سورية، ولها أهمية اقتصادية وجيوسياسية، بالنظر إلى أنها محاذية لكل من تركيا والعراق، وتعتبر غلة سورية الاقتصادية، حيث إن معظم الغاز والنفط السوريين في حقولها، فضلاً عن أهميتها الزراعية والتجارية.
وتوجد في منطقة شرقي الفرات، المعروفة باسم الجزيرة السورية، قوات دولية وإقليمية ومحلية عديدة، حيث تسيطر عليها عملياً مليشيات وحدات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، ويستحوذ عناصر حزب العمال الكردستاني التركي على قيادتها، وتوجد مليشيات محلية عربية منضوية تحت قيادة الوحدات الكردية. وكما هو معروف، توجد قوات أميركية أيضاً، يعتزم ترامب سحبها، إلى جانب وجود قوات أخرى من دول التحالف ضد الإرهاب. ويمتلك نظام الملالي الإيراني وجودا له أيضاً، عبر أذرعه المليشياوية، مثل مليشيا حزب الله اللبناني ومليشيات عراقية شيعية. كما يحتفظ النظام بوجود عسكري وإداري وسياسي، خصوصا في مدينتي القامشلي والحسكة، بالتوافق والتنسيق مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ومليشياته. كذلك لا تغيب القوات الروسية عن هذه المنطقة أيضاً، وبالتالي، ستكون أي عملية عسكرية تركية محسوبة بدقة ومحدودة أيضاً، بحكم الوجود الكثيف للقوات والمليشيات الأخرى في المنطقة. وبالتالي، ستكون موجهة في حيّز معين، وأغلب الظن أنها ستكون محدودة أيضاً، بحيث لا تتجاوز العملية العسكرية التركية المنطقة الممتدة من رأس العين وصولاً إلى بلدة تل أبيض، وستتجنب المناطق ذات الكثافة السكانية الكبيرة، وستعتمد على فصائل سورية موالية لتركيا، ومنضوية تحت مسمّى الجيش الوطني وسوى ذلك، بوصفهم وقوداً أساسياً لها.
وكان الرئيس ترامب قد سبق له أن أعلن سحب القوات الأميركية من سورية، ثم تراجع في أكثر
وعلى الرغم من كل الملابسات بشأن قرار الانسحاب الأميركي، إلا أنه يعكس عدم وجود استراتيجية أو رؤية موحدة ومشتركة بين أركان إدارة ترامب في سورية، خصوصا أن ترامب يرفض الاستماع لهم في هذا الخصوص، ما يعني أنه تنفيذ لسعيه إلى التخلص من تبعات وجود بلاده العسكري في سورية، والذي يكمن في كرهه الاشتراك عسكرياً في نزاعات وحروب، لا تدرّ بفائدة مباشرة على الولايات المتحدة، خصوصا إذا كانت لا تحمل تهديداً مباشراً للمصالح الأميركية.
وقد أدرك الساسة الأتراك ذلك تماماً، فلم ينفّذوا تهديداتهم العسكرية إلا بالتوافق مع الرئيس ترامب الذي لن يعطيهم كل ما يريدون من منطقة شرقي الفرات، على الرغم من تفاهمه مع نظيره أردوغان بشأن العملية العسكرية وحدودها وتفاصيلها.