الصحافيون الفلسطينيون في الميدان

12 يناير 2024
+ الخط -

بتنا نحفظ أسماء أغلب الصحافيين الفلسطينيين في قطاع غزّة والضفة الغربية، ومن لم يرسخ اسمه وكنيته في الذاكرة صار وجهه مألوفا. نعرف تفاصيل كثيرة عنهم، بما في ذلك ما يخصّ عائلات بعضهم. من أي قرية أو حي، وإلى أي مكانٍ تهجّروا. منهم من استشهد بعض أفراد عائلته، كما مراسلي قناتي الجزيرة وائل الدحدوح، والعربي أحمد البطّه. ومنذ 7 أكتوبر وهم يعيشون معنا، نجدهم بانتظارنا كلما أدرْنا جهاز التلفزيون وجلسنا أمام الشاشة كي نتابع أخبار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة. وكي نتأكّد من وجودهم جميعا على قيد الحياة في كل يوم، ننتقل من محطّة إلى أخرى، وننتظر لتتبدّل الوجوه بين رجال ونساء. نعرف بعضَهم من متابعتنا خلال الأعوام الماضية للحروب والمواجهات في عموم فلسطين، ولكن الأغلبية العظمى من الذين غطّوا هذه الحرب نتعرّف إليها جيدا للمرّة الأولى، وصاروا أقرب بكثير من كل الحروب السابقة. ووجدنا أمامنا وجوها جديدة من الشبان والشابات، الذين دخلوا ميدان التغطية التلفزيونية منذ وقت قريب، وهم يتمتّعون بحيوية ملحوظة وإلمام وافٍ بمجريات الحدث وأبعاده السياسية والعسكرية، والقدرة على نقل صورة مفصّلة عن التطورات المتسارعة.

ومن ملاحظاتٍ مهمةٍ يمكن تسجيلها أن الجيل الجديد من الصحافيين الميدانيين الفلسطينيين متمكّن من الأدوات الخاصة بنقل الصورة وتوصيلها. ويشكل هذا الفريق الكبير ذخيرة مهمّة، تكوّنت في ميدان المعركة. بعضهم مراسلون حربيون وسياسيون في الوقت نفسه، وآخرون محللون وخبراء في الشأنيْن الفلسطيني والإسرائيلي، وبالتالي وصلت الصورة إلى الخارج متكاملة على مدار الوقت وخلال ثلاثة أشهر. وبفضل هولاء، الذين لم يتعبوا من مطاردة الأخبار، جرى، أولا، التغلب على خطّة إسرائيل للتعتيم على الحدث، وتصدير رواية واحدة إلى العالم تناسبها، تلك التي تقدّم 7 أكتوبر عملية إرهابية، قام بها مقاتلون فلسطينيون ضد مدنيين إسرائيلين، وقتلوا خلالها الأطفال والنساء والشيوخ، وهو ما تكشّف لاحقا أنه كذب وتلفيق من رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وفريقه.

والمسألة الثانية التي نجحت فيها التغطية الإعلامية نقل صورة الوضع في غزّة التي عملت إسرائيل على منعها بشتى الوسائل، ومن ذلك عدم السماح لوسائل الإعلام بدخول القطاع، وفرض رقابة مشدّدة، تمنع نشر الموضوعات وبثّ التقارير التلفزيونية الخاصة بالحرب قبل عرضها على الرقابة العسكرية الإسرائيلية. ونجح المراسلون الميدانيون الفلسطينيون في قنوات تلفزيونية، مثل العربي والجزيرة، في إظهار حجم الدمار الهائل في البنى التحتية الفلسطينية، وتغطية المجازر التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في المشافي والمدارس، وفي أكثر من مكان بحقّ المدنيين الفلسطينيين. ومن النتائج المهمة لذلك تحفيز بعض وسائل الإعلام الأجنبية على كسر جدار المنع الذي وضعته إسرائيل، والوصول إلى قطاع غزّة، وتقديم تقارير جيّدة عن آثار الحرب ومعاناة المدنيين الفلسطينيين، وساهم ذلك في تحريك الرأي العام العالمي للتضامن مع غزة.

الكلفة عالية التي تحملها الكادر الإعلامي الفلسطيني، الذي يغطّى هذه الحرب، ومنهم من دفع حياته، حيث تجاوز عدد من استشهدوا من الصحافيين 103، ومنهم من فقد بعض أفراد عائلته. وحين ننظر إلى وجوههم على الشاشات نجد أن التعب بلغ بهم مبلغا كبيرا. يبدو بعضهم شاحب الوجه، وآخرون فقدوا من أوزانهم نتيجة ساعات العمل الطويلة، والمعاناة في الميدان العسكري، والقلق على أفراد العائلة الذين استُشهدوا أو تهجّروا، وهناك مسألةٌ لا تقبل النقاش، أن استهداف بعضهم ليس مصادفة، بل مقصود، والسبب انزعاج إسرائيل من الصحافيين الفلسطينيين في الميدان.

شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري.
بشير البكر