السعودية ومواجهة الإرهاب .. العنوان الخطأ
بشير البكر
أَمر جيد أَن يحصل تحرك عربي رسمي لمواجهة الإرهاب، وأن تكون السعودية من بين الذين يرفعون لواء هذه الدعوة، كما في اجتماع وزراء الداخلية العرب في مراكش أمس الأربعاء، حيث نبّه وزير الداخلية السعودي، الأمير محمد بن نايف، في كلمته إِلى مخاطر تهدد المجتمعات العربية، وفي مقدمتها الإرهاب، لكن الكلمة تستدعي التوقف أَمام عدة أمور: الأول، أن دعوته تأتي على خلفية زيارته إلى واشنطن في نهاية الشهر الماضي، حيث سمع كلاماً أَميركياً صريحاً وواضحاً حول هذا الأمر من المسؤولين الأميركيين الذين أبلغوه أَنَّ الولايات المتحدة تعتبر السعودية أحد رعاة الإرهاب ومموليه، ليس في العالم العربي فقط، بل على المستوى العالمي، وطالبوها بإجراءات جدية وحاسمة، قبل الزيارة المرتقبة للرئيس باراك أوباما للرياض الشهر الحالي. وهذا ما يفسر صدور أَمر ملكي، في الشهر الماضي، دعا السعوديين الذين يقاتلون في صفوف المنظمات المتطرفة في الخارج إلى العودة إلى الوطن، ثم أعقبه إعلان صادر عن وزارة الداخلية السعودية في السابع من مارس/ آذار الحالي، يُدرج مجموعة من التنظيمات على لائحة الإرهاب، ويحظر الانتماء إليها.
الأمر الثاني هو المقاربة الاستنسابية لمشكلة الإرهاب، أو اختيار العنوان الخطأ في كل مرة، ذلك أن الإعلان السعودي الأخير لحظر مجموعة من التنظيمات، بوصفها إرهابية، يتعمد الخلط بين تنظيماتٍ تتبنّى العنف منهجاً مثل "القاعدة"، وأَحزاب سياسية تعمل في العلن، وتشارك في الحياة السياسية في بلدانها، مثل "الإخوان المسلمين" في مصر، الأَمر الذي لا يمكن النظر إليه، إِلا من باب تصفية الحسابات السياسية، وليس في إِطار مسعى سعودي جدي لمواجهة الإرهاب.
أَما الأمر الثالث فهو أَن السعوديين يتصدرون الشباب العرب اليوم في المشاركة في التنظيمات الجهادية، في العراق وسوريا، كما كان عليه الأمر في أفغانستان خلال فترة الجهاد ضد الاتحاد السوفياتي في الثمانينات، وليس سراً أَن كل ما شهده العالم من حركاتٍ، تتبنى العنف قد خرج من هناك برعاية وتمويل سعودي، وتكشف الشهادة التي نشرتها، أخيراً، صحيفة "الحياة" السعودية للعميل المزدوج المدعو "رمزي" في حلقتها الثانية فصلا من فصول دعم "القاعدة"، ويقول فيها إن متطلبات المقاتلين في الشيشان بين 1994-1996 كانت تتكفل بها "مؤسسة الحرمين" (مهمتنا في مكتب مؤسسة الحرمين كانت تلبية طلبات المقاتلين والمجاهدين في الشيشان)، وهي مؤسسة سعودية، كان يرعاها وزير الداخلية السابق، الأمير نايف بن عبدالعزيز، وقامت السعودية بحل هذه المؤسسة سنة 2004، بعد أن أَدرجتها الولايات المتحدة على لائحة الإرهاب، ووضعت اسم مؤسسها، عقيل العقيل، على لائحة ممولي الإرهاب.
الأمر الرابع أَن السعودية ليست في موقع من يعطي دروساً في الحرص على استقرار البلدان العربية، ومن نظرتين، تاريخية وراهنة، على الوضع في اليمن، يتبين مدى التوظيف السعودي في لعبة زعزعة الوضع الداخلي لهذا البلد، وفي الماضي القريب، غير خافٍ على أَحد دور الرياض في إيجاد مشكلة صعدة في اليمن، ومشاركتها في جولاتها العسكرية، خصوصاً في صيف سنة 2010، حين انخرطت في المواجهات العسكرية ضد الحوثيين، وخرجت خاسرة. ومن مفارقات جولة صعدة الأخيرة أَن السعودية لم تكتف بدعم حزب الإصلاح وقوات علي محسن الأحمر، بل زجّت في المعركة المجموعات السلفية المدعومة منها، وتحدثت أَوساط سياسية يمنية، في حينه، أن السعودية مولت "تنظيم القاعدة" في اليمن للقتال ضد الحوثيين.
إن البيت السعودي من زجاج، ولذا، ليس في صالح السعودية رمي الآخرين بالحجارة، بل، من حق الآخرين أن يطلبوا من المملكة اتخاذ خطوات جدية، تمنع شبابها من عبور الحدود إلى اليمن أو العراق أو سوريا. ولا نتحدث، هنا، من وحي خيال، بل عن معلومات مؤكدة، فالقاعدة في اليمن صار اسمها في اليمن منذ سنة 2009 "القاعدة في جزيرة العرب"، بعد أن اتحد فرعاها السعودي واليمني، وصعد إلى قيادتها سعوديون، كانوا في معتقل غوانتانامو، مثل سعيد الشهري ومحمد الحربي، اللذين تم نقلهما ليقضيا عقوبة السجن في السعودية، لكن السلطات السعودية أَفرجت عنهما، وتغاضت عن أمر تسللهما إِلى اليمن، والأمير محمد بن نايف يعرفهم أكثر من أي أحد آخر، فهم حاولوا اغتياله سنة 2009 في عقر داره، عن طريق انتحاري سعودي (عبدالله عسيري)، تم إرساله من صنعاء.