الزمالك .. الرئيس .. الوطن

24 اغسطس 2022

لاعبو الزمالك يحتفلون بفوزهم بالدوري المصري في ستاد القاهرة (21/7/2022/الأناضول)

+ الخط -

لا تجد شعوبًا تمزج كرة القدم بالسياسة، مثلما يفعل الشعب العربي، وفي أزمنةٍ عبرت كانت شعوب دول أميركا اللاتينية، وقت حروب الحدود والنفوذ تمارس الأمر نفسه.

من المفترض أن العالم تجاوز هذه المرحلة، وأضحت كرة القدم محض كرة قدم، فيما السياسة سياسة، إلا عندنا تجد، في أحيان كثيرة، كرة القدم لعبة الأنظمة الحاكمة، وخصوصًا تلك القمعية التي تقصي الجماهير عن اللعبة، ثم تحتسب الفوز ببطولة من إنجازاتها السياسية، ونتاج إدارتها الحكيمة ورعايتها السخية للمنظومة الرياضية .. أما عند الهزيمة، فالمسؤولية دائمًا تقع على اللاعبين والمدربين والأجهزة الفنية.

في ذلك تنفرد مصر بوضعية غريبة لكرة القدم، إذ على مستوى المنتخب الوطني المنتخب هو منتخب الرئيس، وعلى مستوى الأندية فإن النادي هو الرئيس، وهو المنطق العجيب الذي يتشارك فيه الرئيس والجمهور، أو بالأحرى قطاع عريض من الجمهور يتم شحنه طوال الوقت بأن الرئيس هو روح الفريق وقائده الفعلي وصانع انتصاراته، وفي الوقت ذاته، ضحية للمدرّبين واللاعبين عند الهزائم.

في هذا العام، حقق فريق الزمالك الفوز بالدوري العام المحلي للعام الثاني على التوالي، وهذا بالطبع خبر يُسعد كل الزمالكاوية، ويجعلهم يتفنّنون في إبداع أشكال من التعبير عن هذه السعادة، ويصيب المنافسين ببعض الغصّة والإحباط، وهذا طبيعي ومفهوم ومقبول في إطار كرة القدم، على اعتبار أن هذه المناوشات جزءٌ من متعة الرياضة، إذا لم تنزلق إلى بعض مظاهر العنصرية والكراهية وانفلات الألسنة على نحو سخيف.

الأسخف من ذلك أن تتم نسبة الفضل في الفوز إلى السيد الرئيس القائد، والأكثر سخفًا أن يعتبر بعضهم تعبيرًا عن السعادة بفوز النادي الذي تُناصره بأنه تأييد لرئيس هذا النادي، وقبول بما يفعله، ففي حالة الزمالك، مثلًا، يصبح مثيرًا للأسى والشفقة أن يبتزّك أحدهم بسؤال: كيف تفرح بانتصار الزمالك ورئيسه مرتضى منصور، الذي فعل كذا وكذا .. أو يستغرب بعضهم من مشاركتك الفرح  بفوز المنتخب المصري الذي يهديه اللاعبون والإدارة الفنية، نفاقًا أو جبنًا، لحاكم البلاد. 

لا يستشعر بعضهم أدنى خجل، وهو يقول لك إن من المفروض أن تكون ضد الزمالك، لأن رئيسه مرتضى منصور، على اعتبار أن الزمالك هو مرتضى منصور، وهذا منطقٌ شديد الضحالة، لأن امتداد هذه الفكرة هو أن تكون ضد مصر  ومنتخب مصر لأن حاكمها هو السيسي.

هذا المنطق ذاته واجهته قبل أكثر من عامين عندما لعب الزمالك في الدوحة، وفاز بكأس السوبر الأفريقي على حساب الترجي التونسي، حيث حضرت اللقاء من مقاعد جمهور الدرجة الثالثة، وهي الأصدق والأجمل في التشجيع والتعبير عن الاستمتاع بمشاهدة كرة القدم، فقيل لي كيف تشجّع فريق نادي مرتضى منصور، الذي أهدى الكأس للجنرال السيسي .. ثم حاول أحد الأصدقاء مجاملتي بتفسير حضوري وسط جماهير الزمالك بأنه بحثٌ عن شيء من رائحة الوطن وفرصة لإظهار الانتماء، فكان ردّي الذي أعلنته منشورًا  أن المسألة بالنسبة لي لم تكن أبدًا على هذا النحو، لأن الموضوع، ببساطة، أنني ذهبت لتشجيع ومشاهدة فريق يمثل جزءاً من التكوين الشخصي والوجداني الذي تشكل عبر رحلة الحياة الممتدة أكثر من نصف القرن، مثله مثل صوت المطرب والمطربة المفضلين، والممثل الذي يمثل كل واحد منا على الشاشة أو المسرح، والقارئ الذي يصعد بنا أعلى مراتب الشفافية بتلاوته، والأديب الذي يكتبنا فنجد أنفسنا نتحرّك بين سطوره .

أكرّر هنا أن مصر ليست عبد الفتاح السيسي، كما أن نادي الزمالك ليس مرتضى منصور، فمصر موجودة وباقية وحكّامها عابرون، وكذلك الزمالك نحبّه لأنه الزمالك، كما يفعل جمهور الفرق  الأخرى، من دون النظر إلى من يرأسه. وبهذا المعنى، نحن أوفياء وسنظل، لمصر وللزمالك، الحقيقيين، نسعد بالانتصارات، ونأسى على الخيبات، لكننا لا نتخلّى عنهما، ولا ننتظر ممن يحتكرهما شهاداتٍ بالوطنية والانتماء.

وائل قنديل (العربي الجديد)
وائل قنديل
كاتب صحافي مصري من أسرة "العربي الجديد" عروبي الهوية يؤمن بأنّ فلسطين قضية القضايا وأنّ الربيع العربي كان ولا يزال وسيبقى أروع ما أنجزته شعوب الأمة