الدائرة الدستورية الليبية مجدّداً
بعدما تعذّر في ليبيا الاتفاق والتوافق بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة على إصدار قانون انتخابي موحد، كما ينصّ على ذلك اتفاق الصخيرات المسيّر للعملية السياسية في البلاد منذ العام 2015 لإنجاح العملية الانتخابية المقبلة في البلاد، توجّهت شخصياتٌ اعتبارية إلى الدائرة الدستورية في المحكمة العليا للطعن في قانون الانتخاب الرئاسي الذي صدر من "بعض" أعضاء مجلس النواب في طبرق، ومن دون عرضه في المجلس للتصويت عليه، هذا أولاً، كما أن القانون المشار إليه لم يُعرض على المجلس الأعلى للدولة ثانياً. وبالتالي، يرى المعترضون عليه عدم دستوريته ومخالفته نصوص الاتفاقية التي تسير عليها البلاد، حيث اشترطت المادة 23 من الاتفاق السياسي ضرورة التوافق بين المجلسين، في إصدار أية قوانين انتخابية، وهذا ما لم يلتزم به أعضاء من مجلس النواب في طبرق.
ستدخل ليبيا في دوامة سياسية أعنف من التي كانت في 2014، وتتكرّر معها السيناريوهات والأزمات السياسية والدستورية
وبعد هذا الاختلاف الذي امتد فترة من دون وجود استجابة للتعديل أو تصحيح الموقف القانوني لهذا القانون، تظهر على السطح من جديد الدائرة الدستورية للفصل في هذا القانون، بعدما قُدّم طعنٌ فيه، الأمر الذي يقود إلى الحديث عن أحداثٍ مُشابهة ليست بعيدة كانت إبّان الأزمة الليبية بعد انتخاب مجلس النواب في 2014، حيث كانت هناك أزمة دستورية، محورها استمرار المؤتمر الوطني العام، وإبطال قانون ولجنة فبراير المشكّلة من المؤتمر الوطني العام، واعتبر المُنشأَ عنها باطلاً قانوناً ودستوراً، حيث أبطل الحكم القضائي مقترحات "لجنة فبراير"، والتي تَضمن انتخاب مجلس النواب، وتشكيل سلطة تشريعية جديدة في البلاد، بل وإبطال فقراتٍ من التعديل الدستوري السابع الذي كان لبُّه "عدم دستورية الفقرة 11 من المادّة 30 من الإعلان الدستوري المعدّلة بموجب التعديل الدستوري السابع الصادر بتاريخ 11 مارس 2014 وكافة الآثار المترتبة عنه"، ما يعني حلّ مجلس النواب وكل المؤسسات المنبثقة عنه، وصيرورته إلى العدم بحسب هذا الحكم القضائي من الدائرة الدستورية في المحكمة العليا للبلاد، غير أن هذا الحكم القضائي لم يعترف به البرلمان، وصار إلى الانعقاد في مدينة طبرق بدون استلام وتسليم من المؤتمر الوطني العام كما ينص على ذلك القانون أيضاً.
من الضروري إيجاد مخرج قانوني آخر يضمن احترام العملية السياسية بعد الانتخابات المقبلة، وعدم عودتها إلى المربع الأول
عموماً، هكذا كان المشهد السياسي الليبي في ذلك الوقت في خلافٍ سياسي وقانوني، ومن ثمَّ انقسام حاد بين أجسام الدولة في شرق البلاد وغربها، لتكون المحصّلة بعد ذلك انعدام شرعية الأجسام السياسية من القاعدة الشعبية، وليكون مَخرجها الدستوري اتفاق الصخيرات منذ 17 ديسمبر/ كانون الأول 2015. وفي حالة من التكرار، وربما إعادة للسيناريوهات التي حدثت في الانتخابات الماضية، وبدل أن تكون مَخرجا للأزمة تكون هي أيضا جزءا منها، خصوصا إذا تمَّ اعتماد قانونها الانتخابي (الرئاسي والبرلماني) من دون توافق حقيقي، ومخرج دستوري يتفق عليه الجميع. وبالتالي، ستدخل البلاد في دوامة سياسية أعنف من التي كانت في 2014، وتتكرّر معها السيناريوهات والأزمات السياسية والدستورية، وربما تكون عواقبها حالة من الاحتراب والفوضى، بدلا من أن تكون مخرجا للأزمة الحالية في البلاد كما هو المأمول.
في المقابل أيضا، وُجدت مبادراتٌ تلوح في الأفق للتسوية القانونية في قوانين الانتخابات، ومن ثم الذهاب إليها بشيءٍ من التوافق، ولو أدّى ذلك إلى تأجيلها عن موعدها المقرّر لها مسبقاً، وإن كان هذا الطرح مقبولاً عقلاً في حالة وجود مقوّمات أو بوادر اتفاق بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة. وأما إذا كان هذا التوافق بعيدا كما تشير إلى ذلك المعطيات المتاحة، فإن من الضروري إيجاد مخرج قانوني آخر يضمن احترام العملية السياسية بعد الانتخابات المقبلة، وعدم عودتها إلى المربع الأول. وهذا بالتأكيد ستتحمّل جزءا منه الدائرة الدستورية في البلاد، لتقول كلمة الفصل، ومن ثم يجب احترام ما تذهب إليه قبل أن يكون واقعاً، وهذا إن تحقق سيكون له تأثير جيد، باعتبار أنه تحقق قبل الفعل وليس بعده، كما حدث في الأزمة الدستورية السابقة، وهذا المأمول والمرجو، وإلا ستتكرّر الأزمات، وإن اختلفت مداخيلها وأبعادها.