الحكومة المصرية إيهام بالتغيير وتعزيز الثقة بالنظام

06 يوليو 2024
+ الخط -

أُعلن تشكيل الحكومة المصرية بعد مشاورات استمرّت شهراً. وكانت هذه الفترة الطويلة نسبياً مقصودةً، هدفت السلطة منها إلى إتاحة مساحاتٍ للنقاش، وإثارة الاهتمام بطبيعة الحكومة ومهامّها وتشكيلها. ما بين ذلك، نشرت وسائل إعلام قوائمَ بأسماء المُرشّحين، وتسريباتٍ بشأن الوزراء المغادرين، بينما تعود لاحقاً مصادر لنفيها. مشهد مصنوع يريد الإيهام بأنّ هناك حدثاً فارقاً يجري، يستحقّ الاهتمام والتقصّي والمتابعة، ومعها جرى تحفيز النقاش في وسائل التواصل الاجتماعي.

جاءت حملة التعبئة الدعائية للتشكيل الحكومي بعد أن بات واضحاً أنّ الرأي العام يستشعر ثقلَ أزماتٍ تتراكم تدلّ عليها مُؤشّراتٌ بشأن الديون والتضخّم، غير أزمات في ملفّ الطاقة، وإدراك ارتباطها بسياسات النظام. وبالتالي، جاء مشهد الدعاية ردّة فعل تستهدف توجيه الرأي العام، وجذب الاهتمام بالحكومة الجديدة ودورها في مواجهة التحدّيات تلك، بما يُخفّف نقد النظام، ويُنفّس الغضب، ويُرسّخ فكرةَ الفصل بين مكوّنات وبنية النظام، ومؤسّسة الرئاسة، وهي حالة دعاية تمثّل احتيالاً سياسياً هدفه التهرّب من المسؤولية إلى جانب الحفاظ على ما تبقّى من ملامح ثقة لدى فئات محدودة ما زالت تراهن على نظام 30 يونيو (2013)، وتدعم شرعية وجوده.

أرادت السلطة هالةً حول تشكيل الحكومة والتبشير بها قبل إعلانها، مرحلةً أولى تليها مرحلةُ الدعاية لكفاءتها، وإظهار الثقة بها، بما في ذلك تحليل دلالات التغيير الذى جرى، واستدعاء مُعلّقين بشأنه من أحزاب وتشكيلات سياسية رديفة للنظام في الأساس، وإفساح المجال لوسائل إعلام مُسيطَر عليها خَصَّصت مساحات رأي بشأن الموضوع، ويتّضح فيها قدر من التوجيه لاعتبار الحكومة الجديدة استجابةً للتحدّيات، وإنجازاً جديداً للسلطة، واستكمالاً لمسارها، وعتبةَ عبورٍ تحمل آمالاً مُبشّرة، وتُؤكّد إمكانيات التغيير وتصحيح المسار ضمن حالة تعبئة عامة، تضمّنت تعبيرات مبالغاً فيها إلى درجة النظر إلى التشكيل الحكومي تغيّراتٍ ثورية، واستجابةً للرأي العام، وقادرةً على مواجهة التحدّيات لأنّها وطنية تترجم توجّهات الرئيس ومحلّ ثقته، في مفارقة تدفع إلى التساؤل بشأن الحكومات السابقة (أربع حكومات) منذ يوليو/ تمّوز 2014، وما إذا أنقذت سياسات الرئيس، التي أنتجت المشكلات التي يُراد للحكومة الجديدة أن تصلحها، وأنّ الثقة التي حازتها الحكومات السابقة هي ذاتها الثقة التي يتحدّث عنها مُعلّقون، وربّما غداً ينتقدونها، ويطرحون الثقة بحكومة أخرى.

وضمن المشهد، سُوّق التشكيل وكأنّه مفاجئ يحمل تغييرات جوهرية، وتغيّراً في المسارات، ويدفع الأمل في تفكيك الأزمات، غير تعبيرات مبالغة فيها وصلت إلى حدّ اعتبارها "ثورةَ تصحيح"، وثورةً داخل كلّ وزارة، بينما، وباستثناء تولّي وزير دفاع من خارج أعضاء المجلس العسكري، يُعدّ التشكيل اعتيادياً في مضامينها وانتماءات شخوصها، وطرائق اختيارهم المُعتمِدة على الولاء بدرجة كبيرة، كما تحمل سمات حكومات سابقة، وتمثّل إعادة إنتاجٍ للقديم، بداية من تكليف مصطفى مدبولي بتشكيلها ورئاستها لمرّة ثانية، والإبقاء على ثلث تكوين الحكومة تقريباً، وإن تغيّرت بعض الحقائب الوزارية.

غادر وزراء قضوا عشر سنوات في السلطة مواقعهم، أبرزهم وزير الخارجية سامح شكري، الذي حزن على رحيله بعض أنصار النظام

كما لا تُعبّر الحكومة عن تيّارات وقوى سياسية، ولا وجود لحزبٍ يمثّل السلطة، إذ يعتبر النظامُ الأجهزةَ الأمنيةَ حزبَه، ووسيلةَ الإدارة والحكم. لذا، ليس غريباً أن يكون التشكيل مرتبطاً بهذه المؤسّسات، وضمن آليات الاختيار، حتّى مع ترويج وجود كفاءات دولية في التشكيل تُوكّدها وسائل إعلام، ويُبرِزها رئيس الوزراء في مؤتمر صحافي خلال أول اجتماع لمجلس الوزراء، إلى جانب تأكيده أنّها جاءت لتنفيذ توجّهات ورؤية الرئيس ومواجهة التحدّيات الداخلية والخارجية. وبجانب آليات اختيار ترتبط بالقرب من مؤسّسة الرئاسة وإظهار الولاء، تظهر علاقات ارتباط بين شجرة الحكم والعائلة، يُتفاخَرُ بذلك ويُروَّج أنّ وزير التعليم الجديد حفيدُ المشير أحمد إسماعيل، وهذا شبيه لتكوين حكومات سابقة لم تكن مصادفة أن يكون فيها وزراءٌ شَغَلَ أفرادٌ من عائلاتهم مناصبَ في مؤسّسات أمنية مُسوِّغاً لضمان الثقة فيهم، ولضمان ولائهم، أي أنّهم ضمن جهاز الدولة أباً عن جدّ. وبالصيغة ذاتها، يُؤكّد النظام سماته وتكوينه، فجاءت حركة تغيير محافظين معظمهم من قادة أمنين سابقين. واتصالاً بذلك، تولّى كامل الوزير حقيبتَي الصناعة والنقل، إضافة إلى موقعه نائباً لرئيس الوزراء، في مسلسل للتصعيد يرتبط بثقة مؤسّسة الرئاسة، التي تعتبره أفضل رجال القوات المُسلّحة.

وينطبق الأمر نفسه على تولّي مايا مرسي وزارة التضامن الاجتماعي، وهي التي ألحّت في سنوات ماضية على إظهار إخلاصها للسلطة، وتخصيص أنشطة المجلس القومي للمرأة الذي كانت ترأسه، لإظهار الولاء، إلى جانب الدعاية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي والحشد لانتخابات الرئاسة وتعديلات الدستور، في ما تُسمّى حملات "طرق الأبواب"، متنافسة في ذلك مع هيئات أخرى تمثّل أطرافاً معاونةً للسلطة، وأداةَ الوصل مع فئات المجتمع، تعوّض غياب حزبها السياسي.

تكرار شعارات زائفة وتسويق للأوهام نحو تمكين الشباب والمرأة

وضمن هندسة المشهد، عُيّن في مهام استشارية، باعتبار ذلك نظام إحالة مُتّبعاً يحمل في مضامينه تكريم وزراء سابقين، كلّاً من وزير الدفاع السابق محمد زكي مساعداً لرئيس الجمهورية لشؤون الدفاع، والفريق أسامة عسكر مستشاراً للشؤون العسكرية، ما يعنى تقديراً لهما، ورغبة في بقائهما قرب مؤسّسات السلطة، بينما غادر وزراء قضوا عشر سنوات في السلطة مواقعهم، أبرزهم وزير الخارجية سامح شكري، الذي حزن على رحيله بعض أنصار النظام، لا لبراعة في أدائه الدبلوماسي في ملفّ سدّ النهضة مثلاً، أو خلال العدوان على غزّة، لكن لأنّه مثّل لهم نموذجاً لقيم وتوجّهات تعجبهم في ملفات خارجية وداخلية.

وعموماً، تريد السلطة من خلال التشكيل الحكومي القول إنّها خطوة إلى التغيير، تستكمل طريقاً سابقة شهدت إنجازات، بينما المشكلات والتحدّيات أنتجتها طريقة إدارة الحكومات السابقة، ليظهر النظام منفصلاً عنها، بينما تُطالب الحكومة الجديدة بالإصلاح عبر تنفيذ توجّهات الرئيس، وفي الوقت نفسه، تكرّس هذه الطريقة الفصل بين مؤسّسة الرئاسة وأداء الحكومات السابقة، واعتبار الأزمات من صنعها، كما هناك محاولة لاستعادة مشهد 3 يوليو (2013)، سواء في اختياره تاريخاً لإعلان الحكومة أو في إشارة أطراف من السلطة وإعلامين إلى ذلك، وتعميمهم أنّ الحكومة تعبير عن إرادة المصريين المُمتدّة من "30 يونيو"، وأنّ الشعب ينتظرها، ورحّب بها، لأنّها تمثّل تغيّراً في الدماء والوجوه، وتصحيحاً للمسار. ذلك، مع تكرار شعارات زائفة وتسويق للأوهام نحو تمكين الشباب والمرأة، وأنّها تضمّ كفاءات دولية ومحلّية، ومتوسّط عمر مكوّنيها شابّ ما يدلّل على حيويتها، ويبشّر بقدرتها على معالجة الأزمات، وتجديد الثقة بحيوية النظام.

D75BB17B-0520-4715-86EC-B6995DA95615
عصام شعبان

باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة القاهرة، أحد مؤسسي الجمعية الوطنية للتغيير، عضو المجلس الأعلى للثقافة لدورتين متتالتين، عضو شعبة العلوم الاجتماعية. أحد كتاب الرأى في صحيفة وموقع "العربي الجديد".يقول: "نفعل كما يفعل السجناء، نربي الأمل".