الانتخابات الفلسطينية والتحدّي الأكبر
بعد توقيع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، مراسيم الانتخابات، يدور نقاش واسع لكيفية إدارتها، بحيث تكون النتيجة مرضيةً لشريحة واسعة من الشعب الفلسطيني. إذ على الرغم من إصدار المراسيم، هناك مشككون يتوقعون تأجيلها، لعدة أسباب، منها استمرار الانقسام. حيث يقول خبراء عديدون إنه يجب حلّ الانقسام قبل الانتخابات، فيما يقول المؤيدون إن الانتخابات هي المدخل إلى حل الانقسام. ويشكّك آخرون في استعداد القائمين على الحكم في غزة وفي الضفة الغربية من التنازل لمن سيربح الانتخابات. وأخيراً، هناك من يعتقد أن الانتخابات ستكشف عن الخلافات الداخلية في أكبر فصيلين، حركتي فتح وحماس، حيث من المتوقع أن تجري انتخابات داخلية لـ"حماس"، يتنافس على رئاستها رئيس المكتب السياسي الحالي ابن غزة، إسماعيل هنية، مقابل الرئيس السابق، خالد مشعل. وفي حركة فتح، هناك أكثر من تيار، أهمها (إضافة إلى تيار الرئيس عباس الرئيسي) تيار المعتقل مروان البرغوثي، وتيار المحكوم عليه والموجود في الخارج محمد دحلان، إضافة إلى أعضاء في اللجنة المركزية للحركة، مثل ناصر القدوة وتوفيق الطيراوي وغيرهما.
تحظى الانتخابات الفلسطينية باهتمام دول الإقليم، وقد رأينا زيارة غير مسبوقة لمديري المخابرات المصرية والأردنية لرام الله، وقمة مصرية أردنية في عمّان، وكان محور الحديث قلق دول الجوار بحدوث مفاجأة، كما حدث عام 2006، الذي شكل الأساس في الانقسام الذي لا نزال نعاني منه.
لضمان عدم حصول مفاجآت، طرحت فكرة تشكيل قائمة مشتركة لحركتي فتح وحماس
ستكون الانتخابات التشريعية هذه المرّة مبنية على قانون الانتخاب النسبي الكامل، الذي يعتبر كل مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة (بما فيها القدس) دائرة واحدة. ويعني هذا الأسلوب عدم قدرة أي طرفٍ وحده تشكيل حكومة، ما سيضعف قدرة "حماس"، حيث اعتبر الخبير في استطلاعت الرأي، خليل الشقاقي، أنه لو كانت انتخابات 2006 بهذا الأسلوب، لما استطاعت "حماس" السيطرة وحدها على الحكومة، الأمر الذي أدّى إلى الخلاف الحاد مع الرئيس عباس والانقسام بين غزة والضفة .. يزيد قانون الانتخابات النسبي من قوة الأحزاب والتجمعات القوية، ويوفر للمجموعات الصغيرة أن يكون لها تأثير في حال وجود تحالفات وتجمعات فيما بينها، وتجاوز عتبة الـ1.5%، وهذه تتطلب، حسب تقديرات الخبير في الانتخابات طالب عوض، 22 ألف صوت لضمان مقعدين من المجلس التشريعي، المكون من 132 عضواً، وهو الحد الأدنى لأي قائمة للمشاركة.
أحد الحلول لتجاوز معضلة الانتخابات قبل المصالحة، وضمان عدم حصول مفاجآت، طرحت فكرة تشكيل قائمة مشتركة لحركتي فتح وحماس. نشرت وسائل إعلام إسرائيلية، نقلاً عن مصادر فلسطينية، أن الفكرة تكمن في أن هذه القائمة تشمل تقدّم "فتح" بحوالى عشرة مقاعد عن "حماس"، ويكون متفقاً أن رئاسة المجلس التشريعي لحركة فتح (والمرشح جبريل الرجوب). ومعروف أن القانون الأساسي الفلسطيني ينص على أنه في حال غياب الرئيس، يتولى رئيس المجلس التشريعي منصب قائم بأعمال الرئيس 60 يوماً إلى غاية ترتيب انتخابات رئاسية. وقد اعترض على فكرة القائمة المشتركة بشدة عديدون، ومنهم عضو اللجنة المركزية في "فتح"، ناصر القدوة، اعتبرها غير ديمقراطية وغير مقبولة سياسياً، ويشتمّ منها رائحة المصالح الشخصية على حساب الوطن. ويقول طالب عوض إن "فتح" و"حماس" قد تحصلان، بترشّحهما منفردتين، على مائة مقعد، فيما قد لا تنجحان بالحصول على أكثر من 90، في حال الاتفاق على قائمة مشتركة، لأن ذلك سيحفز آخرين على التصويت ضدها.
إسرائيل تعارض مشاركة المقدسيين، وتضع عراقيل لوجستية لمنعهم، وفي الماضي اعتُقِل نواب منتخبون من القدس، بتهمة انتمائهم السياسي
إحدى أهم مشكلات تشكيل قوائم انتخابية، القوة المفرطة التي تتوافر لمن يشكل القائمة في تحديد ترتيب أعضائها. ففي حين من المفترض أن يكون الترتيب الثالث لامرأة، إلا أن تسمية الأعضاء تعود إلى رؤساء القوائم، الأمر الذي يخشى كثيرون، وخصوصاً الشباب، أنه سيتم تفضيل التنفيع على الكفاءة أو الشعبية. أجرت بعض الفصائل، في أوقات سابقة، انتخابات أولية (برايميريز) لمعرفة رأي القاعدة الشعبية لهم، ولكن ليس متوقعاً حصول ذلك، لعدة أسباب، أهمها قصر المدة بين إصدار المرسوم وإجراء الانتخابات.
إضافة إلى ذلك كله، هناك معضلة القدس، فمعروفٌ أن إسرائيل تعارض مشاركة المقدسيين، وتضع عراقيل لوجستية لمنعهم، وفي الماضي اعتُقِل نواب منتخبون من القدس، بتهمة انتمائهم السياسي. وقد طالب مقدسيون بأن تكون القدس دائرة مستقلة، ثم لم يُقبَل هذا. وثمّة من يطالبون بتشكيل قائمة خاصة للمقدسيين، فيما يفضّل آخرون إدراج المقدسيين في مواقع مضمونة ضمن قوائم كل الفصائل والأحزاب.
من الصعب التنبؤ في كيفية إجراء الانتخابات وشكل القوائم والنتائج، خصوصاً أن آخر انتخابات تشريعية جرت قبل 14 عاماً، فالمطلوب ضمان إجراء دوري للانتخابات، وعلى المستويات كافة، البلدي والتشريعي والرئاسي، بصورة مستمرة، ومن دون تأجيل، مهما حدث، لتوفير مبدأ المحاسبة من صندوق الاقتراع وضمان ضخ دماء جديدة ذات أفكار ونشاط، بدلاً من الاستمرار في إبقاء القادة أنفسهم، على الرغم من مرور عقود على توليهم مناصبهم، من دون أن تُرى نتائج على الأرض.