الاتفاق مع إيران وعقدة روسيا
مضى ما يقرب من عام منذ بدء مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب، فقد أمضت وفود الصين وروسيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا مع إيران كلّ تلك المدة في التجاذب السياسي والاقتصادي لهندسة الاتفاق مرة أخرى. شاركت الولايات المتحدة في الحوار بالطبع، لكن لم يحصل أي لقاء مباشر بين إيران وأميركا، فقد كانت كلّ حواراتهما تجرى عن طريق الوسطاء .. ترغب الولايات المتحدة في تقليم الأظفار النووية الإيرانية لتمنعها من امتلاك سلاح تهديد جديد، بينما ترغب إيران بأن تعود إلى المشاركة على الساحة الدولية وبكلّ الحرية الممكنة. ويعتقد كثيرون بما تحمله الإدارة الديمقراطية التي تحكُم البيت الأبيض من وجهات نظر بأنّ الاتفاق النووي سيعود إلى الحياة، وما بقي من نقاطٍ خلافيةٍ يمكن حلها لاحقا، أو يمكن الاستمرار بالحوار حولها إلى ما لا نهاية..
تتصرّف إيران في هذا الملف بطريقة العبث ولا يقتصر حوارها السياسي على قاعات المؤتمرات في جنيف، بل يأخذ أماكن أخرى تمتدّ إلى حد استعمال السلاح، فبالتزامن من انتشار روائح التفاؤل باقتراب الاتفاق، نفَّذت إيران هجوماً صاروخياً استهدف عاصمة الإقليم الكردي في العراق، والمكان، كما قالت إيران، يستخدمه إسرائيليون، وكأنّها تحاكي، بهذا القصف، ما تتعرّض له في دمشق ومحيطها من هجمات إسرائيلية متكررة، أو تردّ عليه. اعترف الحرس الثوري الإيراني بأنّه من نفّذ الهجوم، وهذا الحرس أصلاً يشكل إحدى النقاط العالقة في المحادثات النووية، إذ تصرّ إيران على حذف اسمه من قائمة العقوبات، وتصرّ أميركا على عدم الخلط بين الملفات، لكن الحرس الثوري الراغب بإبقاء الساحة مشتعلةً ينتقي هدفاً قريباً وسهلاً ليشعل حريقا في طريق المفاوضات، الذي عبّرت أميركا عن رغبتها بإبقائه مفتوحاً، بتصريحها أنّ الهجوم الذي نفذته جهة إيرانية لم يُلحق ضرراً بأيّ منشأة أميركية في أربيل.
بعد الهجوم على أربيل مباشرة، أطلقت السلطات الإيرانية سراح بريطانيتين من أصول إيرانية، هما نازانين زاغاري وأنوشه عاشوري، كانتا قد اعتقلتا ودينتا بالتجسّس، الأولى لبريطانيا والثانية لإسرائيل. وكانت أسماء عدة مواطنين غربيين موقوفين في إيران بتهمة التجسّس قد جرى تداولها خلال المحادثات، ليُطلق سراحهم قبل توقيع أي اتفاق. وبإطلاق سراح المرأتين، تقدم إيران إشارة جديدة حول نواياها، وفيما يبدو أنّ هذه النوايا مضطربة في إرسال إشاراتٍ متضاربة، بعدما قرأ الغرب عزم إيران على الاستمرار في سياسة السيطرة على المحيط بالقوة أو السياسة، وقد استمدّت التيارات الأميركية المعارضة الاتفاق الإيراني سبباً ليقوي موقفها، خصوصاً أنّ الاتفاق، فيما لو أنجز، قد يحتاج موافقة الكونغرس ومجلس الشيوخ الذي يشكل الجمهوريون الرافضون الاتفاق نصف أعضائه، لكنّ إطلاق سراح من كان يعدّ رهينة في إيران قد يخفّف الضغط على مؤيدي الاتفاق، ويستمر جو التفاؤل الذي ساد في الأسبوع الماضي بالتوصل إلى اتفاق. ما قد يضيف تعقيداً جديداً هو الحرب على أوكرانيا، فروسيا طرفٌ مهم في الاتفاق، وهي مشاركة في كل المناقشات التي حصلت. وبحسب الاتفاق، تشحن إيران كل المواد النووية المخالفة، والتي ينصّ الاتفاق على التخلص منها أو تقليل كميتها، إلى روسيا، بما قد يخالف شروط العقوبات الأخيرة المفروضة على روسيا من أميركا والغرب. لذلك، أرادت روسيا استغلال هذه النقطة، واستثناء تعاملها التجاري مع إيران من قائمة العقوبات، الأمر الذي جرى رفضه، ما جعل موجة التفاؤل تنحسر قليلاً، لكنّ إدارة بايدن، الوريثة الشرعية لأوباما مهندس الاتفاق الأول، تلهث لتحصل على الاتفاق، وهي تظنّ أنّه جواز عبورها إلى فترة ثانية. وبارتباطه المباشر مع الملف الأوكراني الروسي، أصبح الحصول على الاتفاق يمكن أن يشكّل عقبة جديدة تضاف إلى عقبات الاقتصاد المتدني الذي نشأ عن الحرب ذاتها، وعلى بايدن العثور على طرائق مختلفة ليضمن العودة إلى مكتبه البيضاوي.