الأزمة الليبية في مجلس الأمن
لم يكن مستغرباً أن تكون مخرجات مجلس الأمن أخيراً بشأن الأزمة الليبية كما كان قبلها، من غير تجديد، ولا إيجاد لطرق فاعلة لحل الأزمة، باعتبار أن الاستقطاب الخارجي لا يسمح بذلك، وأن المصالح تقتضي ذلك، من حيث المرونة وعدم التوجه نحو حل سياسي شامل، على الأقل في الوقت الحالي. وبالتالي، لن يكون التوجّه إلى تجديد الأجسام التشريعية في مقبل الأيام باعتبارها محل نزاع قبل التنفيذية، وكذلك مدخلاً لحل الأزمة في البلاد ككل، بالوتيرة المطلوبة التي تسعى إليها نخب داخلية كثيرة في البلاد.
عموماً، أكد مجلس الأمن في جلسته في 28 الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول 2022) "التزامه القوي بعملية سياسية شاملة بقيادة ليبيا وملكيتها، تيسّرها الأمم المتحدة، بما في ذلك إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وطنية حرّة ونزيهة وشفافة وشاملة في جميع أنحاء البلاد في أقرب وقت ممكن"، إلا أن ذلك لم تصحبه أي خطوات أو قرارات تؤيد الاتجاه نحو هذا الفعل حقيقةً وفعلاً، لا تأطيراً.
وبالتالي، لا تزال الأزمة السياسية قائمة من دون أن تلوح في الأفق نهاية قريبة لها، سواء من ناحية تجديد الأجسام السياسية الحاكمة في الشأن السياسي، ولا من النواحي الأمنية والاقتصادية، فضلاً عن التنفيذية، كما أن الجهود المبذولة لحل القضايا العالقة المتبقية والمتصلة بالقاعدة الدستورية لم تتقدّم قيد أنملة، بل تراوح مكانها، إن لم يتم جرّها إلى الوراء، الأمر الذي حتماً سيطيل من عمر المرحلة الانتقالية من جهة، وضياع ما تبقى من الشرعية لمؤسسات الدولة من جهة أخرى من القاعدة المنشئة لها، وبالتالي، تراوح الدوامة السياسية مكانها، ولا يمكن أن تتقدّم بأدواتٍ تمت تجربتها مسبقاً، وأثبتت فشلها من جميع النواحي، وبات الباب مسدوداً معها.
باتت ليبيا تفتقر إلى شرعية سليمة تنتشلها من جميع هذه الأجسام، التي لا تتفق عادة من دون المحاصصة والجهوية والقبلية في أدنى الأمور وأبسطها
في الجهة الأخرى، هناك حديث بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة على المناصب السيادية وضرورة تغيّرها، وإن كان ذلك يمكن استيعابه وفهمه في ظل انعدام الشرعية في البلاد، إلا أنه لا يمكن الآن استيعاب ذلك منفرداً، أو حتى من هذه الأجسام التي تحتاج شرعية تجدّدها، لا أن تكون صاحبة الشرعية في مؤسسات الدولة الأخرى.
اليوم، باتت البلاد تفتقر إلى شرعية سليمة تنتشلها من جميع هذه الأجسام، التي لا تتفق عادة من دون المحاصصة والجهوية والقبلية في أدنى الأمور وأبسطها، فضلاً عن توفير بيئة آمنة لتجديد نفسها! كما أن انتظار الإنجاز من المعدوم غير مقبول، كما هو الحال في تكوين قاعدة دستورية حقيقية، يمكن من خلالها العبور إلى الشرعية السليمة التي افتقرتها البلاد منذ سنوات. وبالتالي، لا يمكن القبول اليوم بعد سنوات وانتظار وكذلك عدّة محاولات من هذه الأجسام، لا يمكن الانتظار أكثر من ذلك لإيجاد قاعدة دستورية، باعتبار المقدّمات التي لم تتغير منذ سنوات، بل يُعاد تكراراها نصاً وشكلاً، وبالتالي، لن تخرج النتائج من العدم كما كانت قبل ذلك.
وفي المقابل أيضاً، لن يكون التوافق على قوانيين انتخابية سهلاً، بل إنه ستعتريه أزمات كثيرة، خصوصاً في وجود عقبات من الفاعلين الليبيين الراغبين في استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه؛ للاستفادة منه في تحقيق بعض الغايات. ومن جهة أخرى، هناك عوائق تنفيذية قانونية أثيرت فيما سبق، أبرزها حول إنشاء أو استحداث معايير جديدة لعملية إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية، الأمر الذي أضاف عبئاً آخر في العبور من المراحل الانتقالية الحالية، وبالتالي، فإن الأقرب إلى التطبيق وإنجاح تجديد العملية السياسية والشرعية في البلاد هو الخروج من هذا الاختلاف، والحوارات المتكرّرة التي لا تجدي إلا في إضاعة الوقت، هو الاعتماد على الإجراءات السابقة من الناحيتين الدستورية والقانونية، سواء في انتخاب المؤتمر الوطني العام في سنة 2012، أو البرلمان في 2014، كآلية توافقية لإنجاح تجديد الشرعية وتجنيب ليبيا مزيداً من إهدار الوقت والثروات، فضلاً عن الانقسام.