اعتقال إعلامي واغتيال سياسي
تحيط العقوبات الشاملة بالنظام السوري، وتشمل حليفه في لبنان، حزب الله، وصار الفقر المدقع مشهودا في الشوارع السورية وكذلك اللبنانية، وقد عاشت مدينة طرابلس أسبوعا عصيبا من التظاهر والعنف، احتجاجا على الأوضاع المعيشية المتردّية. ومن غير المرجح أن نشهد الاحتجاجات نفسها في الشوارع السورية، لأسبابٍ كثيرة. ولكن يمكن أن نشتمّ رائحة العجز عن تأمين الحاجات اليومية لمعظم الأسر السورية، من خلال حديث رجل الشارع الذي يهمس يمينا ويسارا بما يعانيه من فاقةٍ فاقت كل حد .. يرى النظام وحلفاؤه ما يحل بالشوارع التي يسيطرون عليها، من دون أن يحاولوا تقديم شيء، إما لعجزهم أو لاعتبارهم تأمين حدود العيش الدنيا للسكان ليس أولوية، في الوقت نفسه، فالنظام غير مستعدٍّ لأن يرخي قبضته الأمنية القاسية عن الشوارع، فاستخدام القوة ضد أي شكلٍ من الاعتراض هو السياسة الناجحة الوحيدة للاحتفاظ بالسلطة برأيه، ولطالما طبق هذه السياسة بكل العنف المطلوب. وحتى هذا الوقت، يبدو غير مستعد للتنازل عن أيٍّ من مزاياه. وفي سبيل ذلك، يطلق قوته وبالطريقة الغاشمة العمياء لتطبيق العقوبة على كل من ينحرف عن نهجه.
تظهر حساسية النظام المفرطة في قطاع الإعلام بوجه خاص، وهو يولي هذا القطاع عنايةً فائقة، ويجعل همّه إطباق قبضته المحكمة عليه. وعلى الرغم من الدخول في عصور الإنترنت وحرية الفضاء وسهولة البث، ما زال يرفض إعطاء التراخيص لافتتاح محطات تلفزيونية أو إذاعية خاصة، على أراضيه، إلا لمن هو ضمن الدائرة الضيقة للنظام، ويحرص على أن يكون البث الخاص خارج الأطر السياسية، ويحصره بالأحاديث الفنية أو الاجتماعية السطحية، ويطبق على موظفي الإعلام الذين يعملون ضمن محطاته وفي صحفه، على قلتهم بالنسبة لحجم السكان، معايير ذات صرامة عالية، ولا يسمح إلا لقلةٍ قليلة، لتخرج على الهواء وتتكلم مباشرة من أوراق مكتوبة ومحضّرة سلفا. ما زالت هذه العقلية مسيطرة ورائجة، لذلك يأتي تعامله مع الإعلامي "الشاذ" بمستوى عال من العقاب، فيعتقل، قبل أيام، شخصيات معروفة، أحدها وجه إعلامي لسيدة شهيرة، وتكتفي وسائله الإعلامية بذكر الحرف الأول من اسمها واسم عائلتها. الأمر الذي استفز النظام لتجنيد أجهزته واعتقالها النشاط الذي بدر منها على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث لمس فيما تكتبه الإعلامية مساسا بذاته السياسية، على الرغم من أن ما كُتب لا يخرج عن انطباعاتٍ يعرفها الجميع، ويعاني منها الجميع. وباعتقاله هذا النوع من المحتجين، يظهر مدى حرص النظام على التعمية عما يحدث في الشوارع، فيرفض الاعتراف بأن ما يعانيه المواطن السوري حاليا هو كارثة تهدّد حاضره ومستقبله وحياته كلها، ويحرص، في كل مرةٍ يجري فيها تعديلاتٍ على قائمة عقوباته، على وضع قوانين ذات طبيعة فضفاضة وغير واضحة، يمكن من خلالها إلصاق التهم بكل من "يحكي" بأسلوب قد يثير حساسية سلطته، ويدرج تلك القوانين تحت بند الجريمة الإلكترونية، وقد استحدث النظام لهذا الغرض جهازا أمنيا يتعقب مرتكبيها، وجهازا آخر يحاكمهم ويزجّهم في السجون بطريقة "قانونية".
وعبر شركاء هذا النظام في لبنان، لا يختلف الأمر كثيرا، لكن هنا من دون التواطؤ مع القانون، فعلى الرغم من أن الجاني معروف، ولا يجتهد لإخفاء نفسه، لكن لا محاسبة ولا حسيب. وفي السياق، يأتي الخبر الموجع باغتيال الصحافي والناشط ضد ممارسات حزب الله، لقمان سليم. جاء الانتقام عنيفا بحجم خمس رصاصات أطلقت على جسد المعترض، مع توقعاتٍ، وخوف في الواقع، من نجاة الفاعل، وإعادة فتح أوتستراد الرعب والترهيب ضد أي مخالف.. لا تنطبق قوانين الزمان، ولا قوانين التطور، على النظام السوري وحلفائه، ولا تمر بهم مواكب التكنولوجيا وارتقاء تبادل المعلومات والحصول عليها، فما زال العقل المتكلس سيد الموقف منذ عشرات السنين، ولا سبيل للنجاة منه إلا باقتلاع أصحابه بشكل جذري وعام.