إيريك زيمور مرشح الأسد لرئاسة فرنسا

05 فبراير 2022
+ الخط -

من الصعوبة ألا يهتم المرء بالقضايا التي تخص البلاد التي تستضيفه لاجئا، فحتى الذين يستطيعون أن يفعلوا هذا ستتوقف حياتهم في لحظة ما عند احتياجات ملحّة، تؤدي بهم إلى تطبيق بعض الاندماج هنا وهناك.

يمر كل شيء حالياً في فرنسا عبر منخل الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويجد المرشّحون الفرصة متاحة دائماً للحديث في أي شأن، أمام ناخبيهم الذين يُعرف عنهم أيضاً حبهم الكلام وللنقاشات. وضمن هذا السياق، تتحدّث مرشحة يمين الوسط، فاليري بيكريس، مثلاً عن ضرورة نقل جثمان المسرحي العبقري موليير من مقبرة القديس جوزيف التي كانت مخصصة للأطفال غير المعمّدين كنسياً والمشردين إلى مقبرة البانثيون، حيث يرقد عظماء فرنسا، وذلك نكاية بقرارات الرئاسة الحالية التي رفضت هذا الطلب، بحجة أن هذه المقبرة لا تستضيف سوى الشخصيات المبرزة بعد الثورة الفرنسية!

هنا، يمكن للحديث عن الطقس أن يصبح مثار جدل انتخابي، والمرء يجب أن يسمع هذا كله، وأن يشاهد ويقرأ غيره، فهو مضطرٌّ لأن يندمج أكثر فأكثر. لكن لن يستطيع الشخص القادم من المشرق العربي، أن يمرّ مرور الكرام، أمام سيطرة الإسلاموفوبيا على عقول عدد من المرشحين، بل سيدقّق في التفاصيل، وسيكتشف أن بذوراً فاشية قد زُرعت في هذه الأرض، وسيكون على يقين بأن سياسة تنميط الآخر تحت عنوان "النزعة الانفصالية الإسلامية"، واعتباره عدواً، سيؤدّي حكماً إلى إحداث شقوق بين فئات المجتمع. وبدلاً من الدفع إلى جعل المسلمين يندمجون في الثقافة الفرنسية، سيحصل العكس، إذ سيرى هؤلاء أنفسهم وقد وضعوا في خانة مسبقة الصنع، وأن الحكم عليهم قد صدر، ودخل مرحلة الإفهام العلني!

سياسة تنميط الآخر تحت عنوان "النزعة الانفصالية الإسلامية"، واعتباره عدواً، سيؤدّي حكماً إلى إحداث شقوق بين فئات المجتمع

وسط هذه اللجّة، حيث يتبارى اليمينيون في الذهاب يميناً أكثر فأكثر، حتى وإن اصطدمت رؤوسهم بالجدران الصلبة، وارتجّت أدمغتهم وصار كلامهم يشبه الهذر، فجأة، يتبرّع أحد مذيعي القناة الخامسة الحكومية، ليسأل إيريك زيمور، المرشّح الأكثر تطرفاً، عن سياسة فرنسا تجاه سورية، ومسألة فتح السفارة الفرنسية في دمشق!

ومن دون انتظار الجواب، يستيقظ المشاهد من غفوته، واستسلامه الاندماجي بمشكلات الفرنسيين، ويتحفز لمعرفة ما سيكون عليه الحال بالنسبة للسوريين إن سكن المرشح ذو الأصول الجزائرية في الإليزيه، فيجيب: "نعم، أعتقد أن إغلاق هذه السفارة في دمشق كان خطأ، كما أعتقد أنه من الخطأ شيطنة بشار الأسد"... "أنا لا أعترف إلا بالأنظمة القائمة، ولو أن الأسد خسر لكانت هناك الآن دولة إسلامية وخلافة"!

ربما يكون إلحاح فكرة الشيطنة مفهوماً، فزيمور نفسه يتعرّض للتنمر من شباب الحركات المناهضة لتوجهه، عبر تصويره غرافيتياً في أحياء المهاجرين، بهيئة شيطان أيضاً، يشبه شخصية (غولم) في ثلاثية "سيد الخواتم" السينمائية! ومن المفهوم أيضاً ألا يعرف عن سورية شيئاً، سوى ما يعرفه رجل الشارع الفرنسي، فهي لا تعنيه بأي شيء، وحتى في ملف المهاجرين الذي يستخدمه هو وغيره لصناعة الكراهية في المواسم الانتخابية، سيكون من الصعوبة وضع السوريين بالتساوي مع غيرهم، فليس لديهم مشكلات تذكر، كما أن عددهم، وهو أقل من مائة ألف بين لاجئ ومقيم، لا يرقى إلى أن يتم ذكره.

غالبية الصحف والمجلات الفرنسية، لا ترى في بشار الأسد سوى ذلك الديكتاتور البغيض الذي قتل شعبه بالسلاح الكيماوي

ولكن من غير المفهوم أن يكون، وهو صحافي وسياسي، ضحلاً إلى هذه الدرجة، ومن الواضح أن أحداً من مستشاريه أو مساعديه لم يقترح عليه أن يفتح كتاباً ليقرأ عن الموضوع، ولم يلخص الأمر له، كي يكون جاهزاً للحديث عنه. وفي حال كان أحد الأمرين قد حصل، ستكون المصيبة أكبر، لأنها ستضعنا أمام سؤال ملحٍّ بشأن المصادر التي يستقي هؤلاء الذين يريدون أن يحكموا بلداً كفرنسا خمس سنوات، معلوماتهم منها؟! مع العلم أن غالبية الصحف والمجلات الفرنسية، التي أمرّ على عناوينها بشكل شبه يومي، لا ترى في بشار الأسد سوى ذلك الديكتاتور البغيض الذي قتل شعبه بالسلاح الكيماوي!

واضحٌ أن ثمة شبكة أخرى من مصادر المعلومات، تتقاطع مفرداتها مع خطاب داعمي النظام من روس وإيرانيين وحركات قومية عربية ويسار رسمي ويمين متطرّف فاشي، فهؤلاء كلهم ينطقون بكلام زيمور نفسه، وكلهم أرسلوا قوات ومتطوعين للقتال إلى جانب الأسد وقواه الأمنية وجيشه والمليشيات الطائفية، في مشهد أقرب إلى الفانتازيا منه إلى الواقع!

وفي حقيقة الأمر، لسنا بحاجة للاستغراق في تصوّر وجود وكالة أنباء أو "داتا" أساسية يستقي منها اليمينيون حول العالم، بل نحتاج إلى فهم رسوخ جذر أساسي في آليات تفكير الفاشيين، فهم لا يمكنهم أن يطرحوا خطاباً ما، من دون إيجاد عدو يشيطنونه أمام الجمهور، وتصويره تهديدا وشيكا. وتبعاً لهذا، لن تكون مشكلة الإسلاموفوبيا شأناً مجتمعياً أو ثقافياً، بل ستغدو قضية أمنية وعسكرية إذا اقترنت بأعمال إرهابية تقوم بها تنظيمات إرهابية متطرّفة كتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)!

ليست جرائم الإبادة بالنسبة لزيمور سبباً يستحق المجرم من أجله شيطنته

وضمن هذه المعملية التقليدية، تبحث الحركات اليمينية عن شركاء وحلفاء لها، تتشارك معهم الأهداف. وفي وقت كهذا، هل من شخصية أنسب من بشار الأسد الذي لم يكتف برفع شعار "مواجهة الإرهاب"، بل قتل، مع حلفائه، مئات آلاف من السوريين، بحجة أنهم إن لم يكونوا إرهابيين فهم بيئة حاضنة لهم!

ليست جرائم الإبادة بالنسبة لزيمور سبباً يستحق المجرم من أجله شيطنته، وهو في هذا يعبر عن رؤية تيار يميني ناهض في البلدان الأوروبية، لا يعادي المهاجرين فحسب، بل يعادي أيضاً فكرة أوروبا الموحدة، وكذلك المواقف التي يتخذها الاتحاد الأوروبي الذي تتزعمه فرنسا حالياً، ومنها رفض التطبيع مع الأسد وعدم المشاركة في إعادة الإعمار من دون حصول انتقال سياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254، والمطالبة "بوضع حد للقمع والإفراج عن المعتقلين، والكشف عن مصير المفقودين ووضع حد للإفلات من العقاب".