أي آفاق لمحادثات الصومال وصوماليلاند؟
يعدّ الصراع بين صوماليلاند والصومال إحدى أكثر المسائل السياسية تعقيداً في القرن الإفريقي. وهو إرث ممتد منذ قيام الجمهورية الصومالية التي نشأت من اتحاد إقليمَي صوماليلاند البريطاني والصومال الإيطالي بعد الاستقلال، واستمرّت بين أعوام 1960-1991. وقد أعلنت صوماليلاند بعد انهيار النظام والدولة معاً في التسعينيات إنهاء ذلك الاتحاد من طرف واحد في 18 مايو/ أيار 1991. وقد انتهجت صوماليلاند، منذ إعلان استقلالها، سياسة القطيعة مع مؤتمرات المصالحة الخاصة بالصومال، منذ مؤتمر جيبوتي الأول في 1991، باعتبار أنها لم تعد جزءاً من الصومال. لكنّ مشاركتها في مؤتمر لندن في 23 فبراير/ شباط 2012 مثّلت انعطافة في موقفها. وتضمّنت مخرجات ذلك المؤتمر بنداً خاصاً يشير إلى دعم المجتمع الدولي أي حوار بين صوماليلاند والحكومة الفيدرالية الانتقالية. واجتمع في حينه لأول مرة شيخ شريف شيخ أحمد رئيس الحكومة الصومالية الانتقالية وقتها مع رئيس صوماليلاند أحمد محمود سيلانو، وهو أحد زعماء جبهة الحركة الوطنية الصومالية التي قادت الانفصال عن الصومال.
مهّد هذا اللقاء لجلسات مفاوضات عُقدت في دبي في يونيو/ حزيران 2012، تلتها عدة جولات من المفاوضات في بريطانيا والإمارات وتركيا وجيبوتي، لكن تلك المفاوضات لم تحقق أي تقدم في تحديد مصير الانفصال أو الوحدة بين الطرفين. وبحلول عام 2015 انهارت المفاوضات في جيبوتي نتيجة الفشل في تفنيد بنود فنية توصل إليها الجانبان نوعاً من بناء الثقة، مثل نقل مقر سيطرة المجال الجوي الصومالي من نيروبي إلى هرجيسا، فضلاً عن تمسّك الطرفين بمواقفهما بشكل صارم؛ الانفصال مقابل الوحدة، المنصوص عليها في دستور كل بلد.
تواجه صوماليلاند عقبات في توسيع علاقاتها الخارجية واستغلال الفرص الاستثمارية
منذ ذلك الوقت، جرت عدة محاولاتٍ لإحياء مسار المفاوضات بين الجانبين، جديدها أخيراً كان في جيبوتي 2020، لكنها أيضاً لم تُحرز تقدّماً يُذكر. وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قامت تركيا والنرويج بجهود دبلوماسية مشتركة لتحريك ملف المفاوضات، وأبدت كل من الحكومتين، الفيدرالية وصوماليلاند، استعدادهما للمشاركة. وفي الاتجاه نفسه، عيّن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود مطلع إبريل/ نيسان الماضي عبد الكريم حسين غوليد مبعوثاً خاصاً لصوماليلاند. بهدف تسهيل بدء المحادثات بين الحكومة الفيدرالية وصوماليلاند. ثم عقد غوليد، وهو يتمتع بقدر من الثقة من الجانب الصوماليلاندي، لقاءات تمهيدية مع عدة سفراء في الصومال ودول الجوار المعنية. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة قد تعكس استعداد الحكومة الفيدرالية لاستئناف المفاوضات مع صوماليلاند، فمن المستبعد أن تحقق اختراقاً حقيقياً في ملف المفاوضات. ويُعزى هذا إلى رغبة الطرفين في الاحتفاظ بالوضع القائم، فضلاً عن تخوّف قادة مقديشو من تقديم أي تنازلاتٍ لصوماليلاند قد تؤثر على موقفهم الداخلي. كما يواجه رئيس صوماليلاند موسى بيحي أزمة داخلية، بانتهاء فترة ولايته، بالإضافة إلى أنه يعيش صراعاً مسلّحاً في مناطق الشرق، هو الأول من نوعه في هذا البلد الذي عُرف باستقراره الأمني طوال العقود الأخيرة.
وبشكل عام، لا يبدو أن ملف المفاوضات يشكّل أولوية لدى الحكومة الصومالية الحالية، فهي منشغلة بتحقيق نتائج ضد حربها مع حركة الشباب. وهذا ما صرّح به الرئيس الصومالي، حسين شيخ محمود، أخيراً، في محاضرة له في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني في الدوحة، في معرض إجابته عن الدور الذي يمكن أن تلعبه دولة مثل قطر في الوساطة بين الجانبين، وذكر أن تركيزه حالياً ينصبّ على "التنمية وتحقيق الاستقرار، وإعادة البناء". ويمكن أن يكون للوسيط القطري دور حين "تنطلق عملية السلام بين الصومال وصوماليلاند". ولطالما أبدت صوماليلاند أن الظروف الداخلية في الصومال لا تهيئها لدخول مفاوضات جادّة، قبل التغلب على مشكلاته الأمنية والسياسية المضطربة. ولهذا، يمكن الذهاب إلى أن مهمة المبعوث الجديد ستقتصر على إيجاد حل للنزاع الدائر في مدينة لاسعانود الحدودية مع الصومال بين قوات صوماليلاند ومليشيات عشائرية أعلنت رفضها خيار للانفصال. وهي مهمة إن نجح فيها المبعوث الجديد ستمهد الطريق لتحقيق التقارب بين هرجيسا ومقديشو بشأن العلاقات المستقبلية بينهما.
ستبقى الأمور بين هرجيسا ومقديشو في مكانها، ما لم يطرأ تغيّر في الظروف الداخلية لأحد الطرفين
وثمّة ما أثار قلق الحكومة الفيدرالية الصومالية لتحريك ملف المفاوضات في هذه التوقيت، ودفعها بتعيين أول مبعوث خاص لهذا الشأن. وهو تمرير الكونغرس الأميركي في مطلع هذا العام (2023) قانوناً ينصّ على "شراكة أميركية مع صوماليلاند لتعزيز مصالح الولايات المتحدة، وتحسين الاستقرار الإقليمي". وهو قرار من شأنه أن يؤسّس قواعد تعامل أميركية جديدة مع الوضع الصومالي، خصوصاً في ظل البيئتين الإقليمية والدولية المتحرّكتين.
وبالنسبة لصوماليلاند، وعلى الرغم من أن دولاً اعترفت بجواز سفرها، أخيراً، فهي تواجه عقبات في توسيع علاقاتها الخارجية واستغلال الفرص الاستثمارية، فرغم وجود بعض المكاتب الدبلوماسية في العاصمة هرجيسا لم تعترف باستقلالها، بعد مرور 32 عاماً على إعلانه، أي دولة. ويشترط المجتمع الدولي بدء أي اعتراف مستقبلي لصوماليلاند من الحكومة الفيدرالية الصومالية. وهو ما يحتم عليها الانخراط مع الحكومة الفيدرالية. ومن جانب آخر، يهدّد النزاع المتفجّر في إقليم صوماليلاند الشرقي (سول) منذ يناير/ كانون الثاني الماضي الصورة التي حرصت على تصديرها عن نفسها في مطالبتها بالاعتراف الدولي بأنها واحة ديمقراطية ومستقرّة في محيط مضطرب.
أما المفاوضات، فإن فرص تسجيل اختراقات حقيقية تظل ضئيلة. وستبقى الأمور بين هرجيسا ومقديشو تراوح في مكانها، ما لم يطرأ تغيّر في الظروف الداخلية لأحد الطرفين، أو بروز قوى إقليمية أو دولية تدفع المفاوضات باتجاه الوحدة أو باتجاه منح الاعتراف القانوني لصوماليلاند. وقد يكون لموضوع التنقيب عن النفط الذي بدأته حكومة صوماليلاند في هذا العام قولٌ في المسألة!