أين حكومة لبنان من الصراع الروسي الأميركي؟
قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، قبل أيام، إنّ بلاده ستحتاج إلى "تغيير النهج والأسلوب فيما يتعلق بلبنان" في الأسابيع المقبلة. وأضاف أنّ بلاده "ملتزمة بأمن لبنان ولن تترك شعبه في مأزق". وجاءت تصريحات ماكرون بعد يوم من إعلان مصدر دبلوماسي فرنسي أنّ على الأوروبيين والأميركيين زيادة الضغوط على الطبقة السياسية اللبنانية لتشكيل حكومة جديدة. وبعد زيارته روسيا أخيرا، حمل وفد حزب الله رسالة واضحة بضرورة الضغط على الطبقة السياسية للتسريع في تشكيل الحكومة في لبنان.
وقد رافقت تأكيد ماكرون دعوة الاتحاد الأوروبي فرنسا إلى تفعيل مبادرتها، ودفع المسؤولين في لبنان قبل الانهيار الكبير. وإضافة إلى الجهود الفرنسية، تقف الإدارة الأميركية في دعمها عبر التوجه إلى المسؤولين في لبنان، لإنجاز تشكيل حكومتهم، وإنقاذ ما تبقى من وطن.
لم يعد خافيا على أحد احتدام الصراع الروسي – الأميركي، سيما بعد تصريحات بايدن إنّ الرئيس الروسي بوتين قاتل، ويجب أن يُحاسب
وفي مقابل الضغط الفرنسي، برز تدخل روسي على خطّ التشكيل، إذ لم يعد خفيًا على أحد احتدام الصراع الروسي – الأميركي، سيما بعد تصريحات الرئيس الأميركي، جو بايدن، إنّ الرئيس الروسي بوتين قاتل، ويجب أن يُحاسب. هذا الصراع، بدأ كجزء من الحملة الانتخابية للرئيس بايدن، إذ حدّد الرجل أنّ روسيا هي أخطر أعداء أميركا، والمهدّدة الأساسية لمصالح أميركا في العالم، وها هو يستمرّ ويترجم على أكثر من ساحة، ولبنان واحدة منها. وفي السياق عينه، قالت ثلاثة مصادر مطلعة لوكالة بلومبيرغ إنّ إدارة بايدن ستفرض عقوبات إضافية لمنع بناء خط أنابيب غاز "نورد ستريم 2" لتوريد الغاز الروسي إلى دول أوروبية، قد تشمل الشركة الأم للمشروع، داعية الدول المشاركة إلى الانسحاب الفوري.
مؤكّد أنّ اللاعب الروسي يسعى إلى فرض الاستقرار في لبنان، لأنه بحاجة لذلك، فالتنقيب عن النفط والغاز في سورية قد بدأ، إذ عقدت الشركتان الروسيتان، كابيتال ليميتيد وإيست ميد عمريت، عقدين مع الحكومة السورية، للتنقيب عن النفط في بلوكي 1 و2 في البحر المتوسط في محافظة طرطوس. ويهدف ضغط موسكو إلى التسريع في عملية تشكيل الحكومة اللبنانية، عبر حلفائها الإقليميين والمحليين، وذلك نتيجة تخوف القيادة الروسية من التفلت الأمني في لبنان، تحديدًا من البوابة الشمالية، ما سينعكس على عملية التنقيب الروسية.
ولكن قد تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن الروسية، سيما وإنّ الضغط الأميركي، عبر وسائطه في لبنان، يمنع التوصل إلى تشكيل الحكومة. صحيحٌ أنّ الرئيس المكلف، سعد الحريري، قام بثماني عشرة زيارة إلى قصر بعبدا، لكنّ الدخان الأبيض لم يخرج بعد، ويبدو أنه لن يخرج. فالأميركي غير متحمّس إلى تشكيلها، على خلاف الروسي، لأنّ إدارة بايدن لم تصل إلى تنازلاتٍ، سيما في موضوع ترسيم الحدود، ولا حتى في ملف النازحين السوريين، حيث صرّحت الإدارة الأميركية أكثر من مرة، عبر قائد القيادة الوسطى الأميركية، كينيث ماكينزي، عن ضرورة دمج النازحين السوريين في المجتمعات المضيفة.
ورأت مصادر متابعة أنّ الأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة التي تمتلك القدرة على توفير عناصر جديدة تحرّك المشهد الحكومي اللبناني، خصوصًا في واشنطن والرياض، لا تبدو بعد جاهزة للدخول على خط تحفيز الحلول، على الرغم من زيارة سفير العربية السعودية وليد البخاري، قبل أيام رئيس الجمهورية ميشال عون، وما قد تحمله من جرعة تفاعل على خط التشكيل.
لا يقف التحول في سياسات الدول الصاعدة، الروسية والصينية، عند حدود تشكيل قطب في وجه الأميركي، بل إزاحته عن الساحة الدولية لاعبا رئيسيا
يتوسع الصراع الأميركي الروسي، فقد دعا وزير الخارجية الروسي، لافروف، إلى استخدام العملات الوطنية بدلًا من الدولار الأميركي في التسويات المتبادلة بين الدول لخفض مخاطر العقوبات الأميركية، وذلك في مقابلة مع وسائل إعلام صينية نشرتها وزارة الخارجية الروسية. ولا يقف التحول في سياسات الدول الصاعدة، الروسية والصينية، عند حدود تشكيل قطب في وجه الأميركي، بل إزاحته عن الساحة الدولية لاعبا رئيسيا. هذا ما لم تقبل به الإدارة الأميركية الحالية التي صممت، على ما يبدو، على محاربة أعدائها حتى داخل الساحة اللبنانية، عبر تشكيل الحكومة، ورفض تمثيل حزب الله فيها دليل واضح.
تعيد الساحة اللبنانية اليوم، بتحرّكاتها وثورتها، عقارب الساعة إلى الوراء، إلى ثورة عام 1958، حيث شهد لبنان من شماله إلى جنوبه، يومها، ثورات مندّدة بمواقف رئيس الجمهورية كميل شمعون، المتبنية الدخول في حلف بغداد الداعم للتوجه الأميركي في المنطقة، بينما كان الشارع المعارض يشيد بمواقف الرئيس المصري جمال عبد الناصر، حليف الاتحاد السوفياتي.
لا يتوقف رقص لبنان على وقع نار الحرب الباردة بين الشرق والغرب، بل هناك مسؤولون لبنانيون يؤججون تلك النار. ففيما يصرّ الرئيس عون على السير بالتدقيق الجنائي وكشف الفاسدين واستعادة المال المحوّل إلى الخارج، يرزح لبنان تحت انهيار اقتصادي متعمّد، غرضه الضغط على رئيس البلاد لسحب ملف التدقيق الجنائي.