آمال بإغلاق قوس الأزمات في الكويت
في الذكرى الأولى لتوليه مقاليد الحكم، يوم 8 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أصدر أمير الكويت، الشيخ نواف الأحمد الصباح، عفواً عن بعض المتهمين في قضايا سياسية. ووفقاً للقرار، أعفي 11 شخصا من العقوبة، فيما أعفي سبعةٌ من باقي العقوبة، وخفضت العقوبة إلى نصف المدة لـ 18 شخصا، وذلك وفق معايير شاركت السلطتان، التشريعية والتنفيذية، في وضعها. ووفقا للدستور، صادقت الحكومة برئاسة صباح الخالد الصباح، في اليوم التالي، على مراسيم العفو، قبل ساعات من إعلان استقالتها.
ولئن كانت قرارات العفو العام والخاص أمرا معهودا، وتصدر بين آونة وأخرى عن أعلى مستويات الحكم في الدول العربية، وفي مناسبات محدّدة، مثل عيد الفطر أو الأضحى أو اليوم الوطني (ذكرى الاستقلال)، أو في ذكرى تولي رئيس الدولة الحكم، إلا أن هذه القرارات تتعلق غالبا بمعتقلين جنائيين، لا سياسيين، وقد جاءت القرارات في الكويت، أخيرا، في سياق مطالبات متكرّرة لقوى نيابية وسياسية لـ "طي صفحة سابقة"، وهو ما استجاب له الأمير الذي دعا، في سبتمبر/ أيلول الماضي، إلى حوار وطني (شمل السلطتين التشريعية والتنفيذية والمجلس الأعلى للقضاء، بغير ممثلين آخرين للدولة والمجتمع)، وكان من مخرجات هذا الحوار الدعوة إلى إنهاء قضية نواب وناشطين، سبق أن اقتحموا مجلس النواب عنوة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 إبّان موجة الربيع العربي، في ختام مسيرةٍ صاخبةٍ طالبت بإقالة رئيس الحكومة آنذاك، ناصر محمد الصباح، الذي اتهمه المتظاهرون حينها بالفساد. وقد ألقي القبض على بعض المتظاهرين، فيما تمكّن آخرون من مغادرة البلاد والإقامة في الخارج (جرت تسميتهم في أدبيات المعارضة المهجّرين..) مع صدور أحكامٍ على الجميع، تراوحت بين ثلاث وست سنوات. وتردّد أن القرارات تشمل ما عُرف بخلية العبدلي التي اتهم أفرادها بالعمل لصالح إيران وحزب الله، حيث تم القبض على أعضاء المجموعة في أغسطس/ آب 2015. (في هذه الغضون، تم الإعلان في الكويت عن القبض على شبكة جديدة تعمل على تمويل حزب الله، وتجنيد شبّانٍ للعمل مع الحزب في اليمن وسورية).
صدرت مراسيم العفو في أجواء أزمة سياسية ألقت بظلالها على البلاد، وأسهمت في تحقيق انفراجة ملموسة
وقد أثار القرار الأميري قدرا كبيرا من الارتياح لدى الأوساط السياسية والنيابية، ورأت فيه مؤشّرا على تجديد الوحدة الوطنية والوفاق الوطني، وعلى إزالة الشوائب في العلاقة بين السلطتين، التنفيذية والتشريعية. ولطالما تمت استقالة حكومات وحل مجالس نيابية على خلفية التوترات المتعاقبة بين السلطتين، بما في ذلك حكومة صباح الخالد الصباح المستقيلة. وكانت جرت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي انتخابات جديدة، فاز فيها زهاء 25 مترشّحا معارضا بمقاعد مجلس الأمة الذي يضم 50 مقعدا. وتضم المعارضة مزيجاً من قوى ليبرالية ومحافظة، مع بروز المكون القبلي في هوية النواب. ولطالما دعا هؤلاء إلى إصدار عفو ينهي قضية اقتحام مبنى مجلس الأمة قبل عشرة أعوام، وسعوا إلى تصعيد نائب آخر لرئاسة المجلس، بدلاً من مرزوق الغانم (43 عاما)، إلا أن الأخير نجح بالاستمرار في موقعه على رأس السلطة التشريعية منذ العام 2013. وقد أسهم إقرار قانون الصوت الواحد الانتخابي في العام 2012 (التصويت لمترشّح واحد) في تغيير سمة المعارضة والتكتلات النيابية، إذ تم تصعيد مستقلين على حساب الكتل السياسية، وزاد حضور ممثلي القبائل على حساب القوى المدنية (الحَضر)، إضافة إلى احتفاظ القوى الدينية بحصصها. ومن المفارقات أن السلطة التنفيذية قد وجدت نفسها أمام صنف جديد من المعارضة مع إقرار هذا القانون الانتخابي، بدلاً من المعارضة السابقة المسيسة وشبه الحزبية. وتتسم المعارضة الجديدة بسعي ممثليها إلى البروز، وتمثيل الدوائر المحافظة في المقام الأول، والإكثار من الاستجوابات للوزراء، حتى بات هذا الحق النيابي عاملاً أساسيا في توتير الأجواء مع السلطة التنفيذية، إلى جانب إسهامه في تصحيح الأداء الحكومي وتسجيل ملاحظات نيابية عن مزاعم الفساد، أو الاحتجاج على بعض القرارات الحكومية، مثل سحب الجنسيات الذي طاول 33 شخصا في الأعوام القليلة الماضية نسبة كبيرة منهم، ممن يصنفون معارضين، إضافة إلى سحب تراخيص صحيفتين وقناتين تلفزيونيتين، على أن المجلس النيابي، في دوراته المتعاقبة، لم يمنح قضية حيوية، مثل البدون جنسية وعددهم نحو مائة ألف نسمة، اهتماما كبيرا يضع حداً لمشكلة هؤلاء، ومعظمهم ممن ولدوا في الكويت جيلاً بعد جيل.. فيما لوحظ أن الشرائح الدنيا من الوافدين قد دفعت ثمن تضرّر الاقتصاد بجائحة كورونا في العام 2020، إذ غادر نحو 190 ألفاً من هؤلاء البلاد، بعد ان فقدوا وظائفهم نتيجة الإغلاقات التي فرضتها الجائحة على غالبية القطاعات، وبالذات الخدمية منها.
قرارات العفو الأميري تفتح صفحة جديدة من الوفاق في الحياة العامة، وعلى أمل أن لا تتكرّر الأزمات، وأن يُغلق قوسها
وإذ صدرت مراسيم العفو في أجواء أزمة سياسية ألقت بظلالها على البلاد، وأسهمت في تحقيق انفراجة ملموسة، فإنه مما يسترعي الانتباه أن الوضع الاقتصادي لم يكن، في الأثناء، أفضل حالاً، فقد كشفت البيانات الرسمية الصادرة عن بنك الكويت المركزي (الثلاثاء 28 سبتمبر/ أيلول) تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في الكويت إلى 4.167 مليارات دينار (13.87 مليار دولار) في الربع الأول من 2021، بانخفاض 3.16% على أساس سنوي، بسبب تداعيات كورونا والأزمة السياسية، علاوة على انخفاض أسعار النفط، الثروة الرئيسية للبلاد في العام 2020، وحتى الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري. كما كشفت وزارة المالية عن تسجيل عجز ميزانية الكويت للعام المالي 2021/2022 قفزة كبيرة بقيمة 768 مليون دينار، ليصل إلى مستوى 818 مليون دينار بنهاية أغسطس/ آب 2021. وقد اضطرّت الحكومة إلى السحب من الصندوق السيادي في الأشهر القليلة الماضية، للوفاء بدفع الرواتب الحكومية. وتثير هذه المؤشّرات التوتر في دولةٍ تلتزم بتوظيف مواطنيها في القطاع العام، وتلزم القطاع الخاص بتوظيف نسبةٍ كبيرة من المواطنين، وفي مجتمعٍ يؤمن أعضاؤه بالحق في الرفاه، وليس بتلبية الاحتياجات الأساسية فحسب. ولطالما تقدّم نواب بمطالب إعفاء المدينين من ديونهم، بما في ذلك من تلقوا قروضاً من الحكومة، أو من بنوك القطاع الخاص (بلغت نسبة هؤلاء نحو 25% من الكويتيين، من جملة عدد المواطنين البالغ مليوناً و350 ألف نسمة). وللتفاؤل العام الحالي ما يبرّره، فأسعار النفط تشهد ارتفاعا مطردا منذ منتصف العام الجاري، وقرارات العفو الأميري تفتح صفحة جديدة من الوفاق في الحياة العامة، وعلى أمل أن لا تتكرّر مثل هذه الأزمات، وأن يُغلق قوسها.