"البحث عن علا" والمحتوى الملتبس

12 فبراير 2022

هل تكفي خفة الظل لنجاح مسلسل ما؟

+ الخط -

يمكن تصنيف مسلسل "البحث عن علا" (إخراج هاني الباجوري، بطولة هند صبري، إنتاج نتفليكس) أحد المسلسلات خفيفة الظل، تمكن متابعته بسهرة واحدة من دون الإحساس بالملل أو بثقل الأحداث الذي يجعل أحدنا يقرّر التوقف ومتابعة ما تبقى في يوم آخر، ذلك لأن هند صبري نجحت في تقديم شخصية قريبة من أن تكون كوميدية، من دون الإغراق في الكوميديا، وجدّية تعاني من أثر ضغوط اجتماعية من دون دخولها في حالةٍ مأساويةٍ تنعكس على المتلقي. شخصية لايت نجح الباجوري في إدارتها، مثل ما نجح في استقبال ضيوف نجوم لحلقاته الست، منحوا المسلسل بهجةً مضافةً، خصوصا مشهد يسرى وشيرين رضا في نهاية الحلقة الأولى من المسلسل.

ولكن هل تكفي خفة الظل لنجاح مسلسل ما؟ يحيلنا هذا إلى النقاش الدائر حاليا في الرسالة التي يجب أن يتضمنها العمل الفني، كي لا يصبح مجرّد حالة ترفيهية تقدّم محتوى خفيف الظل، من دون الاهتمام كثيرا بما خلف المحتوى. مبدئيا، يمكن تصنيف "البحث عن علا" ضمن الدراما الترفيهية التي تقدّمها عادة منصّات كمنصة نتفليكس في إنتاجاتها المختلفة. ولكن، في الوقت نفسه، يقدّم المسلسل رسالة إلى النساء العربيات، كما يفترض، بالبحث عن فرصٍ جديدة في الحياة، إذا ما فشلت الفرصة الأولى، أو ربما عدم الاكتفاء بالفرصة الأولى التي غالبا ما تأتي في سن ما قبل النضوج الكامل، بينما فرص الحياة الحقيقية متاحة دائما، وعلى المرأة البحث عنها بذاتها ولذاتها، لا لأجل الزوج ولا العائلة ولا لأجل أحد. يوحي المسلسل كما لو أنه يقول للنساء: أحببن أنفسكن لأجل أنفسكن، لأنكن تستحققن ذلك. .. وهي مقولةٌ لا جدال في أهميتها وضرورتها. وقدّمها الباجوري وهند صبري بجرأة تُحسب لهما، سواء في الحوار أو في التصوير أو حتى في فكرة المسلسل ذاتها.

الغريب أن المسلسل لم يثر حفيظة حرّاس "أخلاق المجتمع العربي"، كما أثارها فيلم "أصدقاء ولا أعزّ"، على الرغم من أن في "البحث عن علا" ما هو أكثر جرأة من الفيلم من حيث خروج المرأة المطلقة عن التقاليد المجتمعية المعتادة، فهي تخرج لتسهر في الحانات وتشرب الكحول وتحاول "شقط" رجال ومعجبين في كل مكان (سوبر ماركت، حانة، حديقة .. إلخ). الاعتراض الوحيد على المسلسل الذي انتشر على وسائل التواصل كان بسبب ارتداء هند صبري (علا) بدلة رقص ليلة عيد ميلادها، حين أهدتها صديقتها المقرّبة لقاء مع الراقصة المعروفة دينا بشخصيتها الحقيقية، وهو مؤشّر مهم على أن موضوع أخلاق المجتمع تلك تتعلق أصلا بلباس المرأة، لا بسلوكها مهما كان.

على أن المضمون المقصود في المسلسل، أو الرسالة التي يريد إيصالها، مخصّص لشريحة محدّدة وقليلة في الحياة العربية، شريحة لا تحتاج أساسا للتوجيه، فهي تمتلك ما يتيح لها أن تحيا كما تريد، وتستبدل الفرص الضائعة بفرصةٍ ثانية وثالثة ورابعة من دون عوائق تذكر. وعلى الرغم من لاواقعية علاقة علا بصديقةٍ لم ترها منذ 15 عاما، ثم تحولت فجأة إلى صديقتها الوحيدة، إلا أن المثير للاهتمام أن علا، خلال بحثها عن ذاتها وعن فرص جديدة، كانت تستند دائما إلى رجلٍ ما، فطليقها هو من يسدّد فواتير معيشتها الغالية مع أولادها، بكل تسامح ومودّة، وفرصة عملها الناجحة جدا (في مجتمع يحتاج جهودا جبّارة ومحاولات متواصلة لإنجاح أية مبادرة فردية)، كانت بسبب رجلٍ آخر ظهر فجأة في حياتها، وأعجب بها وبمشروع يوجد منه الآلاف في المجتمع المصري. وهناك رجل ثالث ساعدها على استعادة ثقتها بنفسها، ووقف معها في لحظات ضعفها. ورجل رابع تولى هو مسؤولية العمل وحساباته المالية، كما لو أن موضوع الحسابات المالية لا تبرع به النساء.

في العموم، ما كانت علا لتواصل مشوارها بحثا عن مزيد من الفرص، لولا استنادها إلى رجال رائعين في حياتها، كما أن النساء المحيطات بها كلهن تقريبا يردنها مستندةً إلى رجل، ولا واحدة منهن مستقلة بالكامل نفسيا. هكذا تبدو الرسالة الواصلة للمتلقي. ولا أعرف إن كان هذا مقصودا أم أن الطرح كان فاشلا، فوصلنا إلى محتوى مضاد للمحتوى المقصود. طبعا عدا أن مشكلات النساء بعد الطلاق عموما هي أكثر تعقيدا ومأساة من طرح المسلسل غير المنسجم مطلقا مع وضع النساء العربيات. ولا يمكن في أي وراد اعتبار محتواه يختص بقضايا المرأة العربية، كما روّجه بعضهم، هو كما أسلفنا مسلسل خفيف الظل يتناسب مع طروحات منصاتٍ ترفيهيةٍ بينها وبين واقعنا العربي مسافة ضوئية كبيرة.

BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.