طفل يرتجف في ساحة الشمس

17 مايو 2015
ساحة الشمس في مدريد (Getty)
+ الخط -
حين تصلها تستقبلك بالألحان اللاتينية النابضة بالحياة، قادمة من حناجر تغني هنا وهناك مع العزف على آلاتها المميزة.

وتأخذك الرقصات الإسبانية واللاتينية إلى عوالم من فرح وتحدٍ ورغبة في الحب وفي إعادة إنتاج الحياة. لكنّ أكثر ما يدهشك هو التماثيل الضخمة، المكونة من أناس حقيقيين، يلبسون أشكالاً مختلفة من الخيش، أو من المعدن الملوّن ويقفون بوضعية ثابتة لساعات، طامعين منك ببعض السنتات، وبنظرة دهشة حين يحرك أحدهم يده أو عينيه.

أحد هذه التماثيل كان لرجل يرتدي لباس جندي، وعلى رأسه خوذة كبيرة، ويطلي جسمَه الخيش والمعدن الذي يرتديه باللون الزيتي الكامل. يحمل سلاحه ويوجهه إلى الأمام. وحين يقترب منه طفل ما ويدقق فيه يبقى التمثال صامتاً وثابتاً لفترة معينة، ولكنه يباغته بتحريك سلاحه في وجهه، كنوع من الدعابة، فيضحك الأطفال والأهل.

إلا أنّ طفلاً أسود العينين والشعر، حين رأى التمثال، أخذ يمسك ثوب والدته ويجرها كي تبتعد، وحين حاول التمثال اضحاكه وحرّك يده تجاهه، بدأ الطفل يصرخ، ثم تحوّل صراخه إلى نوبة رعب وذعر، جعلت الناس تتجمّع حوله، وجعل والدته تحاول أن تأخذه وتمضي بأي طريقة. لكنّ الرجل التمثال خلع خوذته وحاول الاقتراب من الطفل مطمئناً. حينها، ازداد صراخ الطفل بشكل هستيري، وبدأ يرتجف ليقع على الأرض شبه مغمي عليه.

لم يعرف الرجل التمثال ماذا يفعل وأخذ يسأل الأمّ التي تتكلم الإسبانية بصعوبة، عمّا حصل، لتجيبه الأم بأنه طفل سوري. تمتمت قائلة: "أنت لا تعرف ماذا يعني أن يقف جندي مع سلاحه أمام طفل سوري.. أنت لا تعرف".

سألها التمثال عمّا يمكن أن يحضره للطفل كي يهدأ، فأجابته باكية، بأن يحضر له والده، والده الذي قتله جندي هناك، في بقعة من هذا العالم، اسمها سورية، قتله أمام عينيه.
الطفل يشهق من جديد شبه مغمي عليه.

السائحون والمارون يتجمعون مندهشين. الأم تبتلع صوتها وقهرها. التمثال يجلس القرفصاء، يكسر سلاحه، ويبكي.
المساهمون