استغراب أوروبي أثارته تعديلات أجرتها صحيفة "تشاينا دايلي" الصينية، الناطقة باسم الحزب الشيوعي الحاكم، على مقالة مشتركة لسفراء دول الاتحاد والمفوضية الأوروبيين في بكين، بمناسبة مرور 45 عاماً على العلاقة الدبلوماسية بين الطرفين.
المقالة نشرتها "تشاينا دايلي" يوم الأربعاء، بنسخة ترضخ للرقابة الصينية، بإسقاط "وقائع" تتعلق بتغيير صيغة "ولكن بعد اندلاع فيروس كورونا في الصين..." إلى "ولكن مع تفشي فيروس كورونا يعني أن خططنا الموجودة مسبقاً...".
النشر في الصحيفة الصينية التي يتابعها مائتا مليون قارئ إجراء تتبعه بعض السفارات الغربية لتوضيح وجهة نظر معينة، بما فيها قضايا تتعلق بالحريات وحقوق الإنسان، لكن هذه المرة أخطرت وزارة الخارجية في بكين سفراء أوروبا وممثلي الاتحاد الأوروبي بأن مقالتهم "لن يُقبل نشرها بصيغتها الأصلية"، ما فجر هذا الاستغراب الأوروبي على المستوى الصحافي والحقوقي والسياسي، فعلى ما يبدو رضخ سفير الاتحاد الأوروبي في الصين، نيكولا شابوا، مع بقية سفراء الدول الأوروبية، لشطب ما قرره الرقيب الصيني.
الاتحاد الأوروبي دافع عن موقفه بالقول: "هذه حقيقة لا بد من الاعتراف بها: الصين تملك رقابة"، وهو دفاع أدى لمزيد من الرفض السياسي لدى دول أعضاء كالدول الإسكندنافية، وتحديداً خارجية كوبنهاغن. وأدى قبول تعديل النص الأصلي للمقالة التي نشرت بنسختها الأصلية على موقع المفوضية الأوروبية إلى استعادة سجال أوروبي تكرر خلال أقل من أسبوعين، بعد اتهامات سابقة للاتحاد الأوروبي بتخفيف حدة لهجته تجاه بكين وفيروس كورونا، رضوخاً لضغوطها.
المفوضية الأوروبية بررت أمس لوسائل إعلام أوروبية دوافع نشر المقالة، على اعتبار أنها "لشرح وجهة النظر الأوروبية". وقالت المتحدثة باسم المفوضية فيرجيني باتو هنريكسون، أمس الخميس، إن النشر في الصحيفة الصينية جاء بعد "تردد كبير"، و"كان أساس النشر أن نكون قادرين على توضيح مواقفنا من عدد من القضايا السياسية الرئيسية، بما في ذلك قضية التغير المناخي والطاقة المستدامة وحقوق الإنسان والتعددية والاستجابة العالمية (لمواجهة) فيروس كورونا".
واعتبرت المفوضية الأوروبية أن هذه القضية "مؤسفة". وأكدت هنريكسون أنه لا يمكن "الالتفاف على حقيقة أن وسائل الإعلام في الصين مسيطر عليها من قبل الدولة". وشددت هنريكسون على أن "ممثلي أوروبا يعملون تحت تلك الظروف التي تشمل الرقابة، وتلك حقيقة واضحة تفرضها سلطات بكين".
ورفضت الناطقة باسم المفوضية الاتهامات بـ "النفاق" التي وجهت لها في صحيفة اسكندنافية وأوروبية، وخصوصاً لجهة قول الاتحاد الأوروبي إنه يعمل على تعزيز ونشر حرية التعبير والصحافة في جميع أنحاء العالم وفي الوقت نفسه يساعد مقص الرقابة ويمنحه شرعية. وقالت في السياق: "وزعنا النص الأصلي على الصحافة ووسائل الإعلام الصينية، وبعضها نشر النص الأصلي كما هو". لكن بعض الصحف الأوروبية تشير إلى أن تلك الوسائل هي المعارضة لحكم الحزب الشيوعي وخارج البر الصيني.
وكانت الانتقادات في الصحافة الأوروبية طاولت الاتحاد الأوروبي بقسوة هذه المرة، لأنها "المرة الثانية خلال أسابيع قليلة يرضخ الاتحاد لضغوط بكين، لتخفيف اللغة المستخدمة حول فيروس كورونا"، كما ذهبت يومية "سود دويتشه سايتونغ" الألمانية.
وأعلمت الخارجية الدنماركية وسائل الإعلام المحلية في كوبنهاغن أن السفير الدنماركي لدى بكين "لم يكن جزءاً من قبول نشر مقالة معدلة".
ومن الواضح أن السلطات الصينية تحاول منذ أسابيع تشكيل رواية حول أزمة كورونا التي بدأت في ووهان نهاية عام 2019، لحرف الأنظار، بحسب القراءات الصحافية والسياسة الأوروبية، عن تلك الحقيقة. ويعيد التصرف الصيني إلى الأذهان اتهامات بالتراخي الأوروبي مع الضغوط الصينية التي اعترف بوجودها ممثل السياسات الخارجية فيه جوزيف بوريل الذي رفض الاتهامات بأنه رضخ لتلك الضغوط، بيد أنه اعترف بأن "الصينيين عبروا عن قلقهم من اللهجة الأوروبية".
وتأتي تلك السجالات وسط تكهنات أوروبية عن محاولات أميركية وغربية بالعموم للحشد وللتركيز على دور السلطات الصينية في انتشار فيروس كورونا "وصمتها عنه لوقت طويل"، إلى جانب انتقادات تطاول في بعض وسائل الإعلام "منظمة الصحة العالمية".