نشرت حملة المرشحة للانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي الأميركي، إليزابيث وارن، خبراً كاذباً عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، في محاولة منها للفت الانتباه حول سياسيات الموقع الأزرق المتسامحة مع التضليل. وتأتي الخطوة وسط جدل واسع حول الإعلانات السياسية في مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها "فيسبوك"، والذي يمنع الشتائم لكنه لا يمنع الكذب.
ونشرت حملة وارن إعلاناً يوم السبت يقول "خبر عاجل: مارك زوكربيرغ و"فيسبوك" يؤيدان فقط دونالد ترامب لإعادة انتخابه".
ويصحّح الإعلان نفسه على الفور، لكنه يلفت الانتباه إلى هذه المشكلة. وعلّقت عليه وارن بالقول إن "ما فعله زوكربيرغ هو إعطاء ترامب حرية الكذب على منصته، ثم دفع مبالغ كبيرة إلى "فيسبوك" لإيصال أكاذيبهم إلى الناخبين الأميركيين".
Twitter Post
|
منشور وارن ليس الخطوة الأولى للفت الانتباه إلى الكذب في الإعلانات السياسية في مواقع التواصل. راسل المرشح الديمقراطي، جو بايدن، موقع "فيسبوك" طالباً رفض أو حذف إعلانات من حملة إعادة انتخاب الرئيس دونالد ترامب التي لا تدعم الأدلة صحتها.
وأشارت الرسالة إلى إعلان صادر عن حملة ترامب يحتوي على ادعاءات غير مثبَتة بالأدلة على أن نائب الرئيس السابق "عرض على أوكرانيا مليار دولار لإقالة المدعي العام الذي يحقق مع شركة تابعة لابنه".
وكتبت حملة بايدن "لقد ثبت أن الادعاء بوجود دافع فاسد كان زائفاً تماماً"، لكن "فيسبوك" رفضت حذف الإعلان.
مع "فيسبوك"... اكذب كما تشاء فقط لا تشتم
في الأيام الثلاثة التي تلت الإعلان عن الشروع في سحب الثقة، أنفقت حملة ترامب مليون دولار على إعلانات "فيسبوك"، شمل الكثير منها مزاعم خاطئة أو مضللة، حتى إن أحد إعلانات ترامب أشار إلى "جو بايدن" بلفظ بذيء، وهو ما انتهك سياسات الإعلان الخاصة بـ"فيسبوك" ضد الألفاظ النابية، وتم حذفه بعد المراجعة وفقاً لما نقله موقع "بيزنس إنسايدر" عن مصدر لم يسمه.
بعد ذلك، قامت حملة ترامب بمراجعة الإعلان وتحديثه ليشمل ادعاءات ضد بايدن، لكن تم قبولها هذه المرة لأن الإعلانات السياسية لا تمثل للتحقق من طرف ثالث بحسب قوانين "فيسبوك".
وفي سياسة المعلومات الخاطئة الخاصة بالإعلانات، يقول "فيسبوك" إنه "يحظر الإعلانات التي تتضمن مزاعم كشفها مدققو حقائق خارجيون".
وأوضح متحدث باسم "فيسبوك "أن إعلانات السياسيين غير مؤهلة للمراجعة والتحقق من صحتها من جهة خارجية.
وأعلن نائب رئيس الشؤون العالمية والاتصالات في "فيسبوك"، نيك كليغ، أنه "لا نعتقد أنه من المناسب لنا أن نحكم في المناقشات السياسية ونمنع خطاب السياسي من الوصول إلى جمهوره ويخضع للنقاش العام والتدقيق. ولهذا السبب يعفي "فيسبوك" السياسيين من برنامج التحقق من الحقائق من جهة خارجية. لقد طبقنا هذه السياسة منذ أكثر من عام الآن، وتم نشرها علناً على موقعنا، وهذا يعني أننا لن نرسل محتوى أو إعلانات من السياسيين إلى شركائنا في التحقق من الحقائق".
ويعني هذا باختصار أن الإعلانات ممنوعة من استخدام العبارات النابية، لكن لا مانع من أن تتضمن كذباً وأخباراً مزيفة ومعلومة مضللة.
هل يحق لـ"فيسبوك" أصلاً وقف كذب السياسيين؟
في عمودها "ذا كونفرسيشن" في موقع "ذا فيردج" التقني، ترى كيسي نيوتن أن قرار "فيسبوك" بعدم التدخل في الخطاب السياسي معقول. وتبرر ذلك بأنه ما دام لا أحد يريد من الحكومات التحكم في الخطاب السياسي، فيجب أن ينطبق ذلك على دولة 2.1 مليار مستخدم يومي في "فيسبوك".
وتوضح أن التضليل مشكلة كبيرة ومثيرة للقلق، وقد يبدو تجاهل "فيسبوك" التدخل في الموضوع من باب الجبن، لكنها ترى أن من التناقض أن يخاف المعارضون من تأثير "فيسبوك" ثم يُسمح له بفرض الرقابة على المحتوى السياسي.
وبحسبها تتمثل طريقة "فيسبوك" في معالجة هذه المشكلة في جعل الإعلانات السياسية علنية بحيث يمكن للباحثين والصحافيين والمواطنين الفضوليين التحقيق في محتوى تلك الإعلانات بأنفسهم، ثم فتح نقاش حولها: "إنه ليس حلاً مثالياً، لكنه حل ديمقراطي".
المال قبل كل شيء؟
في المجموع، أنفقت حملة ترامب أكثر من 1.6 مليون دولار على إعلانات "فيسبوك" من 25 سبتمبر/ أيلول إلى 1 أكتوبر/ تشرين الأول، وفقاً لمكتبة الإعلانات على "فيسبوك". في المقابل أنفقت إليزابيث وارين 285 ألف دولار، وأنفق جو بايدن 122 ألف دولار في نفس الفترة.
وبحسب موقع "تيك كرانتش" التقني، فإن "فيسبوك" يمكنه أن يأخذ مشاكل التضليل على محمل الجد لكنه يتقاضى المال مقابل نشرها، وإيصالها إلى المستهدفين بالضبط، وتحدد الخوارزميات إلى أين تذهب هذه الرسائل استناداً إلى إعدادات حددتها الحملات.
والإعلان السياسي ليس شيئاً جديداً، إذ حملت القنوات التلفزيونية والصحف إعلانات هجوم فوضوي واستحوذت على عائدات الإعلانات لعقود من الزمن، لكن الإعلانات السياسية في الصحف والإعلانات التلفزيونية تخضع لقوانين أكثر صرامة.
وهناك مسؤولية في الاستهداف الدقيق للإعلانات على موقع "فيسبوك"، والتي لا تزال الشركة لا تحترمها. وتمتلك الشركة الأدوات اللازمة للتحكم أكثر في المحتوى ويمكنها القيام بذلك على أساس كل حالة على حدة، يرى الموقع.
و"فيسبوك" عبارة عن منصة مصممة على نطاق واسع، يقول الموقع. واستفادت الشركة من تدفقات ضخمة من الإرادات، وفي نفس الوقت وجدت نفسها أمام الكثير من الانتقادات التي دفعت إلى فرض المزيد من القواعد والمقاييس استجابةً للضغوط الخارجية، لكنها كانت دائم تتعثر عندما يكون ذلك مربحاً لها، بحسب ما يرى الموقع.
ماذا عن بقية المنصات الأخرى؟
بعد "فيسبوك"، طلبت حملة جو بايدن الرئاسية من موقع التدوين المصغر "تويتر" رفض إعلان بالفيديو من حملة ترامب يتحدث عن الاتهامات بالفساد في أوكرانيا خلال إدارة أوباما.
وفي الرسالة التي نشرتها "سي إن إن"، تطلب حملة بايدن من "تويتر" رفض الإعلان في حال وضعته الحملة مرة أخرى. وبالرغم من اعتراف الرسالة بأن الفيديو لا يخالف سياسة "تويتر" فإنها طلبت منه "إعادة تقييم" هذا الموقف على الفور.
وبحسب "تيك كرانتش"، تستغرق تشريعات الإعلان السياسي وقتاً طويلاً للغاية للحاق بالمشهد الحالي لمنصات التكنولوجيا، و"سيكون من الجيد لو تمكنا من الوثوق بـ"فيسبوك" للبقاء في طليعة أخلاقية غير مُلزمة قانونياً"، ويتابع أنه "ليس "تويتر" و"يوتيوب" محصنين ضد هذا النقد نفسه الذي يستهدف "فيسبوك".