في السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2019 ادعى نداف أرجمان، رئيس استخبارات الاحتلال الداخلية (الشاباك) إحباط 450 عملية مقاومة فلسطينية خلال العام الماضي، متحدثاً عن "دور التكنولوجيا في ذلك".
ويضم هذا الرقم الكبير المجموعات والأفراد المقاومين ممن خططوا لعمليات بعد تواصل وهمي كان في حقيقته مع عناصر من المخابرات الإسرائيلية، كما يوضح خبير الشؤون الاستراتيجية والأمنية هشام المغاري، والمتخصص في أمن المعلومات سائد حسونة والذي يؤكد أن التكنولوجيا بالنسبة لمخابرات الاحتلال ليست أداة للمراقبة فقط، بل كذلك مساحة لبناء الخلايا الوهمية، والتي يستفيد منها الاحتلال في أغراض عديدة، منها الترويج لإنجازاته الأمنية بالإضافة إلى استعمالها في الخطاب الداخلي لطمأنة الجمهور الإسرائيلي.
وتقرر المخابرات التواصل مع شخص ما بعد أن تدرس وتحلل منشوراته والتي قد تقودها لبناء صورة أولية حول طبيعة تفاعله مع القضايا السياسية، ثم تقوم بدراسة محيطه الحقيقي والافتراضي من خلال ما يعرف بتقنيات الهندسة الاجتماعية، كما أضاف حسونة.
الذئاب المرشحة
تعد محاولة الكشف عما تسميهم مخابرات الاحتلال بالذئاب المرشحة (المقاومون المحتملون) وجمع المعلومات من خلال أفراد هذه الخلايا، أبرز أهداف الخلايا الوهمية كما يوضح الخبير الأمني المغاري والذي تابع: "إلى جانب ذلك ضرب الثقة بكل أنواع التواصل، وبالتالي يصبح أي تواصل محل شك حتى لو كان فعلاً من طرف المقاومة"، وهو ما يبدو في حالة الشاب علي، والذي تلقى طلب صداقة عبر فيسبوك من حساب يبدو أنه داعم للمقاومة، ثم تلقى طلباً بالمراسلة من ذات الحساب، وبعد دقائق طلب منه صاحب الحساب التواصل من خلال تطبيق الواتساب بحجة أنه يريد التواصل معه بأمر مهم لا يمكن الحديث بخصوصه عبر فيسبوك، موحياً له أن الأمر يتعلق بأمور أمنية ذات علاقة بالمقاومة الفلسطينية.
اطلع معد التحقيق على نص المحادثة، والتي جاءت من طرف عرف نفسه بأنه من غزة، متحدثاً عن طلب التواصل بخصوص: "الهم المشترك ودماء الأطفال".
ولا يتوقف الأمر عند حدود المراسلات عبر تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي كما في حالة علي بل قد يصل إلى حد لقاء ضباط مخابرات أو عملاء تقمصوا دور عناصر في المقاومة الفلسطينية كما جرى مع العشريني ثائر (تم إخفاء اسمه الكامل لحماية أمنه الشخصي)، والذي روى لـ"العربي الجديد" أنه التقى في مايو/ أيار 2018 بشخصين في العاصمة الأردنية بناء على تنسيق مع "صديق فيسبوكي" من الجزائر كان قد تعرف إليه قبل ذلك بعام تقريباً. وخلال اللقاء اقترحا عليه إقامة بنية تحتية للمقاومة في رام الله، وسلماه مبلغ 1500 دولار كدفعة أولية للبدء بالعمل.
ويضيف: "بعد عودتي إلى رام الله، تواصل الشابان معي من خلال تطبيق الواتساب، وطلبا مني التواصل مع أرقام معينة، معرفين عن أصحابها بأنهم من قادة المقاومة في قطاع غزة".
ويشير إلى أنه بعد تواصله مع تلك الأرقام أكدوا له أن شاباً آخر سيلتقي به لبناء المجموعة العسكرية وسيتم تسليمهما أموالاً وأسلحة في أحد مخيمات رام الله، لتفاجأ بأنهم كانوا يتحدثون عن صديقه سامر (تم تغيير اسمه لحماية أمنه الشخصي).
توجهنا إلى سامر، والذي كشف بدوره أنه تلقى رسالة على هاتفه الخليوي فيها أرقام للتواصل وتأكيد على ضرورة التواصل مع هذه الأرقام عبر تطبيق واتساب لأنها تعود إلى قادة في المقاومة. مضيفًا: "بعد التواصل مع أصحاب هذه الأرقام أبلغوني بضرورة اللقاء مع ثائر".
وأوضح سامر أنه أُبلغ وصديقه بضرورة التواصل مع مجموعة الأسرى المحررين تم اقتراح أسمائهم مسبقاً لاستشارتهم في تشكيل خلية عسكرية، وطلب منهما إبلاغ أصحاب الأرقام بردود كل أسير على حدة. وتابع قائلاً: "بعد تواصلنا مع مجموعة من الأسرى المحررين حذرونا من أن نكون ضحية تواصل وهمي ومن هنا بدأنا بالشك في حقيقة من يتواصل معنا، وعندما رفضنا القيام بما يطلب منا قاموا بالاتصال بنا وهددونا وكشفوا عن حقيقتهم بأنهم من المخابرات الإسرائيلية، إذ تم اعتقالنا بعد التهديد بساعات"، محذراً من أنه قد تخترق بعض حسابات لشخصيات معروفة على مواقع التواصل الاجتماعي وترسل منها رسائل من شأنها طمأنة أفراد الخلية الوهمية بأنهم يعملون لصالح المقاومة، مؤكداً أن هذا حدث في حالته.
ويحلل الخبير الأمني المغاري الحالتين السابقتين، قائلاً إن أحد أهداف الخلية الوهمية هو جمع المعلومات عن توجهات بعض الأشخاص ونواياهم للعمل ضد الاحتلال وخاصة الأسرى المحررين، وكذلك تفاصيل بعض الأماكن، وهذا يتحقق من خلال إقناع أفراد الخلية الوهمية بأنهم يجمعون معلومات لصالح المقاومة.
ما قبل مواقع التواصل
في 14 ديسمبر/ كانون الأول من عام 2012، أعلنت مجموعة مكونة من ثمانية ملثمين عبر مقطع فيديو بث على شبكة الإنترنت، عن تشكيل ما سمي بـ"كتائب الوحدة الوطنية وبدء الانتفاضة الثالثة من مدينة الخليل في الضفة الغربية"، وقتها لاقى الإعلان اهتمام الإعلامين الفلسطيني والإسرائيلي، وعلق قائد في جيش الاحتلال في منطقة الضفة الغربية في مقابلة مع صحيفة يديعوت بأن الهدوء في الضفة الغربية خادع. في المقابل نفى القيادي في حركة حماس مشير المصري في تصريح صحافي بتاريخ 16 ديسمبر/ كانون الأول 2012 وجود معلومات دقيقة لدى حركته عن "الكتائب" التي ادعى بعض أفرادها أنهم ينتمون لها واعتمروا عصبات رأس تدلل على ذلك.
اليوم، بعد سبع سنوات على تشكيل المجموعة، يكشف أحد عناصرها لـ"العربي الجديد" أن المجموعة كانت عبارة عن خلية وهمية تدار من قبل مخابرات الاحتلال قائلاً: "كنا فتية تتراوح أعمارنا بين 16 عاماً و17 عاماً من نفس الحي وكنا دائماً ما نشارك في المواجهات مع قوات الاحتلال، وقد يكون هذا سر اختيارنا، خاصة وأن هذا الشخص من الحي نفسه، توجه إلينا شخص وأبلغنا بأنه على تواصل مع فصائل المقاومة وأنها أوكلت له مهمة تشكيل خلية عسكرية وحدوية، على أن يتم توفير المال والسلاح لاحقاً.. وبعد موافقتنا على الفكرة، أحضر بالفعل أسلحة وأموالاً، وبدأنا بالتخطيط لعمليات ضد أهداف إسرائيلية، إلا أنه تم اعتقالنا من قبل السلطة الفلسطينية وتحديداً جهاز الأمن الوقائي بعد أقل من أسبوعين من نشرنا لمقطع الفيديو".
وتابع العنصر السابق حديثه: "بعد شهر تقريباً أفرجت عنا السلطة الفلسطينية وتم اعتقالنا من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، وخلال وجودنا في السجن حيث قضينا فترات اعتقال تتراوح بين عام وعامين، تواصلنا مع قنوات رسمية في فصائل المقاومة ونفوا صلتهم بهذا الشخص لنتأكد أننا كنا ضحية خلية وهمية".
وعن البيان الذي قاموا بتلاوته في مقطع الفيديو، قال إن "كل شيء أملي علينا حتى لون عصبات الرأس".
وهنا علّق الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية هشام المغاري قائلاً إن: "مخابرات الاحتلال قد تذهب في بعض الأحيان إلى ما هو أبعد من تشكيل الخلية، وحتى إلى تنفيذ عمليات تفجير بشكل مدروس بحيث لا تؤدي هذه العمليات إلى أي ضرر للاحتلال، وهذا بهدف زرع الثقة لدى أفراد المجموعة بالشخص الذي يقومون بالتواصل معه، وفي مرحلة لاحقة يطلب منهم مهام خطيرة ويقومون بها على أساس من الثقة".
عودة الخلايا الوهمية إلى غزة
يختلف أسلوب المخابرات الإسرائيلية في بناء كمائن الخلايا الوهمية باختلاف البيئات، إذ انتهت ظاهرة الخلايا الوهمية بشكلها التقليدي في قطاع غزة في عام 2001 بسبب مركزية العمل المقاوم، لكنها عادت مؤخراً للقطاع بطبيعة أخرى، وفقاً للخبير الأمني المغاري، والذي لفت إلى مخابرات الاحتلال بدأت مؤخراً بتجنيد خلايا في القطاع من خلال إيهامهم بأنهم يتواصلون مع تنظيمات متشددة. مشيراً إلى أن قاتل الشهيد مازن الفقهاء تم إيهامه في البداية بأنه يتواصل مع رجل دين.
ويضيف أن التنظيمات المتشددة تدير حالتها التنظيمية من خلال العالم الافتراضي والحسابات الوهمية، وهذه الظاهرة دفعت المخابرات الإسرائيلية لاستغلالها من خلال حسابات وهمية تابعة لها، وهو ما يطابق ما ذكره مصدر أمني من المقاومة والذي قال لـ"العربي الجديد" إن مفتاح الثقة في هذه الحالة هو البدء بنقاشات فكرية وفقهية ثم يتطور الأمر إلى النقاش السياسي والأمني في مراحل لاحقة وصولا في بعض الأحيان للإسقاط وتنفيذ مهام مباشرة لصالح الاحتلال الإسرائيلي.
لكن خبير أمن المعلومات حسونة يرى أن هناك طرقاً أخرى لكسب الثقة من خلال استخدام بعض المزايا الموجودة في وسائل التواصل الاجتماعي، فبعض الحسابات قد تقوم بنشاطات للإيحاء بأن الحساب حقيقي كاستخدام خاصية البث المباشر. موضحاً أنه: "كان هناك حساب لفتاة تدعي أنها مقدسية وقامت بفتح بث مباشر من باحات المسجد الأقصى أكثر من مرة لتوهم متابعيها بأنها من المدافعين عن المقدسات، ليتبين في النهاية أن الحساب يدار من قبل المخابرات الإسرائيلية ومهمته تتلخص في الإسقاط وجمع المعلومات".
ويلتقي حسونة والمغاري على ضرورة التأكيد المستمر من خلال الإعلام الفلسطيني والعربي أن مواقع وسائل التواصل الاجتماعي ليست مكاناً آمناً في ما يتعلق بقضايا المقاومة بالإضافة إلى ضرورة صياغة خطاب إعلامي وطني يحذر من هذه المسألة ويعرض قصصاً ومواضيع ذات صلة بها.