يُبدي السفير الأميركي الأسبق لدى إثيوبيا، الخبير في شؤون القرن الأفريقي دافيد شين، مخاوفه من تفكك إثيوبيا بسبب تصاعد الصراعات العرقية التي تزايدت وتيرتها في العامين الأخيرين، على خلفية صراع سياسي يتخذ طابعًا إثنيًا، ظهر إلى العلن بعد وصول عرقية "الأورمو" (يشكلون 34.49% من السكان) إلى سدة الحكم بقيادة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.
ويجد نظام أحمد الذي وصل إلى الحكم في إبريل/ نيسان 2018، مقاومة من قومية "التيغراي"، التي تمثل 6% من السكان الذين يقطنون وسط وشمال إثيوبيا، وفق إفادة شين، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إن قومية "الأمهرا"، (الحكام التاريخيون للبلاد) تعارض أحمد بشدة أيضا، الأمر الذي يجعل الحالة في إثيوبيا تبعث على القلق وتُظهر بعض علامات البلقنة، متوقعا استمرار اندلاع الصراعات العرقية التي تتنقل من جزء إلى آخر من إثيوبيا.
اقــرأ أيضاً
مخاطر البلقنة
يرى 82% من الإثيوبيين أن خطر التطرف الإثني في بلادهم كبير، وفق ما جاء في نتائج استطلاع تضمنته "ورقة السياسات" التي أعدها في يوليو/ تموز 2019 البروفيسور يوناس أديي أديتو، الأستاذ المساعد للأمن الدولي وبناء السلام بمعهد الدراسات الأمنية في جامعة أديس أبابا.
واعتبر 44% من المستطلعة آراؤهم أن خطر التطرف الإثني مرتفع، بينما قالت نسبة 38% إنه مرتفع جدا، وتوصلت دراسة أديتو إلى أن التطرف العرقي يشكل التهديد الوجودي الأساسي للدولة الإثيوبية في الوقت الراهن.
لكن ويليام دافيسون، كبير محللي الشؤون الإثيوبية لدى "مجموعة الأزمات الدولية"، لا يتفق مع المخاوف من تفكك إثيوبيا، قائلا لـ"العربي الجديد": "لا أوافق على أن إثيوبيا على حافة الانهيار، لكن الخلافات السياسية تتضمن بالفعل احتمالات نشوب صراع خطير". وتابع: "من المنطقي أيضًا ملاحظة المقارنة بين تفكك الاتحادات الأخرى متعددة القوميات، مثل يوغسلافيا والاتحاد السوفييتي، والتي كانت تسيطر عليها أحزاب سياسية قوية".
خطر تزايد الأقاليم
"الخطر الأكبر يتمثل في تزايد عدد الأقاليم الإثيوبية، التي يبلغ عددها حاليا 9 أقاليم"، بحسب تأكيد باحث إثيوبي وخبير في القانون الدستوري يعمل مستشارا لدى الاتحاد الأفريقي (رفض ذكر اسمه لكونه غير مخول بالحديث للإعلام دون الحصول على إذن من مؤسسته).
وستواجه إثيوبيا مصير الاتحاد السوفييتي السابق أو يوغسلافيا السابقة اللذين تفككا بسبب الصراعات العرقية، وجنوح القوميات نحو تقرير المصير والاستقلال، أو التطهير العرقي كرواندا، في حال التلاعب بنظام "الفيدرالية الإثنية" القائم والذي تراه القوميات من غير الأمهرا والتيغراي (أي قوميات الحبشة في شمالي البلاد)، بمثابة حق تقرير مصير لها، كونه يتيح لها الحكم الذاتي والهوية القومية في إطار تعددي، بخلاف سياسة "الأمهرا" التي قامت على الغزو والضم القسري وفرض اللغة الأمهرية، بحسب تأكيد البروفيسور أصافا جالاطا، أستاذ علم الاجتماع والدراسات الدولية والأفريقية بقسم علم الاجتماع في جامعة تينيسي الأميركية، محذرا في إفادته لـ"العربي الجديد"، من أن أي محاولة للمساس بـ"نظام الفيدرالية الإثنية" يعني وقوع إثيوبيا في هذا المصير.
كيف تم وضع نظام الحكم الحالي؟
تضم إثيوبيا 90 مجموعة عرقية متمايزة، و80 لغة، بحسب إحصائيات مجموعة حقوق الأقليات العالمية، المنشورة ضمن "الدليل العالمي للأقليات والشعوب الأصلية"، الذي نشرته "المفوضية السامية لشؤون اللاجئين"، بتاريخ يناير/ كانون الثاني 2018.
وقاد هذا التمايز إلى الصراع العرقي، حتى سقوط نظام منغستو هيلا مريام في عام 1991، بعد تمرد طويل ضد حكومته، وبوصول الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا (ائتلاف يضم 4 كيانات عرقية، هي المنظمة الديمقراطية لشعوب أورومو، الحركة الديمقراطية لشعب الأمهرا، الحركة الديمقراطية لشعوب وقوميات جنوب إثيوبيا، وجبهة تحرير شعب تيغراي) إلى الحكم، طبق نظام جديد للحكم في إثيوبيا عُرف بـ"الفيدرالية الإثنية"، أعقبه وضع الدستور الإثيوبي في العام 1994، وقسم الدستور إثيوبيا إلى 9 ولايات عرقية ولغوية ومدينتين فيدراليتين، بهدف منع تكرار تجارب الأنظمة التي مارست القمع والاضطهاد بحق قوميات وشعوب البلاد، بحسب السفير شين، الذي يتابع: "قال لي رئيس الوزراء السابق ميلس زيناوي ذات مرة: جربنا كل أشكال الحكم الأخرى تقريبًا، حان الوقت لتجربة الفيدرالية الإثنية".
ورغم الانتقادات التي توجه لنظام "الفيدرالية الإثنية"، بالتسبب في تفاقم الصراعات العرقية وفق ما جاء في بيان قومية الأمهرا الذي وقعته 145 شخصية بارزة منها، في 19 يوليو/ تموز الماضي، وحذر فيه من وقوع تطهير عرقي و"بلقنة" إثيوبيا بسبب النظام الفيدرالي، إلا أن جالاطا يدافع بشدة عن هذا النظام، قائلا: "الأمهرا، هي القوى الرئيسية التي تعمل بقوة على إحداث ضوضاء ودعاية ضد مبادئ نظام الفيدرالية الإثنية في إثيوبيا، لأنهم يحاولون استعادة إثيوبيا الوحدوية السابقة"، في إشارة لسياسات الإدماج القسري و"أمهرة" الشعوب الأخرى، من خلال فرض اللغة والتقاليد الأمهرية والتي ترفضها القوميات الأخرى، وتعتبر نظام (الفيدرالية الإثنية) تحريرا لها، مشيرا إلى أن نخبة الأمهرا غاضبون جدًا من ظهور الأورومو، التي تعد تقريبًا نصف الإمبراطورية الإثيوبية، كقوة سياسية رئيسية، وجعل إقليمهم (أوروميا) مركزًا للثقافة والسياسة والاقتصاد الإثيوبي، كما يقول.
ويرد البروفيسور الإثيوبي قيرما برهانو، الأستاذ بجامعة غوتنبيرغ السويدية، ملخصا وجهة نظر شعب الأمهرا، لـ"العربي الجديد": "يمكن للنظام الفيدرالي أن يفاقم الانقسامات العرقية التي كانت موجودة في بلد مثل إثيوبيا، وعلى المدى الطويل سيزعزع التوازن الهش بين المجموعات العرقية المختلفة، مثل التيغراي والأورومو والأمهرا"، مضيفا أن النظام الفيدرالي يمكنه إبراز الصراع العرقي إلى السطح، وقد يؤدي حتى إلى انفصال كيان واحد أو أكثر وإلى تفكك الدولة الفيدرالية أيضا.
خروج الصراع العرقي إلى العلن
خلال الأشهر الاثني عشر الماضية، قتل ألف شخص في الاشتباكات العرقية التي اندلعت في إقليمي أوروميا، وأمهرا (لديه نزاعات على الحدود مع اثنين من الأقاليم المجاورة له)، وإقليم تيغراي، الذي يعادي بعض سكانه الحكومة الفيدرالية، واحتلت إثيوبيا المرتبة الأولى عالميا بالنسبة للتشرد الداخلي والنزوح في عام 2018، إذ بلغ عدد النازحين 2.23 مليون نسمة، مقارنة مع إحصائيات عام 2017 التي سجلت نزوح 1.4 مليون نسمة، بحسب إحصائيات التقرير العالمي لمراقبة النزوح الداخلي لعام 2019، الصادر عن المجلس النرويجي للاجئين.
وظهر الصراع العرقي إلى العلن عقب تنفيذ آبي أحمد لإصلاحات سياسية، شملت إطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين وعودة المنفيين منهم، بجانب إتاحة حرية الرأي والتعبير، الأمر الذي ساعد على بروز التوترات العرقية، وفق ما يراه ويليام دافيسون، قائلا: "التحرر السياسي مع عودة الجماعات والمعارضين من الخارج إلى الساحة السياسية الداخلية، بعد تعرضهم للسجن والنفي أو الحظر، لعب دورًا في ظهور التوترات إلى العلن".
واحتفظت الحكومات الاستبدادية التي سبقت رئيس الوزراء الحالي بسيطرتها الصارمة على الوضع الأمني ومنعت حدوث الانقسامات العرقية بالقوة، بحسب دافيد شين، الذي قال: "سمح حكم آبي، الأكثر ديمقراطية، لهذه الانقسامات بأن تصبح أكثر علانية"، مضيفا أنها "قد تؤدي في بعض الحالات إلى الصراع العرقي".
وتسببت معارضة قوميتي "التيغراي" و"الأمهرا"، لرئيس الوزراء أبي أحمد في تصاعد حدة الصراعات العرقية في أقاليم أورميا، بني شنقول، قمز، قامبيلا، وإقليم شعوب وقوميات جنوب إثيوبيا، إلى جانب حرب الكلمات والخطاب العدائي بين قادة إقليمي أمهرا وتيغراي، في ظل التوترات التاريخية التي كانت تحت السطح، بسبب وحشية النظام السابق. وبحسب مستشار الاتحاد الأفريقي، فإن "البلاد تواجه تحديات كبيرة، نتيجة الانفتاح النسبي للفضاء السياسي وضعف الجهاز الأمني".
وعلى الرغم من محاولة آبي تحقيق توازن صعب، إلا أن أكبر تحد له هو في الواقع من متطرفين من قوميته (الأورومو)، الذين يعتبرونه بطيئًا في النهوض بقضاياهم التاريخية، وفق المصدر ذاته، لكن أصافا جالاطا يرى أن القول "إن نظام الفيدرالية الإثنية في إثيوبيا يتعرض لضغط هائل هي فكرة مراوغة، أو مضللة، لأن المجموعة العرقية القومية الوحيدة التي تكافح لتقويضها هي الأمهرا التي ترغب في استعادة هيمنتها الاقتصادية والسياسية وأيديولوجيتها"، متابعا: "إضفاء الطابع الديمقراطي على الفيدرالية الإثنية وتوطيدها، وتعزيز دولة فيدرالية ديمقراطية متعددة الجنسيات أفضل السيناريوهات لتعزيز السلام والتنمية المستدامة لجميع الشعوب في إثيوبيا"، مضيفا أن أسوأ سيناريو هو تقويض الفيدرالية والديمقراطية من أجل مواصلة الاستبداد السياسي والتسلسل الهرمي العرقي القومي، وهو ما يتفق معه دافيسون قائلا "طالما بقيت الحكومة الفيدرالية قوية بما يكفي، مقارنة بالأقاليم، فيجب أن تكون قادرة على الاحتفاظ بالبلد".
ويجد نظام أحمد الذي وصل إلى الحكم في إبريل/ نيسان 2018، مقاومة من قومية "التيغراي"، التي تمثل 6% من السكان الذين يقطنون وسط وشمال إثيوبيا، وفق إفادة شين، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إن قومية "الأمهرا"، (الحكام التاريخيون للبلاد) تعارض أحمد بشدة أيضا، الأمر الذي يجعل الحالة في إثيوبيا تبعث على القلق وتُظهر بعض علامات البلقنة، متوقعا استمرار اندلاع الصراعات العرقية التي تتنقل من جزء إلى آخر من إثيوبيا.
مخاطر البلقنة
يرى 82% من الإثيوبيين أن خطر التطرف الإثني في بلادهم كبير، وفق ما جاء في نتائج استطلاع تضمنته "ورقة السياسات" التي أعدها في يوليو/ تموز 2019 البروفيسور يوناس أديي أديتو، الأستاذ المساعد للأمن الدولي وبناء السلام بمعهد الدراسات الأمنية في جامعة أديس أبابا.
واعتبر 44% من المستطلعة آراؤهم أن خطر التطرف الإثني مرتفع، بينما قالت نسبة 38% إنه مرتفع جدا، وتوصلت دراسة أديتو إلى أن التطرف العرقي يشكل التهديد الوجودي الأساسي للدولة الإثيوبية في الوقت الراهن.
لكن ويليام دافيسون، كبير محللي الشؤون الإثيوبية لدى "مجموعة الأزمات الدولية"، لا يتفق مع المخاوف من تفكك إثيوبيا، قائلا لـ"العربي الجديد": "لا أوافق على أن إثيوبيا على حافة الانهيار، لكن الخلافات السياسية تتضمن بالفعل احتمالات نشوب صراع خطير". وتابع: "من المنطقي أيضًا ملاحظة المقارنة بين تفكك الاتحادات الأخرى متعددة القوميات، مثل يوغسلافيا والاتحاد السوفييتي، والتي كانت تسيطر عليها أحزاب سياسية قوية".
خطر تزايد الأقاليم
"الخطر الأكبر يتمثل في تزايد عدد الأقاليم الإثيوبية، التي يبلغ عددها حاليا 9 أقاليم"، بحسب تأكيد باحث إثيوبي وخبير في القانون الدستوري يعمل مستشارا لدى الاتحاد الأفريقي (رفض ذكر اسمه لكونه غير مخول بالحديث للإعلام دون الحصول على إذن من مؤسسته).
وستواجه إثيوبيا مصير الاتحاد السوفييتي السابق أو يوغسلافيا السابقة اللذين تفككا بسبب الصراعات العرقية، وجنوح القوميات نحو تقرير المصير والاستقلال، أو التطهير العرقي كرواندا، في حال التلاعب بنظام "الفيدرالية الإثنية" القائم والذي تراه القوميات من غير الأمهرا والتيغراي (أي قوميات الحبشة في شمالي البلاد)، بمثابة حق تقرير مصير لها، كونه يتيح لها الحكم الذاتي والهوية القومية في إطار تعددي، بخلاف سياسة "الأمهرا" التي قامت على الغزو والضم القسري وفرض اللغة الأمهرية، بحسب تأكيد البروفيسور أصافا جالاطا، أستاذ علم الاجتماع والدراسات الدولية والأفريقية بقسم علم الاجتماع في جامعة تينيسي الأميركية، محذرا في إفادته لـ"العربي الجديد"، من أن أي محاولة للمساس بـ"نظام الفيدرالية الإثنية" يعني وقوع إثيوبيا في هذا المصير.
كيف تم وضع نظام الحكم الحالي؟
تضم إثيوبيا 90 مجموعة عرقية متمايزة، و80 لغة، بحسب إحصائيات مجموعة حقوق الأقليات العالمية، المنشورة ضمن "الدليل العالمي للأقليات والشعوب الأصلية"، الذي نشرته "المفوضية السامية لشؤون اللاجئين"، بتاريخ يناير/ كانون الثاني 2018.
وقاد هذا التمايز إلى الصراع العرقي، حتى سقوط نظام منغستو هيلا مريام في عام 1991، بعد تمرد طويل ضد حكومته، وبوصول الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا (ائتلاف يضم 4 كيانات عرقية، هي المنظمة الديمقراطية لشعوب أورومو، الحركة الديمقراطية لشعب الأمهرا، الحركة الديمقراطية لشعوب وقوميات جنوب إثيوبيا، وجبهة تحرير شعب تيغراي) إلى الحكم، طبق نظام جديد للحكم في إثيوبيا عُرف بـ"الفيدرالية الإثنية"، أعقبه وضع الدستور الإثيوبي في العام 1994، وقسم الدستور إثيوبيا إلى 9 ولايات عرقية ولغوية ومدينتين فيدراليتين، بهدف منع تكرار تجارب الأنظمة التي مارست القمع والاضطهاد بحق قوميات وشعوب البلاد، بحسب السفير شين، الذي يتابع: "قال لي رئيس الوزراء السابق ميلس زيناوي ذات مرة: جربنا كل أشكال الحكم الأخرى تقريبًا، حان الوقت لتجربة الفيدرالية الإثنية".
ورغم الانتقادات التي توجه لنظام "الفيدرالية الإثنية"، بالتسبب في تفاقم الصراعات العرقية وفق ما جاء في بيان قومية الأمهرا الذي وقعته 145 شخصية بارزة منها، في 19 يوليو/ تموز الماضي، وحذر فيه من وقوع تطهير عرقي و"بلقنة" إثيوبيا بسبب النظام الفيدرالي، إلا أن جالاطا يدافع بشدة عن هذا النظام، قائلا: "الأمهرا، هي القوى الرئيسية التي تعمل بقوة على إحداث ضوضاء ودعاية ضد مبادئ نظام الفيدرالية الإثنية في إثيوبيا، لأنهم يحاولون استعادة إثيوبيا الوحدوية السابقة"، في إشارة لسياسات الإدماج القسري و"أمهرة" الشعوب الأخرى، من خلال فرض اللغة والتقاليد الأمهرية والتي ترفضها القوميات الأخرى، وتعتبر نظام (الفيدرالية الإثنية) تحريرا لها، مشيرا إلى أن نخبة الأمهرا غاضبون جدًا من ظهور الأورومو، التي تعد تقريبًا نصف الإمبراطورية الإثيوبية، كقوة سياسية رئيسية، وجعل إقليمهم (أوروميا) مركزًا للثقافة والسياسة والاقتصاد الإثيوبي، كما يقول.
ويرد البروفيسور الإثيوبي قيرما برهانو، الأستاذ بجامعة غوتنبيرغ السويدية، ملخصا وجهة نظر شعب الأمهرا، لـ"العربي الجديد": "يمكن للنظام الفيدرالي أن يفاقم الانقسامات العرقية التي كانت موجودة في بلد مثل إثيوبيا، وعلى المدى الطويل سيزعزع التوازن الهش بين المجموعات العرقية المختلفة، مثل التيغراي والأورومو والأمهرا"، مضيفا أن النظام الفيدرالي يمكنه إبراز الصراع العرقي إلى السطح، وقد يؤدي حتى إلى انفصال كيان واحد أو أكثر وإلى تفكك الدولة الفيدرالية أيضا.
خروج الصراع العرقي إلى العلن
خلال الأشهر الاثني عشر الماضية، قتل ألف شخص في الاشتباكات العرقية التي اندلعت في إقليمي أوروميا، وأمهرا (لديه نزاعات على الحدود مع اثنين من الأقاليم المجاورة له)، وإقليم تيغراي، الذي يعادي بعض سكانه الحكومة الفيدرالية، واحتلت إثيوبيا المرتبة الأولى عالميا بالنسبة للتشرد الداخلي والنزوح في عام 2018، إذ بلغ عدد النازحين 2.23 مليون نسمة، مقارنة مع إحصائيات عام 2017 التي سجلت نزوح 1.4 مليون نسمة، بحسب إحصائيات التقرير العالمي لمراقبة النزوح الداخلي لعام 2019، الصادر عن المجلس النرويجي للاجئين.
وظهر الصراع العرقي إلى العلن عقب تنفيذ آبي أحمد لإصلاحات سياسية، شملت إطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين وعودة المنفيين منهم، بجانب إتاحة حرية الرأي والتعبير، الأمر الذي ساعد على بروز التوترات العرقية، وفق ما يراه ويليام دافيسون، قائلا: "التحرر السياسي مع عودة الجماعات والمعارضين من الخارج إلى الساحة السياسية الداخلية، بعد تعرضهم للسجن والنفي أو الحظر، لعب دورًا في ظهور التوترات إلى العلن".
واحتفظت الحكومات الاستبدادية التي سبقت رئيس الوزراء الحالي بسيطرتها الصارمة على الوضع الأمني ومنعت حدوث الانقسامات العرقية بالقوة، بحسب دافيد شين، الذي قال: "سمح حكم آبي، الأكثر ديمقراطية، لهذه الانقسامات بأن تصبح أكثر علانية"، مضيفا أنها "قد تؤدي في بعض الحالات إلى الصراع العرقي".
وتسببت معارضة قوميتي "التيغراي" و"الأمهرا"، لرئيس الوزراء أبي أحمد في تصاعد حدة الصراعات العرقية في أقاليم أورميا، بني شنقول، قمز، قامبيلا، وإقليم شعوب وقوميات جنوب إثيوبيا، إلى جانب حرب الكلمات والخطاب العدائي بين قادة إقليمي أمهرا وتيغراي، في ظل التوترات التاريخية التي كانت تحت السطح، بسبب وحشية النظام السابق. وبحسب مستشار الاتحاد الأفريقي، فإن "البلاد تواجه تحديات كبيرة، نتيجة الانفتاح النسبي للفضاء السياسي وضعف الجهاز الأمني".
وعلى الرغم من محاولة آبي تحقيق توازن صعب، إلا أن أكبر تحد له هو في الواقع من متطرفين من قوميته (الأورومو)، الذين يعتبرونه بطيئًا في النهوض بقضاياهم التاريخية، وفق المصدر ذاته، لكن أصافا جالاطا يرى أن القول "إن نظام الفيدرالية الإثنية في إثيوبيا يتعرض لضغط هائل هي فكرة مراوغة، أو مضللة، لأن المجموعة العرقية القومية الوحيدة التي تكافح لتقويضها هي الأمهرا التي ترغب في استعادة هيمنتها الاقتصادية والسياسية وأيديولوجيتها"، متابعا: "إضفاء الطابع الديمقراطي على الفيدرالية الإثنية وتوطيدها، وتعزيز دولة فيدرالية ديمقراطية متعددة الجنسيات أفضل السيناريوهات لتعزيز السلام والتنمية المستدامة لجميع الشعوب في إثيوبيا"، مضيفا أن أسوأ سيناريو هو تقويض الفيدرالية والديمقراطية من أجل مواصلة الاستبداد السياسي والتسلسل الهرمي العرقي القومي، وهو ما يتفق معه دافيسون قائلا "طالما بقيت الحكومة الفيدرالية قوية بما يكفي، مقارنة بالأقاليم، فيجب أن تكون قادرة على الاحتفاظ بالبلد".