المدارس الوهمية.. فساد تعليمي يدمّر مستقبل أطفال أفغانستان

10 مايو 2016
الرئيس الأفغاني طالب الاستخبارات بكشف المدارس الوهمية (فرانس برس)
+ الخط -
يشعر محمد عثمان، المسؤول في إدارة التعليم المحلية بمدينة خرنة عاصمة إقليم بكتيكا، جنوبي أفغانستان، بالغضب الشديد لعدم تمكنه من إلحاق ابنتيه بمدرسة قريبة من محل سكنه، على الرغم من البيانات التي تشير إلى توفر مدرسة لا تبعد سوى كيلومترين مخصصة لتعليم البنات، "ولكن لا وجود لها على أرض الواقع، إذ توجد فقط على الورق"، كما يقول عثمان، متابعا "الحكومة والمؤسسات الدولية، تدفع رواتب المدرسين باستمرار، لكنها تذهب إلى جيوب شيوخ القبائل".

مئات المدارس الوهمية

في شهر يونيو/حزيران من العام الماضي، حذرت مؤسسة "سيغار" الأميركية، المعنية بمراقبة المشاريع التنموية والتعليمية في أفغانستان، من الفساد في قطاع التعليم، مؤكدة وجود مدارس وهمية، وهو ما أكده المفتش العام لإعادة إعمار أفغانستان جون سوبكو، قائلا "إن الولايات المتحدة الأميركية أنفقت أموالا على معلمين ومدارس "وهمية" لا يوجد لها أساس في أفغانستان. وأشار سوبكو إلى أن مسؤولين سابقين في وزارة التربية والتعليم الأفغانية قدموا بيانات كاذبة للحكومة والجهات المانحة الدولية تفيد بوجود أعداد أكبر من المدارس النشطة في جميع أنحاء البلاد من أجل الحصول على المزيد من التمويل.

"أجبر تقرير مؤسسة سيغار وتصريح المفتش العام لإعادة إعمار أفغانستان، الحكومة على إجراء تحقيقات توصلت إلى وجود مئات المدارس الوهمية، خاصة في جنوب البلاد"، كما يعترف بذلك المسؤول في وزارة التعليم الأفغانية محمد نجيب، متابعا في تصريح إلى "العربي الجديد"، "الحكومة تعمل حاليا على دراسة أوضاع المدارس في الأقاليم النائية، والأولوية هي للقضاء على المدارس الوهمية التي نكتشف العديد منها كل يوم".


الأعذار الأمنية الوهمية

يكشف الخبير في إدارة التعليم المحلية في ولاية زابل (جنوب أفغانستان)، المولوي عبد السميع، أن مسؤولين في مديرية شاجوي يتعمدون المبالغة في مدى سوء الحالة الأمنية، ويكتبون تقارير مزيفة بهدف إغلاق المدارس، لتصرف رواتب المدرسين إلى جيوبهم. يضيف عبدالسميع "إدارة التعليم المحلية كانت تبحث عن إيجاد ذريعة لإغلاق المدارس، كي يستفيدوا من مرتبات الأساتذة وباقي الأموال التي تصرف على تلك المدارس". ويؤكد أنه على الرغم من جهود الحكومة الحالية إلا أن القضية أكثر تعقيدا، وأن حلها يحتاج إلى وقت، ولا سيما أن المتورطين في القضية يشغلون مناصب رفيعة.

وبحسب وزير التعليم الأفغاني الدكتور أسد الله حنيف بلخي، فإن تحقيقات الوزارة كشفت حتى نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، عن إبرام اتفاقيات لإنشاء 524 مدرسة وحصل المقاولون على الميزانية ولكن المشاريع غير مكتملة وأوضح الوزير أن هذه المشاريع لم تكتمل بسبب فرار المقاول أو عدم إيصال الميزانية المخصصة أو أنها اختلست".

وتابع الوزير قائلاً: "هناك ما يقارب 110 مدارس في مناطق مختلفة من البلاد أكملت أعمال إعمارها نحو 70% وبعض منها 50% وفي بعضها الآخر لم تبدأ الأعمال وميزانيتها راحت أدراج الرياح"، وأضاف أنه تم تسليم الوثائق التي تؤكد الفساد في هذه المشاريع بشكل واسع إلى القصر الرئاسي وطالب بتقديم المتورطين في هذه الجرائم إلى العدالة والقانون. وأشار إلى أنه بالرغم من وجود مئات الآلاف من نسخ الكتب المدرسية في مستودعات الوزارة، لكنها لم توزع على الطلاب بالرغم من حاجتها الشديدة لها.





الرئاسة تستعين بالقبائل والاستخبارات

خلال زيارته الأخيرة لمدينة قندهار، أكد الرئيس الأفغاني أنه يتابع قضية المدراس الوهمية، قائلا إنه راجع ملف أكثر من 600 مدرسة في مدينة قندهار وحدها، مطالبا الاستخبارات الأفغانية وشيوخ القبائل بالتعاون مع الحكومة في هذا الشأن، من أجل مواجهة الظاهرة. وشدد الرئيس على أنه مستعد لأن يسمع من الجميع، ويتخذ كل خطوة من شأنها القضاء على الفساد في جميع القطاعات، لا سيما قطاع التعليم، إذ إن الفساد عموما وقضية المدارس الوهمية على وجه الخصوص يدمر مستقبل ناشئة البلد.
وعلى الرغم من أن الجماعات المسلحة وعلى رأسها طالبان، سمحت بفتح المدارس في بعض المناطق، وأعلنت أنها لن تستهدفها، إلا أن "المسؤولين لم يحركوا ساكنا"، كما يقول محمد وفاء، مدرس في إقليم أورزجان (جنوب أفغانستان)، وتابع قائلا "طالبان سمحت بفتح المدارس، ووعدت بتأمينها، ولكن المسؤولين المحليين، رفضوا إعادة فتح المدارس لأن رواتب الأستاذة وباقي مصاريف تلك المدارس تذهب إلى جيوبهم".

ويكشف محمد سليم، مسؤول في إحدى المؤسسات الدولية المعنية بقطاع التعليم في أفغانستان، إن المؤسسة (تحفّظ على ذكر اسمها) مولت إنشاء عدد من المدارس في إقليم فارياب، ولدى إرساله لتقييم حالتها، فوجئ أن أحد المدارس التي تم إنفاق 50 ألف دولار أميركي، لتصميمها، عبارة عن غرفتين بمنزل أحد شيوخ القبائل، في حين لا يوجد مدرسين، ولا وسائل تعليمية.

لكن ما أثار دهشة سليم هو أن التقرير الذي كتبه بِشأن المدرسة، لم يجذب انتباه مسؤولي المؤسسة، بل كان شيخ القبيلة، نفسه محط اعتماد المؤسسة لأجل بناء مدارس أخرى. قائلا "الجميع يغض النظر عن الفساد في هذه القطاع المهم الذي يستخدم لشراء الولاءات".


70 % من مدارس الكبار ومحو الأمية وهمية

بحسب نجيب منغل المسؤول في وزارة التعليم الأفغانية والمتابع لملف التحقيق في المدارس الوهمية، فإن 70% من مدارس الكبار ومحو الأمية وهمية. لافتا إلى أنه في إقليم بكتيا، ثمة 160 مدرسة للكبار ولمحو الأمية، لكن التحقيقات كشفت أن 112 مدرسة منها وهمية، كما يؤكد نجيب.

ويتفق مع منغل لقمان حكيم، رئيس إدارة التعليم في إقليم بكتيا والمعين قبل شهرين، والذي عمل في مراجعة حسابات جميع المدارس الموجودة في الإقليم الجنوبي، ولا سيما في المناطق النائية. وكشف حكيم عن إغلاق 47 مدرسة وهمية في الإقليم، قائلا في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، "الحملة ضد الفساد وضد المدارس الوهمية بدأت من جنوب البلاد، وتحديدا في إقليم بكتيا، إذ اعتقلت السلطات 26 من المسؤولين في إدارة التعليم المحلية، تعتزم محاكمتهم وعلى رأسهم مسؤول إدارة التعليم المحلية السابق مهتاب الدين. ومسؤولي التعليم في كل من مديرية زرمت وشمكني وأحمد خيل". لافتا إلى أن التحقيقات وملاحقة الضالعين في قضية المدارس الوهمية ما تزال متواصلة، وأن حل المشكلة يقتضى تضافر الجهود الأهلية مع المسؤولين.


تحركات ضد إجراءات الحكومة

بموازاة جهود الحكومة ضد الفساد وضد المدارس الوهمية، تتحرك المافيا المستفيدة من الفساد والمدارس الوهمية، وعقب تشديد الحملة ضدها، بدأت في تنظيم مظاهرات في بعض المناطق لتقويض الجهود المبذولة في هذا الشأن. كما حدث في مدينة كرديز عاصمة إقليم بكتيا التي نظم مسؤولون في إدارة التعليم المحلية بها وبعض القبائل مظاهرات، تطالب بإقالة رئيس الإدارة لقمان حكيم، متهمين إياه بالفساد المالي والإداري. وقاد مسؤول سابق في إدارة التعليم بعض تلك المظاهرات، مطالبا رئيس الإدارة بالتنحي.

في المقابل يؤكد رئيس إدارة التعليم المعين، أن تلك المظاهرات نظمها المستفيدون من المدارس الوهمية والقائمين عليها، وهو ما أيده الناشط الاجتماعي ونائب المجلس الإقليمي جنت خان قائلا، إن "الإدارة بدأت تكشف عن المدارس الوهمية وتغلق أبوابها، ما دفع المافيا المستفيدة وشيوخ القبائل ومسؤولون سابقون في إدارة التعليم إلى العمل على مواجهة هذه التحركات لاستمرار نهب المال العام".

وبحسب خان فإن عدم مكافحة السلطات لهذه الظاهرة يرجع إلى غياب الكفاءة والأوضاع الأمنية المتردية والفساد، إذ إن المسؤولين يتقاسمون أموال تلك المدارس مع شيوخ قبائل وأساتذة يجلسون في منازلهم ولا يعملون في تلك المدارس ومع ذلك لا تتوقف أجورهم".