زواج الهجرة... علاقة على الورق لاكتساب الجنسية الأميركية

واشنطن

سميرة بلعكري

سميرة بلعكري
سميرة بلعكري
صحافية في أميركا
24 يونيو 2024
+ الخط -
اظهر الملخص
- في الولايات المتحدة، يلجأ بعض العرب إلى "زواج الورق" مع أمريكيات للحصول على الإقامة والجنسية، متحايلين على القوانين، وهو ما يعد جريمة فيدرالية وينتشر بين الجالية اليمنية.
- الطرق القانونية للهجرة مثل تأشيرة الخطيب متاحة، لكن البعض يفضل المسار غير القانوني مما يؤدي إلى تعقيدات وعواقب قانونية، مع إحصائيات تشير إلى صعوبات في نظام الهجرة الأمريكي.
- العواقب القانونية لزواج المصلحة تشمل السجن والغرامات وقد تصل إلى الترحيل، مع تأكيد المحامين والمختصين على أهمية النزاهة والشفافية في إجراءات الهجرة لتجنب هذه العواقب.

يبرم عرب صفقات زواج على الورق مع أميركيات من أجل نيل الإقامة الدائمة ومن ثم الحصول على الجنسية، تحايلاً على القوانين الفيدرالية، بينما يخدع آخرون سيدات للغرض ذاته، وبمجرد الحصول على مبتغاهم يطلقونهن ويدمرون حياتهن.

- يحذر المحامي الأميركي المختص بقضايا الهجرة والتجنيس محمد الشرنوبي زبائن مكتبه الموجود في عدة ولايات من العواقب القانونية للزواج على الورق بهدف الحصول على الجنسية، إذ تصنف الواقعة باعتبارها جريمة فيدرالية، ومع ذلك أصبحت ظاهرة واسعة الانتشار بين العرب بشكل عام والجالية اليمنية بشكل خاص، وفق ما رصده من خلال عمله.

وبلغ عدد الحاصلين على الجنسية الأميركية 878.500 مواطن جديد، خلال الفترة ما بين الأول من أكتوبر/تشرين الأول والأول من ديسمبر/كانون الأول عام 2022، بحسب بيانات دائرة خدمات الجنسية والهجرة الأميركية USCIS (إحدى وحدات وزارة الأمن القومي)، وقدم 33.1% من المتجنسين طلباتهم ضمن فئة أقارب مباشرين لمواطنين أميركيين، وتنقسم إلى 21.4% نسبة طلبات الأزواج، والأقارب 7.4%، واستفاد 4.3% من الأبناء.

و"على الرغم من حرص الدائرة على نزاهة إجراءت الهجرة، بما فيها تلك التي تتم عن طريق الزواج"، بحسب ما جاء على موقعها الإلكتروني، إلا أن "صعوبة إثبات العلاقة القائمة على المصلحة تجعل الظاهرة في تزايد، طالما لم يعترف أحد الطرفين بأنه تزوج بهدف الحصول على وثائق إقامة قانونية"، بحسب إفادة المحامي أشرف العليان، مالك مكتب السيف لخدمات الهجرة في مدينة شيكاغو بولاية إلينوي، غرب البلاد.

 

كيف يجري الحصول على الجنسية عبر الزواج؟

يمكن لأي مواطن أميركي أو مقيم بشكل دائم، ويرغب في الزواج من جنسية أخرى، أن يساعد شريكته في الحصول على إقامة دائمة تؤهلها في ما بعد للحصول على الجنسية، عبر التقدم بطلب للحصول على تأشيرة fiance visa، التي تسمح للأجنبي بالدخول إلى الولايات المتحدة لمدة 90 يوما تتم خلالها إجراءات الزواج، ثم التقدم بطلب للحصول على الإقامة الدائمة، وطلب الجنسية بعد ثلاث سنوات، وفي حال أراد الأميركي الزواج من أجنبية موجودة داخل أميركا، يمكنه تقديم التماس القرابة I-130 relative petition، وعلى شريكته تقديم التماس مرفق بالنموذج I-485 لتسوية الوضعية، وينسحب الأمر على المواطنة الأميركية، بحسب بيانات دائرة الجنسية والهجرة.

وفي حال دخول الشريك الأجنبي إلى البلاد بطريقة غير قانونية وزواجه من أميركية، يتوجب عليها وقتها تقديم التماس القرابة، وإذا تم قبوله، يترتب على شريكها التقدم بطلب الحصول على تأشيرة في قنصلية أو سفارة الولايات المتحدة في البلد المعني، ومتابعة الإجراءات اللازمة للحصول على الإقامة الدائمة، وبعدها الجنسية.

وبلغ عدد طلبات الحصول على الإقامة الدائمة أو البطاقة الخضراء Green Card، قيد الدراسة 8.3 مليون طلب، خلال عام 2024، حسب دراسة نشرها معهد كاتو CATO Institute (مركز دراسات مستقل)، في 15 فبراير/شباط 2024، تحت عنوان: "معدل الموافقة على البطاقة الخضراء ينخفض إلى مستويات قياسية"، إذ يتوقع المعهد قبول 3% من الطلبات بينما يقدر العدد الإجمالي للمتقدمين من أجل الحصول على الإقامة الدائمة، بما في ذلك طلبات القرابة مثل الزواج، وتأشيرات التنوع (اللوتري) Lottery، وكذلك طلبات الإقامة على أساس الوظيفة Employment واللجوء Asylum، بـ 35 مليون طلب، سيحصل 1.1 مليون منهم على الإقامة الدائمة، ما يعني أن 97℅ من المتقدمين لن يتمكنوا من تأمين الإقامة الدائمة خلال العام الجاري.

 

صفقات تأمين "الزواج الأبيض"

تشدد محامية الهجرة الأميركية من أصل إيراني مهسا خان بابائي Mahsa Khanbabai، والتي تعمل في مكتبها بولاية ماساتشوستس، شمال شرق البلاد، على خطورة تصديق الشائعات التي تزعم أن الحصول على الجنسية الأميركية عن طريق الزواج أمر يسير، ومن ثم دفع آلاف الدولارات لمن يدعون أن بإمكانهم تسهيل الأمر، لأن الأزواج حين يصلون إلى مرحلة المقابلة التي تجريها دائرة الهجرة للتأكد من صحة وقانونية العلاقة، يصطدمون بحقيقة الأمر وإلى أي مدى تصل التحقيقات للتأكد من طبيعة العلاقة، وفي حال اكتشاف وقوع صفقة في مقابل المال يجري ترحيل المتورطين، ويخسرون أموالهم وإقامتهم الدائمة، ويواجهون عقوبات قانونية.

اكتشفت سيدات خداع أزواجهن بعد حصولهم على الجنسية وتطليقهن

وتلقت دائرة الجنسية والهجرة 73.873 التماس قرابة، رفض 15% منها، بحسب بيانات مكتب Boundless التابع لشركة المحاماة Boundless Legal، والمتخصص بخدمات الهجرة، وخلقت المخاطر التي تطرقت إليها بابائي مخاوف لدى الثلاثيني الموريتاني محمد، والذي فضل الاكتفاء بذكر اسمه الأول، إذ رفض عرضا من مالك محطة المحروقات التي كان يعمل بها في ولاية مسيسيبي، جنوب أميركا، للزواج من فتاة أميركية مسلمة، من أجل نيل الجنسية وتصحيح وضعه كونه دخل للبلاد بطريقة غير قانونية، على أن يدفع له ولها 14 ألف دولار، من بينها سبعة آلاف دولار مقدماً، و يكمل الباقي بعد استلام الأوراق، أي صفقة لإبرام "زواج أبيض" وفق ما هو متعارف عليه وسط الجاليات العربية، لكنه اكتشف بعد مدة قصيرة أن رب عمله كان يستغل وضعه ويخطط لابتزازه، والفتاة التي أخبره عنها هي رفيقته وليست مسلمة، ما دفعه لترك المحطة والبحث عن عمل آخر، مؤكدا في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن هذه ليست المرة الأولى التي يتلقى فيها عرضا للزواج من أجل الجنسية الأميركية، وسبق أن عرض عليه يمني الزواج من أميركية من أصول أفريقية مقابل ستة آلاف دولار، يدفع منها أربعة آلاف كدفعة أولى والباقي أقساط، ولكنه رفض خشية من تبعات هذا النوع من الزواج.

ولا يعد محمد حالة فردية، إذ يؤكد العليان لـ"العربي الجديد"، انتشار هذا النوع من الزواج وسط الجنسين، حتى أنه تلقى مكالمة من سيدة تسأل بشأن توفير مكتبه خدمة الزواج على الورق لتحصل على الإقامة الدائمة لأن طليقها أوقف إجراءات حصولها على الوثائق بعد انفصالهما، "أي أنها تطلب علنا خدمة غير قانونية"، يقول العليان.

 

سوق كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي

اكتسبت الخاطبة أم لؤي، والتي تقيم في مدينة شيكاغو بولاية إلينوي، غرب البلاد، شهرة واسعة على منصة تيك توك، بعد نشرها مقطع فيديو تشكو فيه كثرة المكالمات التي تتلقاها من شبان عرب يطلبون تزويجهم بفتيات أميركيات لتأمين الجنسية، وتدعوهم للتوقف عن الاتصال بها والبحث عن شخص آخر يُوفر هذه الخدمة غير القانونية. وكان آخر عرض تلقته من أميركي أردني الأصل وعد بدفع مبلغ 50 ألف دولار مقابل تأمين "زوج على الورق" لأخته حتى يسوي وضعيتها مع بناتها الثلاث، وهو ما رفضته لخطورته.

صفحات على فيسبوك تروج لصفقات "الزواج الأبيض"

ومن خلال عملها في إدارة موقع إلكتروني لزواج العرب في أميركا، رصدت أم لؤي العديد من الوقائع المخالفة للقانون، ومن بينها ما واجهته أردنية تحمل الجنسية الأميركية، تزوجت مصريا على أساس أنه أعزب ولديه أخت واحدة في مصر يتواصل معها ويرسل لها مبالغ مالية باستمرار، لتكتشف عقب أعوام الزواج وإنجابها طفلا أنه خدعها للحصول على الإقامة الدائمة، بينما أخته المزعومة هي زوجته وكان ينوي الحصول على الوثائق والعودة إليها.

الصورة
إعلانات بشأن زواج الجنسية في أميركا (فيسبوك)
يلجأ الباحثون عن شريك أميركي إلى وسائل التواصل الاجتماعي لإتمام الصفقة (فيسبوك)

وبينما ترفض أم لؤي التوسط في زيجات هدفها الحصول على الجنسية، إلا أن حسابات منتشرة على موقع فيسبوك تعلن عن تلك الخدمة غير القانونية، مثل "الخاطبة أم محمد"، والتي تنشر إعلانات في مجموعة تُسمى "زواج العرب في أميركا"، تقول فيها إنها تؤمن ما سمته "زواج أوراق"، كما رصدت معدة التحقيق منشورا في مجموعة تسمى "عرب نيويورك"، كتبته سيدة مغربية تبحث عن زوجة على الورق لأخيها الذي دخل إلى البلاد بتأشيرة سياحة، قائلة "أبحث عن زوجة لأخي الموجود في أميركا منذ شهرين، زواج بلون الثلج (زواج أبيض)"، وبالتواصل مع السيدة أقرت بأنها نشرت الإعلان أملا في مساعدة شقيقها للحصول على الوثائق اللازمة للبقاء في الولايات المتحدة، قبل أن تنتهي المدة القانونية لوجوده في البلاد.

ونشر حساب آخر على فيسبوك، يُعرّفه صاحبه بأنه وكالة توظيف وإعلانات، منشورا يقول فيه: "هي دخلت سياحة وتريد شخصاً يحمل الجنسية الأميركية.. فاهمين"، وكان السؤال الذي يتكرر في التعليقات على المنشور حول السعر المطلوب، ما يؤكد أن الإعلان يخص الزواج من أجل الجنسية بمقابل مادي، لتقوم معدة التحقيق بالتواصل مع الصفحة زاعمة أن لديها "عريساً للفتاة"، لكنها تلقت ردا بأن عرضها وصل متأخرا لأن صفقة الزواج تمت.

استغلال الفتيات الأميركيات

يشعر الإمام الأميركي من أصول يمنية حمود الصلوي بالأسف لتزايد حالات زواج المصلحة، والذي تطور إلى خداع الضحايا من أعضاء الجالية، إذ رصد الأمر وتبعاته من خلال عمله في المسجد التابع لمركز برونكس الإسلامي Bronx Muslim Center بمدينة نيويورك، والذي يعد نقطة تمركز اليمنيين في الولاية، قائلا: "وصل الحال بشبان إلى أن يتزوجوا يمنيات حاصلات على الجنسية الأميركية، وفور وصولهم إلى المطار يتركونهن ويتوجهون إلى ولاية أخرى ليصبح الزواج سبيلا لخداع الضحايا وعبور هؤلاء على حسابهم إلى أميركا"، ويستقبل المسجد التابع للمركز حالات من هؤلاء الفتيات يأتون طلبا للطلاق الشرعي، وهو ما ترفضه المؤسسة، وتطلب الحصول على أوراق قانونية تُثبت الطلاق الإداري، تجنبا للضرر الذي قد يلحق بالمرأة، نتيجة طلاقها الشرعي في حين أن الزواج قائم أمام القانون.

وتتفاقم حالات الزواج الخادع وهروب الأزواج مقارنة بزواج المصلحة بين طرفين في مقابل مبالغ مالية محددة، كما تقول الحقوقية الأميركية من أصل يمني لطيفة جامل، رئيسة المركز الأميركي للعدالة (مستقل)، والتي رصدت تبعات الأمر على الفتيات اللائي يقعن ضحية هذا الزواج، إذ يواجهن عراقيل متعددة تمنع بناء حياة جديدة بعد انفصالهن عن الزوج الذي يترك الفتاة دون تطليق رسمي أمام القانون.

لكن بعض السيدات لا يقبلن دور الضحية، كما تقول الخاطبة أم لؤي، التي ضربت مثالا بأميركية من أصل مصري، تزوجت أردنياً زعم أنه أعزب، وبمجرد حصوله على الإقامة الدائمة، عاد لزوجته الأولى وأولاده في الأردن وطلقها عبر رسالة على البريد الإلكتروني، لكنها اشتكته إلى الشرطة ورفعت دعوى ضده، وبالفعل سُحبت منه الإقامة الدائمة.

 

عقوبات مشددة

تشترط دائرة خدمات الجنسية والهجرة الأميركية على المتقدمين للحصول على الإقامة الدائمة عن طريق الزواج، تقديم نسخة عن عقد الزواج، ووثيقة لإثبات الطلاق في حال سبق لأحد الطرفين أو كلاهما الارتباط من قبل، وصورتين شخصيتين تم التقاطهما خلال الثلاثين يوما التي تسبق تقديم الالتماس، كما يُشترط تقديم مستندات تُثبت أن للطرفين ملكية مشتركة، ووصل إيجار يثبت أنهما يعيشان معا، ووثائق تثبت دمج الموارد المالية، إضافة إلى إفادات خطية موقعة من أشخاص لديهم معرفة شخصية بالطرفين، وعلى دراية بحسن نية الزواج وصحته، على أن تحتوي تلك الإفادات على الاسم الكامل وعنوان الشخص الذي قدم الإفادة.

ورغم هذه الاشتراطات وتشديد العقوبات، إلّا أن التحايل من أجل نيل الجنسية عبر الزواج يتفاقم وفقا لمصادر التحقيق، وتنص المادة C - 1325  من قانون الاحتيال في زواج المهاجرين رقم 1986، على عقوبة السجن لمدة خمسة أعوام، وغرامة لا تتعدى 250 ألف دولار، أو الاثنين معا لأي "فرد يدخل في زواج عن علم بغرض التهرب من أي حكم من الأحكام المنصوص عليها في قانون 1986"، وفق موقع وزارة العدل الأميركية.

وتُلغى بطاقة إقامة الطرف غير الأميركي، ويمثل أمام محكمة الهجرة في حال تقديم شكوى بعدم صحة الزواج مرفقة بالأدلة، ويُعاقب بالحبس، ثم الترحيل والحرمان من الحق في الهجرة مدى الحياة، حتى إن أصبح لديه أطفال أو أحفاد، كما يُحرم من حق اللجوء، إلا إذا كان وطنه في حالة حرب، فيستفيد من حق البقاء مع تصريح عمل، ما دامت الحرب مستمرة، كما أوضح المحامي الشرنوبي.

الصورة
البحث عن شريك لزواج الجنسية عبر فيسبوك (فيسبوك)
تتزايد صفقات زواج الجنسية رغم الإجراءات الصعبة والعقوبات المشددة أملا في الوصول إلى الحلم الأميركي (فيسبوك)

الطرف الأميركي هو الأقوى

يتحول المواطن الأميركي إلى شاهد في القضية من أجل إثبات الجريمة على شريكه الأجنبي أمام محكمة الهجرة، كما يقول الشرنوبي، ويضرب مثالا بقضية سيدة لبنانية، عمل عليها مكتبه، إذ قدمت للولايات المتحدة عبر تأشيرة للزواج من أميركي من أصول عربية، وبالفعل عقد عليها في المسجد، وبعد أن طلبت تثبيت الزواج مدنيا، ومباشرة إجراءات الحصول على الإقامة الدائمة، رفض وصارحها بأنه تزوج بها للمتعة فقط، فما كان منها إلا أن قدمت شكوى لدى الشرطة أملا في الحصول على البطاقة الخضراء عن طريق إثبات معاناتها من العنف المنزلي، وتسوية وضعيتها القانونية، لكن لم تُجدِ شكواها لأن زواجها غير مسجل مدنيا، وأدى الخلاف إلى انفصال بين الطرفين، وتزوجت رجلا آخر، وأنجبت ولدا، واستعانت بمكتب المحامي للحصول على الإقامة الدائمة، وحين بدأ العمل على قضيتها اكتشف أن زوجها السابق، قدم شكوى ضدها بمحاولة الغش في الزواج، وادعى أنها دفعت له مقابل الزواج بها والحصول على الإقامة الدائمة، وهو ما عقّد القضية التي ما زال يعمل عليها.