تبنّى العديد من أعضاء اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية مواقف مضادة للمعارضة السياسية في مراحل عديدة من مسيرتهم المهنية، إما بالتورط في مواقف سياسية ضد المعارضة منذ كان الرئيس المخلوع حسني مبارك على رأس السلطة، أو بإدلائهم بتصريحات إعلامية تنتقص من العملية الانتخابية باعتبارها أداة للتحول الديموقراطي.
"قاض لكل العصور"
بالرغم من عدم النص على عضويته في اللجنة العليا للانتخابات، إلا أن المستشار اللواء محمد رفعت قمصان له اليد الطولى في التأثير فيها بحكم منصبه مستشاراً لرئيس الوزراء لشؤون الانتخابات.
أشرَفَ اللواء قمصان على الانتخابات البرلمانية التي أجريت عام 2010 "آخر أيام مبارك"، إذْ كان له دور رئيسيّ فيها، وهي التي شابها عمليات تزوير واسعة، ثم قاد الانتخابات البرلمانية والرئاسية بعد الثورة، والتي جرت خلال عامي 2011 و2012، وكذلك الاستفتاء على الدستور في مارس/آذار 2011، في عهد المجلس العسكري الذي كان يدير شؤون البلاد.
وبعد إطاحة الرئيس محمد مرسي بالانقلاب العسكري في يوليو 2013، باشر الاستفتاء على ما عرف باسم "دستور العسكر" في يناير/كانون الثاني 2014.
برز أول دور للواء قمصان في انتخابات 2005، عندما كان عميداً في جهاز أمن الدولة المنحلّ (الأمن الوطني حالياً)، وعُرف عنه معاداته لمعارضي نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك.
يكشف المستشار السيد عبد العزيز عمر رئيس اللجنة العليا للانتخابات عام 2010، لـ"العربي الجديد"، أنه في انتخابات عام 2005، وبعد هزيمة الحزب الوطني الديمقراطي "المنحلّ" في المرحلة الأولى، لصالح تيار "الإخوان المسلمين"، تدخلت مؤسسات الدولة المختلفة، وعلى رأسها وزارة الداخلية ورجال أمن الدولة، وزوّرت الانتخابات من أجل ترجيح "كفة" أعضاء الحزب "الوطني" في المراحل التالية.
ووفقاً للمعلومات، التي حصلت عليها "العربي الجديد"، فإن عميد جهاز أمن الدولة سابقاً، كان أحد أبرز قيادات الجهاز التي شاركت وطرحت الرؤى والخطط التي أفضت في المحصلة إلى عملية التزوير في انتخابات 2005، وبعد منحه الصلاحيات لإتمام العملية، وبعد نجاحه في ترجيح كفة "المنحلّ" باقتدار، كوفئ وُرقّي إلى رتبه لواء، وعُيّن مساعداً لوزير الداخلية، ومديراً للإدارة العامة للانتخابات البرلمانية بالوزارة في انتخابات 2010، كما أنه هو صاحب فكرة "قطع التيار الكهربائي" عن المقار الانتخابية، ومن ثم التلاعب بالصناديق والأصوات.
ساهمت هذه الانتخابات في تفجير ثورة 25 يناير، وأدّت في النهاية إلى إسقاط المخلوع، حسني مبارك، وكان أبرز مطالب الثورة تطهير وزارة الداخلية من رجال الوزير السابق، حبيب العادلي.
وعُيّن اللواء محمود وجدي وزيراً للداخلية، ولم يمكث سوى أسابيع معدودة، إذ تمت إقالته بعد الرفض الشعبي له لعدم تطهيره الوزارة، ليخلفه اللواء منصور العيسوي، ضمن حكومة الدكتور عصام شرف، بعد ثبوت فشلها في إدارة المرحلة الانتقالية.
وبدلاً من تطهير الوزارة، قام بترقية اللواء القمصان ليكون مساعداً لوزير الداخلية للشؤون الإدارية، مع الإبقاء عليه مديراً للإدارة العامة للانتخابات البرلمانية بالوزارة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي أجريت عامي 2011 و2012.
وتقود المؤشرات والدلائل إلى أن الصلاحيات التي منحت للجنرال، قد منحت له مجدداً بالكامل في الانتخابات المرتقبة، التي صممت ليفوز بها قائد انقلاب 3 يوليو عبد الفتاح السيسي؛ وبالتالي فإن "تحجيم" دور اللجنة كان النتيجة المترتبة والمتوقعة لذلك؛ فجميع خيوط العملية الانتخابية، خلال العشر سنوات الأخيرة كاملة بين يديه، وبالتالي أصبح كل قرار أو تصريح يخرج من أعضاء اللجنة، يحصل بعد الرجوع إلى "معالي الوزير" أو "سيادة الوزير".
"نبيل صليب" عدوّ الديمقراطية
المستشار نبيل صليب عوض الله عريان، هو ثاني أعضاء اللجنة، وهو رئيس اللجنة العليا للانتخابات المشرفة على الاستفتاء على التعديلات الدستورية الأخيرة لدستور 2014، بصفته رئيس محكمة استئناف القاهرة، وشغل قبلها رئيس محكمة استئناف الإسماعيلية.
اختير نبيل صليب في هذا المنصب، رغم أنه لا يؤمن أساساً بفكرة الديمقراطية، إذ ذكر في مقال له بصحيفة الأهرام، عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني، في 8 سبتمبر/أيلول 2011، أن "الانتخابات في بلدنا لا تفرز سوى أسوأ العناصر، فيما أجودها وأفضل الشخصيات والكفاءات المستحقة بجدارة للمناصب العليا تنأى بنفسها عن الترشح، تجنباً لمهازل الانتخابات وما يشوبها من بلطجة وتجريح وتشويه للسمعة وتبادل الاتهامات، هذا بجانب تكلفتها غير المعقولة ولا المقبولة، والتي لا يقدر عليها في أغلب الأحيان سوى من تحوم حول ثروته الشكوك والشبهات".
وقارن في مقاله بين الناخبين الغربيين عموماً والناخبين المصريين، معتبراً أن هؤلاء "ما زالوا يعانون من الأمية وهي ليست الأمية التكنولوجية فقط، بل أيضاً أمّية القراءة والكتابة، الانتخاب لا يصلح لمن لا يملك قوت يومه، وليس لديه رفاهية الانتقاء والاختيار".
واختتم قائلاً "باختصار، إن الانتخابات كلمة حق يراد بها باطل، يتشدق بها كل ساعٍ ومشتاق للسلطة، وعندما يظفر بها فهو أول من يحذفها من قاموسه هي وكل أخواتها من كلمات وقيم مثل العدالة والمساواة والمواطنة، إذ أصبح لا حاجة له إليها بعد انتصاره في غزوة الكرسي".
وصليب هو المسؤول عن تحديد الدوائر المختصة بنظر القضايا المتهم فيها الرئيس محمد مرسي، وقيادات جماعة "الإخوان المسلمين"، في أحداث الاتحادية والتخابر والهروب من وادي النطرون، وجميع القضايا الأخرى الملفّقة. وكان صليب أحد الذين وقفوا في صف رئيس نادي القضاة، المستشار أحمد الزند، ضد السلطة التنفيذية. ولم يتوان عن إعلان رأيه في عدد منها، عبر مقالات قانونية من بينها مقال بعنوان "استقالة بالإكراه"، والتي اعتبر فيها الإعلان الدستوري لمرسي، الذي عزل فيه النائب العام الأسبق المستشار عبد المجيد محمود، وعيّن بدلاً منه المستشار طلعت إبراهيم عبد الله، وقال "إني كزميل له أنصحه بالعودة عن قرار العدول عن الاستقالة حتى تصبح تلك الاستقالة نافذة المفعول ويصبح المنصب شاغراً".
كذلك هاجم التعديلات التي أشيع وقتها بأن السلطة التنفيذية تسعى من خلالها إلى تعديل قانون السلطة القضائية لخفض سن القضاة، والذي كان يرتَّب لإطاحة أكثر من 3200 قاضٍ من بينهم صليب ذاته، واصفاً إياها بأنها انتهاك للسلطة القضائية.
مسؤول على الورق
صورياً، المستشار أنور رشاد العاصي يتولى رئاسة اللجنة العليا للانتخابات بحكم منصبه، فهو النائب الأول للمحكمة الدستورية العليا والقائم بأعمال رئيس المحكمة، بسبب تكليف المستشار عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية بإدارة شؤون البلاد، بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز الماضي. وعمل العاصي في بداية حياته القضائية في جهاز المدعي العام الاشتراكي والمكتب الفني للنائب العام، كما عمل في نيابة أمن الدولة في عام 1977.
شارك العاصي في إصدار حكم عدم دستورية قانون انتخاب مجلس الشورى قبل حلّه بعد الانقلاب بيومين، وإبطال الجمعية التأسيسية الأولى. وأحد المآخذ على العاصي تأييده لتحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، بصفته أحد أعضاء المحكمة الدستورية، عندما طلب الرئيس المؤقت عدلي منصور رأي الجمعية العمومية للدستورية، بعد تضارب الآراء حول تحصين اللجنة، وهو ما اعتبره بعض القانونيين أمراً فبه شبهة عدم دستورية، حيث إنه أدلى برأيه في تحصين اللجنة التي يرأسها من خلال موقعه كأحد أعضاء الدستورية.
يشكك المصريون في ضمانات نزاهة الانتخابات المقبلة، ويتساءلون كيف للجنة تشرف على الانتخابات وشارك كبار مسؤوليها في مواقف ضد الديمقراطية أن تضمن للمصريين عملية اقتراع وتصويت حرّة ونزيهة، فيما تاريخ أعضائها السابق ينبئنا بخلاف ذلك.