مجزرة المستشفى المعمداني في غزة.. بطولات الطواقم الطبية في زمن الحرب

غزة
الصحافي محمد الجمل
محمد الجمل
صحافي فلسطيني، يكتب لقسم التحقيقات في "العربي الجديد" من غزة.
17 أكتوبر 2023
تدمير النظام الصحي في غزة... بطولات الطواقم الطبية في زمن الحرب
+ الخط -

يرفض الطبيب صهيب الهمص رئيس مجلس إدارة المستشفى الكويتي التخصصي الخيري وسط محافظة رفح جنوب قطاع غزة، بإصرار الاستجابة لأوامر الاحتلال الإسرائيلي المتكررة بإخلاء المشفى تمهيدا لقصفه، إذ تلقى أحدثها مساء السادس عشر من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، عبر اتصال هاتفي من ضابط في جهاز "الشاباك" (الاستخبارات الداخلية).

ويعد المستشفى الكويتي واحدا من بين مؤسسات صحية في غزة تلقت كوادرها أوامر بالإخلاء ورفض القائمون عليها الاستجابة لها، بينما تعمل تحت القصف بكل ما لديها من إمكانيات شحيحة، وهي: الخدمة العامة، والقدس التابع للهلال الأحمر الفلسطيني، ومستشفى الشهيد كمال عدوان، والعودة، ومستشفى الشهيد محمد الدرة للأطفال، والمستشفى الأهلي المعمداني، والذي استهدفته الطائرات الإسرائيلية مساء اليوم، ما أسفر عن استشهاد 500 شخص مع وجود المئات تحت الأنقاض بحسب ما أعلنته وزراة الصحة، وأشارت إلى أن أعدادا كبيرة من النازحين كانت تتجمع قرب المستشفى.

وتعرضت 4 مستشفيات أخرى لأضرار كبيرة جراء قصف في محيطها لكنها مستمرة بالعمل، بينما توقف اثنان من المستشفيات عن العمل بشكل تام ومنها مستشفى محمد الدرة للأطفال شرق مدينة غزة، والذي اضطر الأطباء لإخلائه بعد استهدافه من قبل الجيش الإسرائيلي بقنابل الفسفور الأبيض، وشن العديد من الغارات في محيطه بتاريخ 13 من الشهر الجاري.

الصورة
المعمداني
500 شهيد جراء استهداف المستشفى الأهلي المعمداني في غزة (العربي الجديد)

كوادر منهكة تعمل تحت القصف

يرمي الاحتلال الإسرائيلي من تهديداته بقصف المشافي إلى خلق إرباك كبير في عمل المنظومة الصحية، وزيادة الضغط على الكوادر الطبية حتى تلفظ المنظومة أنفاسها أمام المجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، ونفاد المخزون الطبي وحتى احتياطيات الوقود التي تتراجع بشكل متسارع، وضمن هذه الظروف مستحيلة العمل جاءت سياسة إخلاء المستشفيات التي استقبلت نحو 10 آلاف جريح، و3000 شهيد في الأيام العشرة الأولى من العدوان، كما يقول الناطق باسم وزارة الصحة الدكتور أشرف القدرة، معتبرا أن إخلاء المستشفيات يثبت مجدداً كذب ادعاءات الاحتلال في ما يسمى المناطق الآمنة، ويوضح مدى إجرامه ولامبالاته في استهداف المدنيين والأعيان المدنية. بينما تؤكد الطواقم الطبية والإدارية أنها لن تستجيب لأي تهديدات بإخلاء المرافق الصحية، وستستمر في أداء واجبها المهني ودورها الإنساني بتقديم الرعاية الطبية للجرحى والمرضى، بحسب القدرة.

7 مستشفيات تلقت تهديدات إسرائيلية بقصفها

وبلغ عدد المستشفيات العاملة في قطاع غزة 36، من بينها 14 تتبع وزارة الصحة وطاقتها الاستيعابية 2616 سريرا، و17 تتبع المؤسسات غير الحكومية وطاقتها 505 أسرّة، و2 لوزارة الداخلية والأمن الوطني بطاقة استيعابية بلغت 172 سريرا، و3 مستشفيات تتبع القطاع الخاص وفيها 45 سريرا، بحسب التقرير السنوي الصادر عن وزارة الصحة عام 2022.

ويرى مدير مستشفى كمال عدوان الطبيب كمال الكحلوت أن تهديدات الاحتلال الإسرائيلي بقصف المستشفيات والأمر بإخلائها أمر ‏لا يمكن تصديقه بسبب وحشيته التي تتجاوز كل الحدود، فهي المرة الأولى التي تتلقى فيها مستشفيات القطاع تهديدات تمس سلامة المرضى والمؤسسات الصحية، خاصة أن مستشفى كمال عدوان يقع في مناطق شمال غزة، وهو المستشفى الوحيد الذي يقدم خدمات طبية للأطفال والنساء، ويخدم حوالي 450 ألف نسمة، كما يستقبل الإصابات التي حدثت نتيجة العدوان الإسرائيلي الأخير.

استهداف الأطباء

قتل الاحتلال خمسة أطباء منذ بدء عدوانه الدموي على القطاع، ومن بينهم جراح التجميل والحروق في مجمع الشفاء الطبي الدكتور مدحت صيدم، والذي غادر مجمع الشفاء الطبي ليقضي احتياجات أسرته عقب 7 أيام من العمل المتواصل، لكن الاحتلال قصف منزله واستشهد الطبيب وجميع أفراد أسرته في 14 أكتوبر 2023، كما قتلت طائرات الاحتلال الطبيبة رزان الرخاوي في الـ13 من الشهر ذاته، وطبيب التخدير في المستشفى الإماراتي تامر الخياط، بحسب القدرة.

وبلغ عدد شهداء الطواقم الصحية 37، موزعين بين أطباء ومسعفين وممرضين وغيرهم، كما قال سلامة معروف رئيس المكتب الإعلامي الحكومي.

وخلال عشرة أيام من القصف المتواصل، وثقت منظمة الصحة العالمية استهداف 111 منشأة طبية، وقصف 60 سيارة إسعاف، في انتهاك للقانون الدولي والمبادئ الإنسانية، بحسب تصريحات صحافية لأحمد المنظري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، في 16 أكتوبر 2023.

ودانت المنظمة بشدة أوامر إسرائيل بإخلاء المستشفيات، قائلة إن الإجلاء القسري للمرضى والعاملين في القطاع الصحي يفاقم الكارثة الإنسانية والصحية الحالية، ويهدد حياة المرضى في وحدات الرعاية المركزة، والذين يعتمدون على أجهزة التنفس الصناعي والنساء اللواتي يعانين من مضاعفات الحمل، وآخرين يواجهون تدهورا وشيكا لحالتهم الصحية أو الوفاة إذا تم إجبارهم على التحرك وحرمانهم من الرعاية الطبية المنقذة للحياة أثناء إجلائهم.

سياسة إسرائيلية لعرقلة إخلاء الجرحى والضحايا

يتعمد الاحتلال استهداف محيط المستشفيات، والطرق المؤدية إليها، لإعاقة وصول الجرحى والمرضى، ما يعرض حياتهم للخطر، كما تؤكد مصادر التحقيق العاملة في وزارة الصحة.

وتواصل طائرات الاحتلال استهداف سيارات الإسعاف، إذ بلغ عدد السيارات المستهدفة 25 سيارة، كما استشهد 12 مسعفاً وأصيب 27 آخرون بجراح مختلفة، في الأيام العشرة الأولى من العدوان، وفق إياد زقوت، رئيس اللجنة العليا للإسعاف والطوارئ في القطاع، مرجعا ذلك إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يتعمد إضعاف القدرات الميدانية لوحدات الإسعاف للقيام بمهامها في إجلاء الضحايا والجرحى.

ويتزامن هذا التصعيد ضد المستشفيات والطواقم الصحية مع انقطاع الكهرباء وأزمة شح الوقود الذي بلغ ذروته في اليوم الحادي عشر من العدوان، إذ أطلقت وزارة الصحة بقطاع غزة نداء استغاثة عاجل لكل أصحاب محطات الوقود، وكل من يتوفر لديه أي لتر من السولار بالتواصل الفوري مع وزارة الصحة عبر رقمها المجاني من أجل إنقاذ حياة الجرحى والمرضى، بحسب القدرة الذي أعلن توقف أقسام عن العمل وأخرى في طريقها للتوقف، والأمر يهدد حياة آلاف المرضى والجرحى، عدا عن نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، ونقص في الكوادر، فيما بلغت نسبة إشغال الأسرة في كافة أقسام المستشفيات 100%، وجرت إضافة أسرة ميدانية في ساحات المستشفيات.

ويصف مدير عام مجمع الشفاء الطبي الدكتور محمد أبو سلمية، الحال التي تعيشها الطواقم الطبية المستنزفة بأنها "باتت بين شهيد ومصاب وشريد".

وبحسب القدرة فإن مجموع ما قتلته قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال ثمانية أيام من عدوانها الوحشي الحالي، تجاوز ما قتلته في 51 يوماً خلال عدوان 2014، ما يؤكد أن ما ترتكبه من جرائم بحق شعبنا يرقى للتطهير العرقي.

هل تحاسَب دولة الاحتلال على جرائم الحرب؟

على مدى أيام من القصف العنيف، التجأ آلاف الغزيين إلى المشافي هربا من الغارات التي تستهدف المنازل والبنايات السكنية، معتقدين أنها أماكن آمنة لن تطالها طائرات العدو، بحسب إفادات الأهالي لمعد التحقيق أثناء جولة ميدانية.

"ولا يعد إجبار المستشفيات على الإخلاء، وتهديد حياة المرضى، مجرد انتهاك للقانون الدولي، بل جريمة حرب، تخالف المواد 15، 16، 17، 18، 19، 20، من اتفاقية جنيف الرابعة، وجميعها نصوص واضحة تتحدث عن أهمية حفاظ أطراف النزاع على المستشفيات، فالمشرع الدولي منح المستشفيات حماية خاصة، بحيث لا يجوز استهدافها، أو إخلاؤها، أو تهديد حياة العاملينفيها ، مع تجريم المساس بها، كطواقم، أو أبنية، بأي شكل من الأشكال، خاصة أن هذه المباني تحمل إشارات واضحة تحدد معالمها"، بحسب توضيح يحيى محارب، محامي مركز الميزان لحقوق الإنسان، والمختص بالقانون الدولي والإنساني.

وتنص المادة 18 من اتفاقية جنيف الرابعة على أنه: "لا یجوز بأي حال الھجوم على المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء النفاس، وعلى أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات.على الدول الأطراف في أي نزاع أن تسلم جميع المستشفيات المدنية شهادات تثبت أنھا مستشفيات ذات طابع مدني".

ويؤكد محارب أن ما يرتكب من استهداف متعمد وقتل للأطباء والمسعفين، واستهداف للمؤسسة الصحية، يصنف رجوعاً للمادتين 7 و8، من ميثاق روما المكون القانوني لمحكمة الجنايات الدولية، على أنه جرائم حرب يجب أن تُحاسب عليها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، سواء عاجلا أم آجلا، وعليه يجب التحرك وفق هذه البنود لمقاضاة قادة الاحتلال على هذه الجرائم، إلى جانب جرائم الإبادة الجماعية التي استهدفت المدنيين في غزة.

ووسط التعنت الإسرائيلي وتكرار تهديداته بقصف المستشفيات، تستمر الطواقم الطبية والإدارية المنهكة والتي تعمل دون توقف في أداء واجبها المهني ودورها الإنساني بتقديم الرعاية الطبية للجرحى والمرضى، وفق ما أكده سلامة معروف رئيس المكتب الإعلامي الحكومي، كما أعلنت وزارة الصحة  في الثاني عشر من الشهر الجاري عن فتح باب التطوع للتخصصات الطبية المختلفة، لدعم الطواقم الطبية، وكررت مناشداتها بإرسال طواقم طبية من الخارج لمساعدة طواقم غزة المنهكة والتي تعمل تحت القصف.

ذات صلة

الصورة
جهود إنقاذ بأدوات بدائية في شمالي غزة (عمر القطاع/فرانس برس)

مجتمع

تتواصل العملية العسكرية الإسرائيلية البرية في محافظة شمال غزة مخلفة مئات الشهداء والمصابين، فضلاً عن تدمير عشرات المنازل، وإجبار الآلاف على النزوح.
الصورة
آلية عسكرية إسرائيلية قرب حدود قطاع غزة، 6 أكتوبر 2024 (ميناحيم كاهانا/فرانس برس)

سياسة

شهر أكتوبر الحالي هو الأصعب على إسرائيل منذ بداية العام 2024، إذ قُتل فيه 64 إسرائيلياً على الأقل، معظمهم جنود، خلال عمليات الاحتلال في غزة ولبنان والضفة.
الصورة
فرق الدفاع المدني في غزة/2 أكتوبر 2024(الأناضول)

مجتمع

أعلن جهاز الدفاع المدني في غزة، مساء الأربعاء، توقف عمله بالكامل في محافظة شمال القطاع، مشيراً إلى أن الوضع الإنساني هناك بات كارثياً.
الصورة
واجهة زجاجية مهشمة في إحدى غرف مستشفى بيروت الحكومي (حسين بيضون)

مجتمع

تواجه المستشفيات في لبنان تهديدات إسرائيلية تذكر اللبنانيين بما شهدوه في قطاع غزة على الشاشات، ويسعى المعنيون إلى مناشدة المسؤولين الدوليين لتحييدها