استمع إلى الملخص
- **الدعم المالي والعسكري الأميركي لإسرائيل**: تقدم الولايات المتحدة دعماً مالياً وعسكرياً ضخماً لإسرائيل، بما في ذلك 3.3 مليارات دولار سنوياً كمساعدات عسكرية و500 مليون دولار لأنظمة الدفاع الصاروخي، وتستخدم الفيتو لحماية إسرائيل في مجلس الأمن.
- **تراجع صورة الولايات المتحدة في العالم العربي**: أدى دعم الولايات المتحدة لإسرائيل إلى تراجع شعبيتها في العالم العربي وزيادة الدعم للصين، مما يعكس خيبة أمل العرب من السياسات الأميركية.
ربما كان الاصطفاف الأميركي الإسرائيلي في الحرب الدائرة على قطاع غزة من دون مواربة وبكل فجاجة، وما نتج عنه من دعم علني وخفي على مدار الساعة لمجازر جيش الاحتلال، أكبر خسائر استراتيجية واشنطن للتمدد عالمياً عبر استخدام قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان أداة للهيمنة واكتساب المزيد من النفوذ بالضغط على "المستبدين والمتورطين في جرائم الحرب"، فالإدارة "الديمقراطية" تدير عملياً دفة المعارك سياسياً وعسكرياً وإعلامياً واقتصادياً، من دون اعتبار لدورها "قائدة للعالم" كما يصف مسؤولوها بلادهم، بينما الحقيقة أنها أصبحت "زعيمة تحالف أو فصيل" غربي (ظاهرياً على الأقل)، يتكون من دول متورطة في جرائم حرب وإبادة جماعية، ولا حاجة للتذكير بتاريخ وحاضر لا تزال آثارهما شاهدة، على تكرار التلاعب بمبادئ ما يعرف بـ"الشرعية الدولية" من أجل خدمة الإبادة في غزة ومواجهتها في أوكرانيا.
لا تهتم أميركا بإخفاء مشاركتها في الحرب، وصار الأمر "على عينك يا تاجر" كما يقول المصريون عمن لا يكترث بالمحاسبة ولا بالعقاب، إذ شارك الرئيس جو بايدن ووزير دفاعه أوستن وحتى وزير خارجيته بلينكن في جلسات مجلس وزراء الحرب الإسرائيلي، حتى أنهم تحدثوا عن طبيعة الخطط والعمليات الحربية قبل نتنياهو في بعض الأحيان، كما أرسلت واشنطن ألفي جندي إلى المنطقة وفريقاً مختصاً في حرب المدن، وقبلهم حاملات الطائرات التي تظل تأتي وتذهب برفقة مجموعات السفن الحربية والغواصات، كما تنفذ على مدار الساعة طلعات جوية بالتعاون مع بريطانيا وألمانيا وفرنسا لجمع المعلومات الاستخبارية ومراقبة الاتصالات أي التجسس على المقاومة.
وبينما تقدم أميركا لدولة الاحتلال مساعدات عسكرية سنوية بقيمة 3.3 مليارات دولار أميركي، من أجل ضمان التفوق النوعي لها على محيطها، أضافت إليهم 500 مليون دولار أخرى سنوياً ولمدة عشرة أعوام دعماً لأنظمة الدفاع الصاروخي المعروفة بـ"القبة الحديدية"، والتي عمدت إلى تفعيل نسخة سياسية منها في مجلس الأمن من أجل إفشال كل محاولات وقف الحرب عبر ممارسة حقّ النقض (الفيتو) الذي تضعه في خدمة الاحتلال ومتطرفيه، حتى أنها استخدمته لمنع صدور قرار يفتح الباب أمام منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، والأنكى من ذلك ممارسة البلطجة وتهديد المنظمات الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية ورئيسها بعقوبات قاسية، لمنعها من إصدار مذكرات اعتقال دولية بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين.
إلى جانب الدور "الحكومي" شاركت المؤسسات الإعلامية "الخاصة" في الحرب وتخلت عن قيم المصداقية والدقة والتوازن بكل بساطة إلى درجة أن مؤسسات عريقة مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست تبنت وروجت من دون تدقيق سرديات الاحتلال التي ثبت كذبها إسرائيلياً حتى، مثل الاغتصاب وحرق الأطفال.
إذن، بدون الدعم الأميركي المتواصل مادياً ومعنوياً لم تكن المجزرة لتتلو الأخرى من دون اكتراث وعلى الهواء مباشرة، وأحدثها "مجزرة الفجر" التي وقعت في مدرسة التابعين وراح ضحيتها 100 شهيد أكثرهم من الأطفال والنساء، وبالتأكيد تمت عبر السلاح الأميركي، والقنابل "الذكية" تحديداً، والتي لفرط تقدمها وصناعتها الفائقة لا تستهدف غير النساء والأطفال، إذ بلغ عدد من قتلتهم ضمن هذه الفئة فقط 27 ألفاً و377 من الشهداء والشهيدات، يضاف إليهم 4700 امرأة وطفل مفقودين ولا يعرف أحد أين هم حتى اليوم، أي بنسبة 80% من إجمالي الضحايا وفق ما جاء في بيانات الجهاز المركزي للإحصاء في فلسطين.
تعرف واشنطن جيداً أن قنابلها تستخدم ضد المدنيين، وأكد الرئيس بايدن الأمر في حديثه خلال مقابلة مع برنامج "Erin Burnett OutFront" في شهر مايو/أيار الماضي، ووقتها وعد بعدم تزويد إسرائيل بالأسلحة في حال شنها هجوماً على رفح، فماذا كانت النتيجة؟ فعلت دولة الاحتلال عكس كل ما قاله بايدن وإدارته، وسرعان ما جاء الرد بالمزيد من المكافآت ومنح الاحتلال كل ما يحتاجه وأكثر لقتل المزيد من المدنيين فجراً وصباحاً ومساءً، بينما تمنحنا واشنطن رطانة "الشعور بالقلق"، وحتى هذه لا تحتمل أن تمررها كما هي، لذا ومن باب "التوازن" تعود مباشرة لتحميل من تسميهم "المسلحين مسؤولية الوجود في أماكن المدنيين".
والنتيجة أن صورة واشنطن بعد الحرب ليست كما قبلها، وما كان رأياً في الماضي حول عدم جدوى الانخراط في أي محادثات برعاية أميركية، أصبح واقعاً معاشاً، تكشفه ردود أفعال إدارة بايدن على المذابح اليومية في القطاع، بينما يفترض أنها أكثر تقديراً لقيم حقوق الإنسان بالمقارنة مع الإدارات الجمهورية السابقة، لا سيما إدارة ترامب، وهو ما أدى إلى ما يصفه البارومتر العربي (شبكة بحثية مستقلة) بـ"خسارة أميركا للعالم العربي بينما الصين تحصد المكاسب"، بحسب نتائج استطلاع رأي تم الإعلان عنها في يونيو/حزيران الماضي، بعد المقارنة مع بيانات عام 2022، إذ كانت مواقف الرأي العام العربي قد تحسنت إلى حد ما وقتها، وأصبح ثلث المبحوثين على الأقل، في جميع الدول التي استطلع الباروميتر العربي آراء الناس فيها تقريباً، يؤكدون أنهم يحملون آراء "إيجابية للغاية" أو "إيجابية إلى حد ما" تجاه الولايات المتحدة الأميركية، لكن الاستطلاعات التي أجريت في خمس دول عربية أواخر 2023 ومطلع 2024 تُظهر أن مكانة الولايات المتحدة الأميركية في أعين المواطنين العرب قد تراجعت إلى حد كبير. وثمة استطلاع رأي أُجري جزء منه في تونس قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، وجزء آخر بعد ذلك التاريخ، يُظهر بوضوح أن هذا التحوّل في الآراء جاء رداً على الأحداث في غزة.
ولعل الأكثر إثارة للدهشة أن الاستطلاعات أوضحت أيضاً أن ما فقدته الولايات المتحدة الأميركية من شعبية ربحته الصين. فآراء المواطنين العرب إزاء الصين تحسّنت في الاستطلاعات الأخيرة، بعد نصف عقد تقريباً من الدعم الضعيف للصين في العالم العربي، كما ذكر القائمون على الاستطلاع، وهو أمر منطقي، وربما لو شملوا روسيا كذلك لن يجدوا فارقاً كبيراً في النتائج بين صورة موسكو وبكين عربياً، والفضل يعود إلى إدارة بايدن التي قلصت الفوارق بينها وبين خصميها اللذين تتهمهما بالقسوة وارتكاب الفظائع والتورط في أعمال الإبادة الجماعية، وهو ما تكرره يومياً، وإلا فبماذا تسمى مشاركتها في الحرب على أهالي غزة إن لم تكن كذلك!