مالك عقار... من حرْق علم السودان إلى الدفاع عنه

04 يونيو 2024
يجمع عقار بين خبرتي العمل العسكري والسياسي (وسائل التواصل)
+ الخط -
اظهر الملخص
- مالك عقار، بدأ كمدرس ثم تحول إلى متمرد في 1985، وقاد نضالًا طويلًا مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، وتدرج في القيادة من مقاتل إلى مفاوض رئيسي، مما أدى إلى توقيع اتفاق السلام الشامل في 2005 وتوليه مناصب حكومية.
- أصبح رئيسًا للحركة الشعبية - شمال، ولعب دورًا محوريًا في المفاوضات وتمرد ضد البشير، مما أدى إلى توقيع اتفاق جوبا للسلام في 2020 وتعيينه نائبًا لرئيس مجلس السيادة، مما جعله الرجل الثاني في البلاد.
- يحمل عقار آمال تحقيق دولة الحرية والعدالة في السودان، مواجهًا تحديات إدارة الصراعات الداخلية وضرورة الدفع نحو الانتقال الديمقراطي، مع التأكيد على أهمية مشاركة العسكريين والمدنيين لضمان مستقبل أفضل للبلاد.

تختزل أعوام الحياة العسكرية والسياسية للرفيق مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، كثيرا من تعقيدات المشهد الدائر في الخرطوم وفرص حلحلته كذلك، فالمدرس السابق بدأ تمرده مبكرا منذ عام 1985 الذي شهد انقلابا عسكريا كذلك في 6 إبريل/نيسان 1985، بقيادة وزير الدفاع المشير عبد الرحمن سوار الذهب ضد حكومة الرئيس جعفر نميري، وواصل عقار بعدها تدرجه القيادي داخل المعارضة المسلحة التي تزعمتها الحركة الشعبية لتحرير السودان برئاسة جون قرنق، ومن ثم قاد معارك عدة ضد حكومة الرئيس عمر البشير في إقليم النيل الأزرق المهمش، ثم كان أحد أبرز المفاوضين، إلى أن تم توقيع اتفاق السلام الشامل مع الحركة الشعبية في عام 2005، وتولى منصب وزير الصناعة، ومن ثم عيّن حاكماً على مسقط رأسه في إقليم النيل الأزرق، في إبريل 2010، بعد فوزه في الانتخابات المحلية، لكنه عاد مرة ثانية إلى المعارضة المسلحة بعد اندلاع الصراع بين قواته والجيش السوداني في سبتمبر/أيلول 2011.

وعقب عدة انشقاقات أصبح عقار رئيسا للحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال، ليكمل المرحلة الثانية من تمرده حتى قيام الثورة ضد الرئيس البشير في إبريل 2019، ويشارك مرة ثانية في المفاوضات، لكن هذه المرة مع المجلس العسكري الانتقالي، ليوقّع اتفاق جوبا للسلام في أكتوبر/تشرين الأول 2020، ويصبح عضوا في مجلس السيادة، إلى أن تمرد نائب رئيسه السابق محمد حمدان دقلو الذي على خلاف عقار بدأ من قلب الدولة ثم تمرد عليها، ليحل عقار مكانه ويصبح حاليا الرجل الثاني في البلاد.

في طوره الأول بدأ عقار مساره السياسي متمردا ثم تحول إلى رجل دولة حظي بمناصب قيادية في الصف الثاني، ليعود مرة ثانية إلى التمرد، لكنه هذه المرة وصل إلى الصف الأول بعدما صار ثاني اثنين يديران البلاد، التي كلما انسدت فرص العمل والتغيير السياسي السلمي فيها يجري فتحها عبر فوهات البنادق.

الفرصة الآن أمام السيد النائب كما صار ينادى ليحقق أحلام وآمال المتمرد السابق في دولة الحرية والعدالة، إذ إن أزمة السودان الحقيقية أعمق من صراع الجيش والدعم السريع، باختصار هي معضلة الدولة الوطنية العربية، احتكار للسلطة والثروة في عواصم يتوفر فيها كل شيء، بينما لا تدري أو لا تريد أن تدري أي شيء عما يجري في أطراف البلاد، إلا لو هدد هذا الأمر استمرار تمتعها بمزايا لا تتوفر لبقية الشعب، ولعل هذا ما أدركه عقار الذي ولد في عام 1952 بمدينة باو بولاية النيل الأزرق، منحدرا من عرقية "الأنقسنا"، التي بالتأكيد لم يحلم أبناؤها أن يصبح أحدهم رئيسا للسودان يوما ما.

المؤسسة العسكرية متداخلة بالتأكيد مع المشهد الجاري بمشاركة عقار وعدد من رفاق التمرد السابقين الذين يدعمون فكرة نظرية مفادها أنه لا توجد ديمقراطية أو دولة يمكن أن تقوم على يد حكم أسرة دقلو، وأن دولة 56 (عام الاستقلال) بكل أخطائها وخطاياها أفضل من مليشيا الجنجويد التي صنعتها لتحاربهم بها، وهو منطق سليم لكون تلك المؤسسة قوة متماسكة ذات ثقل وكبرياء، إلا أنها معادية للديمقراطية والسياسة والسياسيين بطبيعتها، فالعسكر لا يصوتون قبل خوض معاركهم ولا يمكنهم ذلك، وليس لديهم سوى طريقة واحدة لإدارة خلافاتهم، ومن ثم ينبغي على عقار ورفاقه الدفع باتجاه خريطة طريق حقيقية تضمن الانتقال الديمقراطي من الآن، وليس بعد انتهاء الحرب لتمنع تكرار أخطاء الدولة ومؤسستها الأثيرة التي يدفع السودانيون ثمن خطاياها من دمائهم وممتلكاتهم، ولعل هذه اللحظة تفرض على العسكريين التفكير في مسؤوليتهم عما يجري بأمانة وتجرد، فهم من خلقوا الوحش وربوه وساعدوا في نموه داخل مفاصل الدولة السودانية، وبالدعم السريع حكموا وكذلك انقلبوا، ولا يمكن أن يعيدوه إلى سيرته الأولى ليتمرد مرة ثانية أو يبتلع ما تبقى من شكل الدولة.

خريطة الطريق هذه بالتأكيد لا يمكن أن تكون مدنية خالصة، لا بد من مشاركة العسكريين ووضعهم أمام مسؤولياتهم وتحديد دورهم المستقبلي برضاهم بعد نقاشات موضوعية مع سياسيين مثل عقار، جمعوا بين العمل العسكري والإداري السياسي، وكذلك مثقفين وتكنوقراط حتى يجنبوا البلاد خطر التحول إلى دولة فاشلة والذي صار أقرب من أي وقت مضى، فالسلطة القائمة تفقد قدرتها على السيطرة الفعلية على أراضيها وقبل ذلك احتكارها لحق استخدام العنف المشروع وتعجز عن توفير الحد المعقول من الخدمات العامة والوفاء بواجباتها تجاه مواطنيها، وهو أمر يرعب ليس السودانيين وحدهم فحسب بل الإقليم كله، خصوصاً في منطقة القرن الأفريقي التي تعاني دولها من الإرهاب والنزاعات العرقية والحروب الأهلية، وبالتأكيد لا ينقص العالم دولة جديدة من هذا النوع.

الأمل كبير في عدم ضياع الثمن الباهظ الذي تدفعه البلاد من أجساد أبنائها ومواردها، في حال رأى السودانيون هذه المرة ضوءا حقيقيا في آخر نفق الحرب التي لم تتوقف منذ عام الاستقلال عبر تحديد شكل العلاقة بين السلطة والمجتمع والجيش والدولة والمركز والهامش، ووضع أسس مشاركة للثروة والسلطة ينص عليها في خطة لسودان جديد لا تنقصه الموارد الاقتصادية ولا العقول البشرية، لكنه منكوب بتضييع الفرص وتدمير مكتسباته والعودة إلى الوراء كلما انتعشت آمال أبنائه في التغيير.

والتعويل على عقار دون سواه من قادة الحركات المسلحة، لا ينطلق من فراغ، فالمتمرد الذي حرق علم السودان في عام 1997 (يمين الصورة) ليس هو رجل الدولة الذي يدافع اليوم عنه (يسار الصورة)، إذ عركته حروب ومفاوضات ومناصب ، جعلته يصر وينجح قبل غيره في إكمال دمج دفعات من قواته في الجيش، وجرى تسليم الدفعة الأولى في أواخر يناير/كانون الثاني 2023 لقيادة الفرقة الرابعة التي سبق أن حاربها في مدينة الدمازين بالنيل الأزرق، وهؤلاء يقفون اليوم مع الجيش في الخندق ذاته ضد التمرد الدائر.