لم تنجح خطط مواجهة العنصرية المؤسسية المتفشية في الشرطة البريطانية، بسبب ضعف الإجراءات القانونية بحق المتجاوزين، والتستر عليهم، ما زاد من جرائم الكراهية وحالات استهداف رجال تطبيق القانون أنفسهم على أيدي زملائهم.
- رصدت المحققة الخاصة ومديرة المباحث السابقة في شرطة "سكوتلاند يارد"، شابنام تشودري، سلوكيات التمييز والعنصرية داخل مؤسسة الشرطة خلال عملها الممتد على مدار 30 عاما، "ولم تتغير الأمور كثيرا في الوقت الراهن، على الرغم من إجراءات نتجت منها إقالة ضباط أو إحالتهم إلى مجالس تأديبية بسبب سلوكيات تعكس الكراهية والعنصرية" وفق ما تؤكده الشرطة البريطانية، لذلك تعتقد بأن "الطريق ما تزال طويلة أمام شرطة العاصمة (لندن) لمحاربة العنصرية".
و"إذا كانت مظاهر العنصرية يعاني منها ضباط الشرطة من السود والآسيويين ممن يتعرّضون إلى إجراءات ضبط وتحقيقات أكثر بكثير من زملائهم البيض، فكيف يكون وضع باقي أفراد المجتمع"، كما تضيف تشودري.
ضعف الخطط الحكومية
تصنف أعمال العنف أو العداء التي تستهدف الأشخاص بسبب الهوية أو العرق أو الدين أو المعتقد أو الهوية الجنسية، ضمن جرائم الكراهية والتي تطورت قوانين مواجهتها في إنكلترا وويلز على مراحل مختلفة على مدار العقدين الماضيين، ويعترف القانون الجنائي حاليا بخمس خصائص محمية تشمل العرق والدين والجنس والعجز (الإعاقة) بالإضافة إلى حالة المتحولين جنسيا، وفق ما جاء في ورقة استشارية أطلقتها الهيئة القانونية المستقلة لإصلاح القانون في 23 سبتمبر/أيلول 2020.
ويُعدّ تقرير ماكفيرسون الصادر في 24 فبراير/شباط 1999، من أهم الوثائق ذات الدلالة في تاريخ العدالة الجنائية، وخاصة الخطط الحكومية الهادفة إلى تغيير الطريقة التي تتعامل بها الشرطة مع الجرائم ذات الدوافع العنصرية، إذ كشف بالوثائق عنصرية مؤسسة الشرطة خلال التحقيق في جريمة قتل الشّاب الأسود ستيفن لورانس في 22 إبريل/نيسان 1993، على أيدي مجموعة من الشباب البيض، وفق ما جاء في الخطة الحكومية للتصدي لجرائم الكراهية لعام 2012، والتي أكدت أنه شكل حافزا للتغيير والاعتراف بجرائم الكراهية وخلق آليات للتصدي لها بالتعاون مع وكالات العدالة الجنائية والسلطات المحلية ومنظمات القطاع التطوعي، لكن سلوكيات أفراد الشرطة العنصرية لم تتقلص رغم ذلك، إذ تم الإبلاغ عن أكثر من 100.000 جريمة كراهية ارتكبها أفراد الشرطة في إنكلترا وويلز بين عامي 2018 و2019. وفق ورقة بحثية صادرة عن الهيئة القانونية المستقلة بعنوان EasyRead version of: Hate Crime Consultation.
وتحذّر إيمان أبو عطا، مديرة جمعية "Tell Mama" (مؤسسة داعمة لضحايا جرائم الكراهية والعنصرية)، من تمادي الشرطة في عنصريتها بسبب ما عزمت عليه وزيرة الداخلية بريتي باتيل، بمنع الشرطة من تسجيل السلوكيات التي تنم عن الكراهية طالما لم تصل إلى حد الجريمة، وألغت في إبريل الماضي التعليمات التي تنص على تسجيل المتهمين بارتكاب حوادث غير جنائية في ملفات الشرطة، بسبب مخاوف من أن تعيق هذه السياسة توظيف الأشخاص، لأن وجود شكوى عنصرية في ملف الفرد وإن لم يدن بها قد تحرمه من فرصة العمل، كونها تظهر في سجلاته على النظام لمدة 6 سنوات.
1046 شكوى متعلقة بسلوكيات الشرطة العنصرية سُجلت عام 2020
العنصرية المنهجية والمؤسسية قائمة
يؤكد التقرير الصادر في 2 يونيو/حزيران 2020 عن تحالف العدالة الجنائية المكون من 160 منظمة تعمل من أجل نظام عدالة جنائية عادل، أن العنصرية المنهجية والمؤسسية قائمة حتى اللحظة داخل الشرطة البريطانية ونظام العدالة الجنائية، ما يعد "أمرا مقلقا". وهو ما يؤكده الرد المكتوب الذي تلقته "العربي الجديد" من بيتر ديفي، من قسم الإعلام والاتصال في شرطة العاصمة بأن الشكاوى المسجلة بسبب سلوكيات الشرطة العنصرية آخذة بالارتفاع، وتشكل الشكاوى ذات الطابع العرقي ما نسبته 3 إلى 4% من إجمالي الشكاوى المسجلة عام 2020.
وتظهر البيانات المتعلقة بالشكاوى ذات الخلفية العنصرية التي رفعها عامة الناس ضد أفراد الشرطة خلال العشر سنوات الماضية، والتي رصدتها "العربي الجديد" عبر نظام سنتوريون المباشر (live centurion system) في الفترة بين الأول من يناير/كانون الثاني 2011 وحتى 31 ديسمبر/كانون الأول عام 2020، زيادة بمقدار 413 شكوى عن عددها في عام 2011، إذ بلغت حينها 633، ووصلت إلى 1046 عام 2020، وبلغت سلوكيات الشرطة العنصرية الموثقة 71 حالة عام 2020 بزيادة 27 حالة جديدة عن عام 2011، وبالنسبة للعقوبات التي اتخذت بحق أفراد الشرطة نتيجة سلوكياتهم العنصرية شهد عامي 2013 و2014 أكثر حالات الفصل دون إنذار بواقع 5 حالات في كل عام، ووصل عدد التحذيرات النهائية المكتوبة إلى أقصاه عام 2012، حيئذ صدر 18 تحذيرا.
وتكشف بياتريس كول، المسؤولة الإعلامية في المكتب المستقل لسلوك الشرطة البريطانية (المسؤول عن معالجة الشكاوى المقدمة ضد قوات الشرطة في إنكلترا وويلز) عن مخاوف بشأن الطريقة التي حقّقت بها شرطة العاصمة في مزاعم العنصرية والشكاوى بشأن التمييز العنصري، خاصة أن غالبية الشكاوى ضد أفراد الشرطة قد حقّقت بها قوات الشرطة نفسها، والتي تتخذ عادة إجراءات إدارية أو رسمية مثل إحالة الموظف إلى التقاعد أو إقالته أو إحالته إلى مكتب السلوك المستقل للتحقيق وأحيانا لا تتخذ أي إجراء، كما تقول لـ "العربي الجديد".
وبلغ عدد القضايا المتعلقة بسلوكيات عنصرية أحالتها الشرطة إلى المكتب المستقل لسلوك الشرطة 44 قضية عام 2020، بينما بلغ عدد شكاوى الناس التي أحيلت إليه في العام ذاته 81 شكوى، لكن القضايا التي اتخذ المكتب إجراءات رسمية أو إدارية بشأنها لم تتجاوز 5 قضايا عام 2020، وكان مجموعها صفرا بالنسبة للشكاوى المقدمة من عامة الناس.
الفئات الأكثر عرضة للتمييز
تثبت بيانات التقرير الذي نشرته مفتشية جلالة الملكة للشرطة وخدمات الإطفاء والإنقاذ (HMICFRS) في 26 فبراير/شباط 2021 بعنوان "الاستخدام غير المتناسب لسلطات الشرطة - تسليط الضوء على عمليات الإيقاف والتفتيش واستخدام القوة"، أن اللجوء إلى التفتيش واستخدام القوة يتزايد مع السود والآسيويين والأقليات العرقية، إذ كان الأشخاص السود أكثر عرضة لاستخدام القوة ضدّهم بحوالي 5.7 مرات عن الأشخاص البيض، وانخفض عدد مرات الإيقاف والتفتيش بشكل عام من أعلى مستوى تاريخي له عند 1.2 مليون عام 2010 /2011 وحتى 280 ألفا في عام 2017 /2018، ثم ارتفع بشكل مطرد إلى 558.973 في عام 2019 /2020. حتى أنهم كانوا الأكثر عرضة لتوقيف مركباتهم من قبل شرطة المرور بلا أي مبرر وفق التقرير ذاته.
حققت شرطة لندن في 22 شكوى فقط من أصل 1368 حالة تمييز عنصري
من جانبها، تقول تشودري إنها كانت تسمع الكثير من التعليقات المسيئة للنساء المسلمات في دائرة العمل، مؤكدة أن الناس يستهدفون عادة بسبب لون بشرتهم وعرقهم أو بسبب الدين. معتبرة أن ادعاء شرطة العاصمة بأنها تأخذ جميع الادعاءات المتعلقة بجرائم الكراهية والعنصرية على محمل الجد يخالف الواقع وحقيقة الأمور، هذا ما تؤكده أبو عطا بأن الشرطة لم تكن تأخذ في الماضي هذه الجرائم على محمل الجد، مبينة أنّ الشكاوى التي تصل إليهم حاليا تتعلق غالبيتها بجرائم كراهية ضد المسلمين بالتحديد، ومنها الحالة التي أبلغ عنها شخصيا، في 22 يونيو الماضي بعد رؤيته كتابات عنصرية معادية للمسلمين وتحط من قدر النبي محمد في موقعين غرب لندن فأبلغ الجمعية والتي أبلغت بدورها الشرطة.
وخلال جائحة كورونا، ازدادت عمليات التوقيف والتفتيش التي ركزت إلى حد كبير، على أفراد المجتمع الأسود الذين عانوا من تلك الإجراءات بمعدل 4 أضعاف عن نظرائهم البيض، إذ سجلت شرطة العاصمة 98280 عملية إيقاف وتفتيش في غضون ثلاثة أشهر من إجراءات إغلاق البلاد بسبب جائحة كوفيد-19، لكنّها لم تتخذ أي إجراء ضد 79% من الأشخاص الذين قامت بتوقيفهم، واعتقلت 10 %. بحسب التقرير الصادر عن "تحالف العدالة الجنائية"، والذي يحذّر أنّ مثل هذا الاستخدام المفرط للسلطات يكرس انعدام الثقة ويلحق الضرر بالشرعية العامة وكفاءة عمل الشرطة.
تكتم الشرطة على المخالفات
حققت شرطة العاصمة رسميا في 22 شكوى فقط من أصل 1368 شكوى عامة أو ادعاءات مرتبطة بسلوكيات التمييز العنصري استلمتها في الفترة الواقعة بين 1 يوليو/تموز 2015 و30 يونيو/حزيران 2020، بحسب الرد المكتوب من مكتب وحدة حقوق المعلومات في شرطة العاصمة على "العربي الجديد". موضحا اتخاذ 10 إجراءات إدارية بعد التحقيقات، و10 إجراءات رسمية، وإجراءين تمثلا بالتقاعد أو الاستقالة، وهناك 10 حالات لم يتخذ فيها أي إجراء.
ويبين رد مكتب وحدة المعلومات أن شرطة العاصمة أحالت إلى المكتب المستقل لسلوك الشرطة 480 من ضباط وأفراد الشرطة المتهمين بسلوكيات عنصرية في 436 قضية في الفترة ذاتها، لكنه رفض توضيح أنواع جرائم العنصرية والكراهية المسجلة التي ارتكبها أعضاء الشرطة بذريعة الحفاظ على المعلومات الشخصية بموجب المادة S.40(2) من قانون المعلومات.
لكن الوحدة تؤكد أنها تأخذ الادعاءات من هذا النوع على محمل الجد، وأنّه لا مكان للعنصرية داخل المؤسسة، وخاصة أن مديرية المعايير المهنية تحقق في هذه الشكاوى، وإن اقتضت الحاجة تحيلها إلى المكتب المستقل لسلوك الشرطة والذي يحقّق بها بشكل مستقل، وتعلق المسؤولة الإعلامية في المكتب المستقل لسلوك الشرطة بأن دوره يقتصر على إجراء التحقيقات وتقديم توصيات تنظيمية، موضحة أن المكتب يبذل مجهودا كبيرا لتحديد الاتجاهات والأنماط التي تساعد في إحداث تغيير حقيقي في ممارسات العمل، من خلال التحقيق بشكل مستقل في الحالات التي قد يكون فيها التمييز العنصري قائما، لكن دوره ليس تحديد ما إذا كانت قوات الشرطة مؤسسة عنصرية أم لا.