شبكات الإسلاموفوبيا الأميركية... تغيير تكتيكي في التوجهات وبحث عن حلفاء جدد

13 فبراير 2022
"العمل من أجل أميركا" أخطر منظمات الإسلاموفوبيا (Getty)
+ الخط -

فقدت شبكات الإسلاموفوبيا الأميركية بخسارة دونالد ترامب دعماً ونفوذاً مؤثرين في البيت الأبيض، ما دعاها لتغيير تكتيكي في توجهاتها من دون إغفال هدفها، بينما تتوسع أفقياً عبر المسؤولين المنتخبين على مستوى الولايات.

- تتلقى الأميركية من أصول ليبية أبرار عميش رسائل سب وأخرى تدعوها للاستقالة من عضوية مجلس إدارة المدارس العامة في مقاطعة فيرفاكس بولاية فرجينيا، بل وحتى لمغادرة أميركا، بالإضافة إلى تهديدات من أفراد مناهضين للإسلام.

ويُخضع هؤلاء الأشخاص خطاباتها الموجهة لتلاميذ المدراس للتأويل ويترصدون كل كلمة وحتى حركة يدها أثناء عزف النشيد الوطني الأميركي، وحين تتصاعد الأحداث بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، تتحرك الآلة الدعائية التابعة لهم في محاولة لاستهدافها بادعاءات غير صحيحة بأنها معادية للسامية، كما تقول لـ"العربي الجديد"، معبرة عن خشيتها من التغذية السياسية المستمرة لحالة الإسلاموفوبيا والاستثمار فيها عبر شبكات وسياسيين مقربين ومنتمين للحزب الجمهوري.

الصورة
تحقيق أميركا
أبرار عميش (يمينا) بين أعضاء مجلس مدارس مقاطعة فيرفاكس (موقع : Fairfax County Public Schools)

ما وقع لعميش جزء من حالة استهداف متعمدة، كما يوضح نهاد عوض، المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأميركية الإسلامية CAIR (تأسس عام 1994 للدفاع عن الحقوق المدنية)، كاشفا عن تلقي 500 شكوى متعلقة بجرائم الكراهية والتحرش والتنمر في المدارس والتمييز وخطاب الكراهية وحوادث مناهضة للمساجد، خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني وحتى يونيو/ حزيران الماضي.

72 منظمة مناهضة للإسلام في أميركا

يتتبع خالد بيضون، أستاذ القانون بجامعة وين ستيت في مدينة ديترويت بولاية ميشيغان، الأفكار التي تروجها شبكات الإسلاموفوبيا، إذ تعتمد على "ادعاء تنميطي تعميمي مفاده أن المسلمين يريدون تدمير الديمقراطية الأميركية والثقافات الغربية، وأن الإسلام والمسلمين غير مناسبين للحياة المتطورة في الغرب الحر، لأنهم متخلفون وعنيفون"، ويقول: "جماعات مناهضة الإسلام صارت أكثر عنفا وعدائية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، والمشكلة أن قوانين مثل باتريوت آكت وبرامج مكافحة التطرف العنيف، دعمت انتهاكات خطيرة مثل توسيع مراقبة المسلمين والعرب داخل الولايات المتحدة".

وتصاعد عدد المنظمات المناهضة للإسلام في الولايات المتحدة حتى وصل في عام 2017 إلى رقم قياسي قدر بـ 114 منظمة، كما يقول مارك بوتوك، وهو زميل أول بمركز تحليل اليمين الراديكالي، بينما كشف آخر تقرير صادر عن مركز قانون الحاجة الجنوبي The Southern Poverty Law Center، في فبراير/ شباط 2020، عن وجود 838 جماعة كراهية في الولايات المتحدة، 72 منها مناهضة للإسلام.

وحظيت أكبر مجموعة كراهية معادية للمسلمين في البلاد، هي Act For America، باهتمام البيت الأبيض في عهد ترامب، والذي التقى برئيسة ACT بريجيت غابرييل في مناسبتين موثقتين على الأقل خلال عام 2020.

72 جماعة كراهية مناهضة للإسلام في الولايات المتحدة الأميركية

وتصنف The Anti-Defamation League، أو رابطة مكافحة التشهير، Act For America كأكبر جماعة مناهضة للإسلام، إذ تضم 750 ألف عضو وتملك مئات الفروع المحلية، وأسستها اللبنانية حنان قهوجي، التي حولت اسمها إلى نور سمعان، بعدما انتقلت من لبنان إلى دولة الاحتلال ثم إلى الولايات المتحدة الأميركية عام 1989، حيث غيرت اسمها مرة أخرى بعد حصولها على الجنسية الأميركية لتصبح بريجيت غابرييل، ويصف تقرير مركز قانون الحاجة الجنوبي Act بأنها "أكبر مجموعة كراهية في أميركا معادية للإسلام".

الصورة
تحقيق أميركا 2
بريجيت غابرييل (Getty)

ويتم ترويج المواقف والسياسات المعادية للإسلام من قبل مجموعات المصالح الخاصة والتي لديها مصادر تمويل كبيرة، وتعرف هذه المجموعات اللامركزية من الجهات الفاعلة باسم "شبكة الإسلاموفوبيا"، وهي عائلة متماسكة من المنظمات والأفراد الذين يتشاركون في أيديولوجية العداء المتطرف ضد المسلمين، ويعملون بعضهم مع بعض للتأثير سلبًا على الرأي العام وعلى سياسة الحكومة بشأن المسلمين والإسلام، وفق تقرير "رهاب الإسلام 2019" الصادر عن مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية.

ويكشف التقرير عن توجيه ملايين الدولارات إلى الجماعات المعادية للإسلام، إذ تلقت 125 مليون دولار أميركي خلال الفترة من 2014 وحتى 2016، ويوضح أن تلك الأموال تدفقت من ألف مؤسسة إلى 39 جماعة معادية للمسلمين.

الصورة
باميلا جيلر
باميلا جيلر (Getty)

لكن الأميركية باميلا جيلر، رئيسة منظمة أوقفوا أسلمة أميركا، والتي تنشط ضمن شبكة الإسلاموفوبيا، تنفي وجود عنصرية وتمييز واستهداف للمسلمين، وتقول لـ"العربي الجديد": "الإعلام الأميركي يتحدث عن المسلمين بإيجابية مفرطة تصل إلى حد تجاهل الدعوة للجهاد". وتضيف جيلر، المعروفة بمناصرتها لدولة الاحتلال: "إذا كنتي تبحثين عن الجماعات المناهضة للإسلام، فقد أتيت للمكان الخطأ، أنا ضد الجهاد وقهر الشريعة لحقوق المرأة وفئات أخرى. اعتقادك بأني مناهضة للإسلام تصنيف مشوه لسمعتي".

"شبكة الإسلاموفوبيا" والسلطة

تقترب أفكار جماعات الإسلاموفوبيا من وجهات نظر نافذين في الحزب الجمهوري، وفق بوتوك، الذي يقول: "ظهر ذلك جليا في اصطفاف الجمهوريين مع الرئيس السابق دونالد ترامب، ودعم حظر دخول مواطني دول ذات أغلبية مسلمة إلى الولايات المتحدة الأميركية في عام 2017".

وتتوافق توجهات تلك الجماعات مع العديد من موظفي الإدارة السابقة لترامب وأسماء بارزة في وسائل الإعلام اليمينية، مثل تاكر كارلسون، وسين هانيتي بقناة فوكس نيوز، كما يرصد بوتوك ونهاد عوض، والذي يضيف إلى قوائم الفاعلين والمؤثرين على شبكات الإسلاموفوبيا 11 شخصية جرى توظيفها بإدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، على رأسها ستيف بانون، وستيفن ميلر، ومذيعة الأخبار السابقة بقناة فوكس نيوز هيذر نويرت (المتحدثة السابقة باسم وزارة الخارجية الأميركية)، ووليد فارس، الذي عُين مستشارا للسياسة الخارجية، ومايك بومبيو وزير الخارجية السابق، وجون بولتون ومايكل فلين، وقد شغلا منصب مستشار الأمن القومي، وكيليان كونواي مستشارة ترامب، وجيف سيشنز، وسيباستيان غوركا، وفريد فليتز، في رئاسة موظفي وكالة الأمن القومي.

قوة جماعات الإسلاموفوبيا السياسية لم تضمحل بعد

وبعد رحيل ترامب تراجعت جماعات الكراهية في نهاية 2020 بنسبة 11%، من 84 إلى 72، وفق تقرير مركز قانون الحاجة الجنوبي SPLC، ورأت بعض الجماعات المناهضة للإسلام أن الأنسب سياسيا في مرحلة بايدن توسيع نطاق تركيزها من قضية واحدة إلى قضايا أوسع تتوافق مع أجندة إثارة الخوف من الصين والمهاجرين القادمين من الحدود الجنوبية والحركات المناهضة للفاشية، مثل "أنتيفا"، كما تحركت باتجاه إقامة علاقات أوثق مع المسؤولين المنتخبين على مستوى الولايات والمجتمعات بدلا من البيت الأبيض، كما تعمل على تنظيم أنشطة في أنحاء متفرقة من البلاد، بتمويل من مؤسسات الداعمين والمتبرعين الجمهوريين، بحسب كاليب كيفير Caleb Kieffer، الباحث في مركز قانون الحاجة الجنوبي، والذي يلاحظ أن تغير توجهات هذه الجماعات في الفترة الحالية لا يعني ابتعادها عن قضيتها الجوهرية المتمثلة بمعاداة الإسلام، قائلا: "يتجلى ذلك في حملات شخصيات معادية للإسلام، مثل بريجيت غابرييل (حنان قهوجي)، التي عارضت قدوم اللاجئين الأفغان بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، بدعوى أنهم يشكلون تهديدا لأمن الولايات المتحدة الأميركية".

وعلى الرغم من أن جماعات الإسلاموفوبيا لم يعد لها حلفاء في البيت الأبيض، إلا أن قوتها السياسية لم تضمحل بعد، في ظل وجود حلفاء جمهوريين بالكونغرس، على غرار السيناتور تيد كروز والنائب لوي غومرت القادمين من ولاية تكساس، وفق كيفير.

ترويج المواقف والسياسات المعادية للإسلام

تصاعد التمييز

يواجه المسلمون تمييزا في المؤسسات الأميركية أكثر من المجموعات الدينية الأخرى، إذ تكشف نتائج استطلاع "المسلم الأميركي في 2020 بين الجائحة والاحتجاجات"، والذي أجراه معهد السياسة الاجتماعية والتفاهم Institute for Social Policy and Understanding (تأسس في عام 2002)، وجرى إعلان نتائجه في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أن 44% من المشاركين قالوا إنهم تعرضوا للتمييز في المطارات، مقابل 2% من اليهود و5% من عامة الجمهور، وعند التقدم للوظائف تعرض 33% من المسلمين للتمييز، مقابل 5% من اليهود و8% من عامة الجمهور، وعند التفاعل مع سلطات إنفاذ القانون قال 31% من المسلمين إنهم تعرضوا للتمييز، مقابل 2% من اليهود و8% من عامة الجمهور، وفي خدمات الرعاية الصحية قال 25% من المشاركين المسلمين إنهم تعرضوا للتمييز، مقابل 5% من اليهود وعامة الجمهور، وقال 51% من المسلمين إنهم تعرضوا للتنمر الديني، وتجاوزت هذه الأرقام ما أعلنته المجموعات الدينية الأخرى. وبالإضافة إلى ذلك، تعرض 33% من المسلمين للتمييز في عمليات طلب التوظيف في الولايات المتحدة، في مقابل 5% من اليهود و8% من عامة الجماهير الأميركية.

وتتداخل القوانين التي تستهدف المسلمين دائما مع مسائل إصلاح قانون الهجرة ومكافحة التطرف، كما تكشف دراسة مركز قانون الحاجة الجنوبي، والذي يحصر عدد مشاريع القوانين المقدمة خلال الفترة من 2010 وحتى 2019، وتدخل ضمن هذا الإطار بـ227 مشروعا، تمت المصادقة على 22 منها في 12 ولاية، وتسهل تلك القوانين رفع دعاوى قضائية على شركات ومساجد وأئمة ونشطاء مسلمين بارزين. ويعلق نهاد عوض على ذلك بالقول: "تروج جماعات الإسلاموفوبيا لنظرية مؤامرة وهمية تحذر من خطر تطبيق الشريعة في أميركا وتستغل المشرعين لتمرير أجندتها".