تمددت مليشيات القوات الديمقراطية المتحالفة بعد مبايعة تنظيم داعش، ونمت مواردها الضريبية التي تجنيها من المزارعين وتجارة الكاكاو وصناعة الأخشاب في الكونغو، ما زاد من قدراتها العسكرية وتوسعها التنظيمي في أوغندا
- يحذّر خبير الاقتصاد السياسي في مناطق البحيرات العظمى الأفريقية، ستيرلنغ ريكر، وهو أستاذ العلوم الاجتماعية والسياسية في كلية شمال وسط ميسوري الأميركية، من خطر مليشيات القوات الديمقراطية المتحالفة ADF، على المنطقة بعدما أصبحت جزءا من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وتحولت إلى أكثر الجماعات عنفا في المنطقة، إذ تنشط حاليا في منطقة بني Beni الواقعة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وإقليم إيرومو الجنوبي وإقليم مامباسا الشرقي في مقاطعة إيتوري بالشمال الشرقي.
وتأسست مليشيات ADF في عام 1995 شرق الكونغو، بحسب الباحث الأوغندي، عبد الحكيم عبد الله نوصوبيا، المحاضر بقسم الدراسات الدينية بجامعة كيب تاون جنوب أفريقيا، مؤكدا في أطروحته "القوات الديمقراطية المتحالفة في أوغندا: حركة جهادية سلفية أم حركة سياسية محلية" الصادرة في 20 إبريل/ نيسان 2018، أن ADF تشكلت من جماعات أوغندية مناوئة للرئيس الأوغندي، يوري موسيفني (يحكم البلاد منذ عام 1986، نتيجة اندماج عدة فصائل متمردة، بما في ذلك الحركة الديمقراطية المتحالفة، والجيش الوطني لتحرير أوغندا (NALU)، وجيش تحرير أوغندا المسلم، وأعضاء مسلحين في حركة جماعة التبليغ.
وتشن المليشيات المتحالفة، هجمات إرهابية في أوغندا والكونغو المجاورة منذ عام 1996، لكن عمليات استهداف المدنيين، بلغت ذروتها في بداية عام 2015، إذ قتل 815 شخصاً في بني، خلال الفترة من أكتوبر/تشرين الأول 2014 وحتى سبتمبر/ أيلول 2018، وفق تقرير "داخل تمرد القوات الديمقراطية المتحالفة (..)"، الصادر عن مجموعة أبحاث الكونغو بمركز التعاون الدولي في جامعة نيويورك، نوفمبر/تشرين الثاني عام 2018.
صعّدت المليشيات من عمليات القتل في أوائل عام 2015
وخلال الفترة من إبريل وحتى يوليو/تموز 2021، قتل 299 مدنياً في الكونغو، ومليشيات القوات الديمقراطية المتحالفة مسؤولة عن أرواح 63% منهم، وفق التقرير الشهري رقم 46 الصادر عن مرصد تتبع الأمن في كيفو (مشروع بحثي تديره منظمة هيومان رايتس ووتش، ومجموعة أبحاث الكونغو) في أغسطس/آب 2021.
ولأول مرة قامت مليشيات ADF بتنفيذ عملية انتحارية في 28 يونيو/ حزيران الماضي في مابكانغا بمدينة بني، وفق رايان أوفاريل، محلل أول في مؤسسة بريدجواي (مختصة في مساعدة الحكومات والمنظمات غير الحكومية للتصدي لجرائم الإبادة والتطهير العرقي)، والخبير في شؤون الحركات الإسلامية بشرق ووسط أفريقيا، والذي قال لـ"العربي الجديد" إن عناصر مليشيات ADF يهاجمون المدنيين انتقاما على مواجهة الجيش لهم، ولصرف انتباه الجيش الكونغولي، وإجباره على حماية القرى بدلا من تطهير المنطقة من عناصرها".
مصدر جذب للمقاتلين الأجانب
بحلول عام 2000 أسست ADF مجتمعا أكثر تنظيما في غابات شمال شرق بني على الحدود بين أوغندا والكونغو الديمقراطية، يضم معسكرات، ومدارس ومراكز صحية ومحاكم وقوات شرطة وقوة أمن داخلي وسجوناً، وفق الباحث نوصوبيا، والذي أكد أن التهميش الاقتصادي والاجتماعي الذي مورس تجاه المسلمين في أوغندا من قبل الاستعمار وحكومات ما بعد الاستعمار، لعب دورا مهما في نشأة واستراتيجيات الجذب والتجنيد لمليشيات ADF.
ويتراوح عدد أعضاء القوات الديمقراطية المتحالفة بين 1600 و2500، بحسب تقرير لجنة مجلس الأمن المنشأة عملا بالقرار 1533 (2004) بشأن جمهورية الكونغو الديمقراطية، الصادر في أكتوبر 2014.
و"استخدمت مليشيات ADF الشبكات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في إقامة علاقات عابرة للحدود مع مجموعات عرقية مختلفة على الحدود الأوغندية الكونغولية وتبني أجندة عسكرية فعالة إلى جانب قدراتها الكبيرة على التجنيد واستخدام الموارد الطبيعية"، بحسب لندسي سكورجي بورتر، أستاذة مساعدة في العلوم السياسية بكلية هورون في جامعة ويسترن أونتاريو بمدينة لندن، مؤكدة في كتابها "دولة أفريقية على حافة الصراع: جماعة ADF المتمردة في حدود الكونغو "، والذي يصدر في يناير/كانون الثاني 2022، أن "العمليات الهجومية التي شنتها القوات الأوغندية والكونغولية، وقوات بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية (MONUSCO)، في عامي 2013 و2014، لم تتمكن من إضعاف ADF، التي تعد المجموعة الكبرى من بين 120 جماعة مماثلة تعمل في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وتحالفت مليشيات ADF مع عشيرتي باكونجو من البانتو (وهي مجموعة عرقية في منطقة روينزوري جنوب غرب أوغندا) وبامبا (شعب يعيش في السفوح الشمالية من جبل روينزوري على الحدود بين الكونغو وأوغندا) واللتين كانتا جزءا من حركة روينزورورو الانفصالية المسلحة ضد مملكة تورو والحكومة المركزية في حرب بلغت ذروتها منتصف الستينيات وأوائل الثمانينيات، وفي 2008 اعترفت الحكومة بمملكة روينزورورو التي شكلتها شعوب كونجو وأمبا (درجة من الحكم الذاتي المحلي)، وفق توضيح الخبير في شؤون الحركات الجهادية بأفريقيا، ستيج جارلي هانسن، الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية بالجامعة النرويجية لعلوم الحياة (حكومية)، لـ"العربي الجديد".
وتمكن أعضاء المليشيات المتحالفة من الاستمرار في التمرد، بسبب خبرتهم في حرب العصابات ونشاطهم منذ عقود وسط غابات كثيفة وتضاريس صعبة للغاية، بحسب أوفاريل، موضحا أن ADF تعد من المجموعة المسلحة الأكثر عنفًا وفتكًا في منطقة البحيرات العظمى حاليا، رغم العدد المحدود من المقاتلين في صفوفها، وعدم وجود مجتمع مسلم كبير يمكنها الاندماج فيه، موضحا أنهم لا يسعون إلى حكم الغالبية غير المسلمة المحيطة بمناطقهم، بل يعملون على بناء مجتمع معزول، خاص بهم.
مبايعة تنظيم داعش الإرهابي
بسبب الفقر المدقع والحكم غير الرشيد وغياب الاستقرار، يعتقد البروفيسور ريكر والذي يعمل على تنفيذ دراسة عن السكان ممن يعيشون في فقر وبيئات ما بعد الصراع، أن مليشيات ADF لها تأثير ضار للغاية في شرق الكونغو، إذ تعمل على جذب الشباب الناقم والذي يعاني، نتيجة الفساد والفقر وعدم الاستقرار في المنطقة.
وتسعى مليشيات القوات الديمقراطية المتحالفة إلى تأسيس دولة على غرار حركات مثل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، وبوكو حرام في نيجيريا، وفق نوصوبيا. وهو ما جعلها في عام 2017، تتحول إلى فرع ناشط ضمن تنظيم الدولة الإسلامية في وسط أفريقيا، وفق البروفيسور هانسن.
وبحلول عام 2018 تم الاعتراف بولاية وسط أفريقيا (ISCAP)، رسميا من قبل تنظيم داعش، وفق تقرير "الدولة الإسلامية في الكونغو" الصادر عن برنامج التطرف بجامعة جورج واشنطن الأميركية مارس/ آذار 2021، موضحا أن "تنظيم الدولة الإسلامية، أعلن في 20 أكتوبر 2020 رسميا هجومه على سجن كانغباي المركزي التابع لمدينة بني الكونغولية، وأطلق سراح أكثر 1300 سجين، وهو ما أكده مسؤولون حكوميون متهمين مليشيات ADF بتنفيذ الهجوم".
واستفادت مليشيات القوات الديمقراطية المتحالفة، من الأجهزة الدعائية لتنظيم داعش، ما شجع متطرفين من جميع أنحاء المنطقة على الانضمام إليها، بحسب أوفاريل، قائلا: "كانت حركة الشباب في الصومال هي المجموعة الوحيدة التي يمكن أن ينضم إليها مسلحون من تنزانيا أو كينيا أو بوروندي، لكن ADF باتت الآن قوية ولديها أموال، ما جعلها أكثر ثقة وطموحًا، بعد أن كثفت من الهجمات على الجيش الكونغولي وقوات حفظ السلام الدولية". مشيرا إلى أن: "خطرهم يبقى حاليا في منطقة عملياتهم، لكن توسعهم إلى الخارج يبقى محتملا".
ما هي مصادر تمويل مليشيات ADF؟
في عام 2000 وجدت الولايات المتحدة الأميركية أدلة على أن مليشيات ADF تستخدم الخطاب المتطرف للحصول على دعم من المجموعات المشابهة في الوطن العربي، وفق البروفيسور هانسن، والذي يقول: "توجد أدلة واضحة بالفعل على تواصل بين الشبكات الجهادية في الساحل السواحيلي جنوب شرق أفريقيا (حزام المتأثرين باللغة السواحلية وثقافتها)، وبين ADF".
تملك مليشيات القوات الديمقراطية المتحالفة شبكات مالية شرقي الكونغو
وتعتمد مليشيات ADF على الأموال التي يتم جمعها من منطقة الساحل السواحيلي (تنزانيا على وجه الخصوص)، والأموال التي يقدمها تنظيم الدولة الإسلامية، والأموال التي يكسبها من المشاركة في النشاط الاقتصادي في الكونغو، وفق أوفاريل، مؤكدا أن ADF تجمع المال كذلك عن طريق فرض الضرائب على المزارعين وعلى تجارة الكاكاو وصناعة الأخشاب، لكن درجة مشاركة هذه المصادر في تمويلهم تتغير مع مرور الوقت نظرا لتتبعها ومحاولة تجفيفها، لكن مليشيات القوات الديمقراطية المتحالفة، لديها شبكات مالية تستفيد من عاملين في معظم أنحاء شرق الكونغو ودول إقليمية (يتم جمع تبرعات من أموال المغتربين في أوغندا وتنزانيا وكينيا وبوروندي)، وفق تأكيد أوفاريل، موضحا أن 50% من مقاتلي مليشيات القوات الديمقراطية المتحالفة من تلك الدول.
وتحصل مليشيات ADF على أموال من الشتات الأوغندي خاصة في المملكة المتحدة عبر الحوالات (ويسترن يونيون) بحسب محققي الأمم المتحدة الذين وجدوا وثائق بين عامي 2013 و2014 تفيد بأنه جرى تحويل أموال من أشخاص في بريطانيا، كما أن الكيني وليد أحمد زين والذي اعتقلته الشرطة الكينية في يوليو 2018 بتهمة تمويل الإرهاب، كان ميسرا ماليا ومسؤولا عن نقل مليون و500 ألف دولار للقوات الديمقراطية المتحالفة من خلال شبكة مرتبطة بتنظيم داعش.