- تقرير محكمة الحسابات يكشف عن مخالفات فنية ومالية في تنفيذ مشروع الطرق الواقية من الحرائق، مع خسائر تقدر بملايين الدولارات نتيجة عدم الالتزام بالمواصفات الفنية وضعف الرقابة.
- النائب ولد أبو بكر يدعو لإجراء المناقصات في مشاريع طرق الوقاية من الحرائق لضمان الشفافية والكفاءة، ويؤكد على أهمية توفير حراسة للغابات وتعزيز الوعي لمنع الحرائق، مشيرًا إلى ضرورة إعادة النظر في آليات تنفيذ ومراقبة المشاريع لتجنب الفساد.
تنفق الحكومة الموريتانية أموالاً طائلة سنوياً، ضمن خطتها لمواجهة حرائق المراعي والغابات، لكن تغييب أسلوب المناقصات، ومنح مشاريع شق مسارات عازلة لمنع تمدد النيران إلى شركة حكومية بـ"التراضي"، أسفر عن إهدار المال العام.
- لا يرى النائب يحيى ولد أبو بكر، عضو البرلمان الموريتاني عن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل)، أثراً فعالاً في أرض الواقع يحقق أهداف مشروع إنشاء طرق واقية من الحرائق (مسارات عازلة بين المناطق الرعوية) في الولايات التي بها غابات، مثل الحوض الشرقي، والحوض الغربي، وكيدماغا، وكوركول، ولبراكنه، واترارزة، ولعصابة، على الرغم من رصد وزارة البيئة والتنمية المستدامة تمويلاً ضخماً لتنفيذها، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أن ترسية عقد المشروع على الشركة الوطنية للاستصلاح الزراعي والأشغال SNAAT (حكومية) اتسم بمخالفات كبيرة، كما أن عملها لم يكن مجدياً، في ظل عدم صيانة الطرقات القديمة البالغ طولها 6600 كيلومتر، وعدم الالتزام بالمعايير الفنية في شق الطرق الجديدة بإجمالي 1400 كيلومتر.
ما هي المخالفات الفنية التي ارتكبتها الشركة الحكومية؟
يتجلى عدم التزام الشركة الوطنية (SNAAT) بالمواصفات الفنية للطرق الواقية من الحرائق في مخالفات بين ما تم التعاقد عليه وما جرى تنفيذه على أرض الواقع، من حيث طول مقاطع الطرق وعرضها، وفق ما وثقه معد التحقيق، عبر التقرير العام السنوي الصادر عن محكمة الحسابات (هيئة عليا مستقلة لرقابة الأموال العمومية) في يوليو/ تموز 2023 والذي رصد مخالفات وقعت في أعوام 2019 و2020 و2021.
وتنص المواصفات الفنية على أن يتراوح عرض مسارات الوقاية من الحرائق بين 7 و10.5 أمتار، غير أن مساراً مثل وجي بوصاي - مفتاح الخير بمقاطعة كيهيدي، لم يتجاوز عرضه 6 أمتار، كما بلغ طول المسار الفعلي 7 كيلومترات فقط، في حين تنص وثيقة الدفعة المالية المقدمة للشركة على فتح المسار المذكور بطول 34 كيلومتراً، وقدرت محكمة الحسابات المبلغ المهدور على المسار بـ 405 آلاف أوقية جديدة (11.400 دولار)، إذ إن تكلفة شق الكيلومتر الواحد في عام 2019 بلغت 15 ألف أوقية موريتانية جديدة (428 دولاراً أميركياً)، ولفت تقرير محكمة الحسابات إلى أن المسار أنجزته الشركة في ديسمبر/كانون الأول 2019، وحصلت على المقابل المالي في 22 إبريل/ نيسان 2020.
خسائر بملايين الدولارات
بلغت قيمة إنجاز الطرق الواقية من الحرائق 151 مليوناً و770 ألف أوقية جديدة (4 ملايين و336 ألف دولار أميركي)، بحسب تقرير محكمة الحسابات الصادر في العام الماضي، وعلى الرغم من الإنفاق الكبير على تلك المسارات، فإن التدابير المتخذة لحماية المراعي، لم تكن جدية، كما يقول ولد أبو بكر، عضو لجنة الداخلية والعدل والدفاع في البرلمان، والذي تابع مشروعات تلك الطرق من خلال عمله الرقابي والتشريعي.
مؤسسات عمومية تحتكر الصفقات الكبرى بالمخالفة للقانون
وتتلف الحرائق الريفية في الولايات الرعوية 300 ألف هكتار سنوياً، حسبما تقول وزيرة البيئة والتنمية المستدامة السابقة، مريم بنت البكاي، والتي تقدر الخسائر السنوية الناتجة عن تلك الحرائق بـ 750 مليون أوقية جديدة (21 مليون و428 ألف دولار)، موضحة في إفادتها لـ"العربي الجديد" أن الوزارة أبرمت عقداً مع الشركة الوطنية في عام 2020، من أجل فصل المساحات العشبية الكثيفة عن بعضها البعض، ودرء تمدد الحرائق في حالة اندلاعها، بإجمالي طول 12.450 كيلومتراً.
لكن "اتفاقاً وُقع بين الشركة الوطنية ووزارة البيئة في عام 2021 تضمن تخفيض طول شبكة الطرق الواقية من الحرائق إلى 8 آلاف كيلومتر، إذ جرى إلغاء 4450 كيلومتراً من الطرق غير الموجودة على الواقع، بعد إجراء مسح شامل"، حسب تقرير محكمة الحسابات، والذي لفت إلى "دفع مبالغ غير مستحقة للشركة، بسبب عدم إنجاز الأشغال المستحقة، ويشمل ذلك دفع تكلفة صيانة 4450 كيلومتراً من الطرق غير الموجودة خلال عام 2020، بتكلفة تبلغ 17 مليوناً و335 ألف أوقية جديدة (495 ألف دولار)، باعتبار أن تكلفة الصيانة للكيلومتر الواحد بلغت 3900 أوقية جديدة (111 دولاراً)، وفق ما جاء في العقد الموقع مع الشركة الوطنية للاستصلاح الزراعي والأشغال".
ولم "تلتزم الشركة الوطنية بالبرنامج السنوي لإنجاز الطرق الواقية من الحرائق، ضمن الخطة التعاقدية، كما توجد اختلافات كبيرة دون مبرر بين البرنامج السنوي لتدخلات الصيانة وفتح الطرق، مع محاضر التنفيذ الفعلي للأشغال المنجزة، من حيث المسارات، ومواقعها، أو من حيث أطوال المسارات، وعلى سبيل المثال، إنجاز مسار في ولاياتي لبراكنة واترارزة كان مقرراً بإجمالي 246 كيلومتراً خلال عام 2021، لكن ما نفذ منه فعلياً هو 39 كيلومتراً"، حسب التقرير ذاته، والذي أشار إلى أن "نظام الرقابة الداخلية بوزارة البيئة والتنمية المستدامة، شهد اختلالات جوهرية، مثل غياب المتابعة الفنية للأشغال، وعدم المصادقة على وضعيتها من جهة متخصصة ومستقلة، واللجوء المفرط في أغلب عقود الأشغال إلى الاستلام والمصادقة من طرف مدير الإدارة المالية بشكل منفرد".
وهي مخالفة قانونية خطيرة تستوجب المساءلة، كما يقول البرلماني ولد أبو بكر، مضيفاً أن صفقات مشروع شق الطرق الواقية من الحرائق نموذج على إهدار المال العام من قبل الحكومة، محملاً النظام مسؤولية تجاهل تقارير محكمة الحسابات التي رصدت فساداً وسوء تسيير في قطاعات عمومية.
مخالفة مرسوم الصفقات العمومية
يرد مدير الأشغال في الشركة الوطنية للاستصلاح الزراعي والأشغال، مولاي إبراهيم ولد محمد الأمين، على ما ورد بالتحقيق وما تضمنه تقرير محكمة الحسابات، حول المخالفات في إنجاز الطرق الواقية من الحرائق في عامي 2020 و2021، قائلاً لـ"العربي الجديد": "الشركة شقّت طرقاً جديدة بطول 1400 كيلومتر، وتعمل على صيانة طرق قديمة بطول 6600 كيلومتر"، ويضيف أن تكليف الشركة والتعاقد معها يجري على أساس الكفاءة في مجال الأشغال، والقدرة على شق الطرق بالوسائل الضرورية والمعدات اللازمة والطواقم البشرية المختصة، وقمنا بالتزامات شق الطرق وصيانة بعضها، وفق البيانات المحددة، كما قامت الشركة بتسليم جميع الطرق وفق المعايير الفنية المنصوص عليها".
21 مليون دولار خسائر حرائق الغابات والمناطق الرعوية سنوياً
وحول أسباب تعاقد وزارة البيئة والتنمية المستدامة مع الشركة الوطنية دون غيرها، قال محمد عبد الله سلمه، مدير مديرية حماية واستعادة الأنواع والأوساط (تعنى بهذا النشاط) في وزارة البيئة: "نتعاقد مع الشركة الوطنية، لأنها الوحيدة التي يمكنها تنفيذ هذه الأشغال، نظراً لتمتعها بالإمكانيات والخبرة في إنشائها وصيانتها بعد ذلك"، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "سنوياً يجري التعاقد مع هذه الشركة تحت إشراف وزارة البيئة ومتابعة السلطات المحلية"، ويتابع: "توجد مرونة في تعامل الوزارة مع الشركة التي تقوم بعملها وفق المطلوب، سواء في فتح الطرق الجديدة، أو صيانة الطرق القديمة".
لكن ما سبق يخالف المادة 43 من مرسوم عدد 083 لسنة 2022 المتعلق بمجلة الصفقات العمومية، والتي حصرت إبرام الصفقات بالتفاهم المباشر في حالات محددة، لا تنطبق على حصر اتفاق وزارة البيئة والتنمية المستدامة مع الشركة الوطنية، وفق تأكيد محمد ولد محمد سالم، المستشار المكلف السابق بالدراسات الاقتصادية والمالية باللجنة الوطنية لرقابة الصفقات العمومية (حكومية تراقب الخروقات والتجاوزات المحتملة في إبرام الصفقات العمومية)، قائلاً لـ"العربي الجديد": "هذا النوع من صفقات التراضي يجرى مع المؤسسات العمومية في حال كان نص عملها الأساسي يمنعها من المشاركة في المناقصات، لكن هذا الاستثناء ليس للشخصيات الاعتبارية (المؤسسات العمومية)، بل خاص بالهندسة العسكرية"، ويضيف: "لا يوجد مبرر قانوني لاحتكار المؤسسات العمومية الصفقات الكبرى دون إجراء المناقصات، والتي تعد أساس الآليات المنظمة لشفافية الصفقات العمومية".
ارتفاع عدد صفقات التراضي في المشاريع الكبرى
رصدت منظمة الشفافية الشاملة (غير حكومية تهدف إلى محاربة الفساد) خلال أعوام 2020 و2021 و2022، ارتفاعاً ملحوظاً لصفقات التراضي، إذ بلغت قيمتها الإجمالية 308 مليارات أوقية قديمة (862 مليون و745 ألف دولار)، وتتسم "الصفقات الكبيرة، مناقصات كانت أو بالتراضي، بظاهرتين أساسيتين، هما التأخر الكبير في آجال التنفيذ، وما لذلك من أضرار تعطل مشاريع وبرامج الدولة، وسوء التنفيذ الذي يتجلى في رداءة المنجز وعدم مطابقته للمواصفات"، وفق ما جاء على موقع المنظمة في 26 فبراير/ شباط 2024، ويعلق محمد غده، رئيس المنظمة على صفقات التراضي قائلاً: "هذه الصفقات وكر للفساد".
ويبدو الفشل الحكومي في مواجهة الظاهرة في عدم فعالية الحملة السنوية التي تطلقها وزارة البيئة بالتزامن مع موسم الخريف، للحد من الحرائق الناجمة عن الفعل البشري، ويشرح عثمان ولد بو بكر، مدير حماية الطبيعة بوزارة البيئة والتنمية المستدامة سابقاً، ما تتضمنه فعالياتها قائلاً إنها تقوم على مسارين؛ الأول وقائي عبر شق الطرق للحد من انتشار الحرائق، والثاني خاص بتوعية السكان في المناطق الرعوية، من خلال التنسيق مع الفاعلين من سلطات محلية وبلديات في تلك المناطق، ويتابع أن المخصص السنوي للخطة السنوية يصل إلى 70 مليون أوقية جديدة (2 مليون دولار).
وخصصت وزارة البيئة 156 مليوناً و454 ألف أوقية جديدة (4 ملايين 470 ألف دولار) من أجل تكاليف شق طرق عازلة للوقاية من الحرائق للأعوام من 2022 حتى 2024، وفق تأكيد سلمه، قائلاً:" لا نستطيع التحكم في الفعل البشري الذي يسبّب الحرائق في تلك المناطق نتيجة ضعف الوعي لدى السكان"، لكنّ السكان المحليين يساهمون في شق مسارات واقية من الحرائق، كما هو الحال في "ولايتي الحوض الغربي والحوض الشرقي، حيث عمل مواطنون على شق طرق بطول 2000 كيلومتر وبوسائل تقليدية ويدوية"، وفق تأكيد مريم بنت البكاي، وزيرة البيئة والتنمية المستدامة السابقة.
لكن البرلماني ولد أبو بكر، يؤكد على غياب حل ناجع لعدم وجود رؤية جادة من وزارة البيئة في السعي لوقف الظاهرة، مشيراً إلى ضرورة التزام وزارة البيئة بآلية إجراء المناقصات في مشاريع طرق الوقاية من الحرائق، حتى لا تكون حكراً على شركة واحدة، وإلزام الشركة الوطنية بالمواصفات الفنية عند قيامها بالعمل، فضلاً عن توفير حراسة في مناطق الغابات، حتى لا تبقى عرضة للإهمال البشري.