يخشى المزارع الفلسطيني مسعود ريان، القاطن في بلدة بيت دقو شمال غرب القدس، فقدان ما تبقى من محصول نبات الصبر (التين الشوكي)، بعد أن غزته الدودة القرمزية (حشرة قشرية) خلال الموسم الحالي، إذ يعتمد على حصاده حتى يعيل أسرته من ثلاثة إلى أربعة أشهر كل عام، محذرا من خطر انقراض النبات في فلسطين إذا لم تقم وزارة الزراعة الفلسطينية بالتدخل السريع.
وتتميز الدودة القرمزية بلون أحمر داكن نظراً لإفرازها لسائل الكارمين القرمزي، وهي حشرة رخوة على شكل بيضوي، تتكاثر على نبات الصبر على هيئة أكوام بيضاء تشبه القطن، وتتحرك إلى حافة لوحة الصبر (ورقة النبات) ليمسك الريح خيوط الشمع التي تفرزها الدودة ويحملها إلى نبات جديد، ولا تشكل أي خطر على الإنسان أو الحيوان، بحسب بيانات الجمعية العربية لوقاية النبات (غير ربحية).
كيف تقتل الدودة النبات؟
تستهدف الدودة القرمزية نبات الصبر فقط، وتتغذى عليه، ولا تهاجم المحاصيل الأخرى، ما يتسبب في اصفرار وسقوط ألواح الصبر وثمرته، وتؤدي الإصابات الشديدة لما يزيد على 50% من سطح الألواح إلى موت النبات، بحسب توضيح الباحث في المعهد الوطني للبحوث الزراعية في المغرب، محمد العلاوي.
وقضت الدودة القرمزية على 90% من أشجار الصبر في بلدة نعلين الواقعة شمال غرب مدينة رام الله، ما يعد خطرا كبيرا إذ يشكل 20% من دخل سكانها سنويا، الأمر الذي حدا بالبلدية إلى إرسال عشرات الكتب والمناشدات إلى وزارة الزراعة الفلسطينية من أجل التدخل بإجراءات تحدّ من ضرر الحشرة، بحسب رئيس البلدية عماد الخواجا، إذ تعدّ نعلين واحدة من المناطق التي يعتبر نبات الصبر فيها محصولا رئيسيا.
تستهدف الحشرة القرمزية نبات الصبر فقط لتتغذى عليه
ويغطي الصبر مساحة 3000 دونم تقريبا من أراضي فلسطين الزراعية، ويوضح مدير دائرة تشخيص الآفات في وزارة الزراعة سلامة شبيب، أن الوزارة غير قادرة على مكافحة الدودة في كل المناطق المصابة، بسبب إمكانياتها المحدودة، لذلك اقتصرت إجراءاتها على رش المبيدات والتقليم في محافظة جنين، وتحديدا في بلدة فقوعة، وسيطرت على انتشارها، بينما في المناطق الأخرى مثل رام الله وسلفيت والقدس كان دور الوزارة إرشاديا وتوعويا فقط، بينما لا بد من تقليم الصبر من أجل التقليل من انتشار الحشرة القرمزية، عبر إزالة الألواح غير المعرضة لأشعة الشمس والتي تتكاثر فيها الدودة، بسبب الرطوبة وارتفاع درجة الحرارة، وهما عاملان مهمان في سرعة نموها وانتشارها، كما يوضح مسؤول مراقبة ومكافحة الآفات الزراعية في وزارة الزراعة شادي سلمان.
ويكشف شبيب أن الدودة القرمزية ظهرت في فلسطين عام 2019، وفي بحث أجرته الوزارة تبيّن أن مزارعا في جنوب لبنان قام بتربيتها بهدف الحصول على الأصباغ التي تنتجها وتستخدم في مساحيق التجميل، لتنتقل بعد ذلك إلى شمال فلسطين المحتلة ولاحقا إلى الضفة الغربية، وذلك عبر شجر الصبر الموجود على طول المنطقة الحدودية.
ارتفاع درجة الحرارة يعزز من انتشار الدودة القرمزية
يُرجع ممثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) في فلسطين نصر سمارة، الانتشار السريع للدودة القرمزية إلى تغير درجات الحرارة في فلسطين، وهو ما تؤكده دراسة علمية اطلع عليها معدّ التحقيق تحت عنوان "SEASONAL BIOLOGY OF DACTYLOPIUS OPUNTIAE (HEMIPTERA: DACTYLOPIIDAE) ON OPUNTIA FICUS-INDICA (CARYOPHYLLALES: CACTACEAE) UNDER FIELD AND SEMI FIELD CONDITIONS"، ونشرت في المجلة الدولية للعلوم والبحوث في 17 يناير/كانون الثاني 2020، بأن درجات الحرارة المرتفعة تؤثر على بقاء الحشرات وتطورها وتكاثرها، إذ إن كل نوع منها لديه نطاق درجة حرارة مثالي للبقاء على قيد الحياة، والتكاثر، بالإضافة إلى نطاق درجة حرارة يكون فيه معدل التطور أقل أو شبه منعدم، ويوضح الباحث العلاوي، وهو أحد المشاركين في إعداد الدراسة السابقة، أن النتائج أظهرت آثار درجة الحرارة على التطور البيولوجي للحشرة القرمزية ونموها وتكاثرها، إذ انخفضت المدة اللازمة للنمو لكل من الإناث والذكور بشكل ملحوظ مع زيادة درجة الحرارة من 20 إلى 40 درجة مئوية، وهذا يعني أنه كلما ارتفعت درجة الحرارة قلت الفترة اللازمة للنمو، وكانت هناك زيادة كبيرة في مدة دورة حياة الذكور بين 32 و40 درجة مئوية، وكانت درجات الحرارة التي تتراوح بين 26 درجة مئوية و32 درجة مئوية الأكثر ملاءمة للبقاء على قيد الحياة وتطور وتكاثر الحشرة، وكان معدل فترة النمو الكلي للإناث 94.23 يوما عند 20 درجة مئوية، و43.55 يوما عند 40 درجة مئوية، أي أن الفترة التي تحتاجها للنمو تحت تأثير درجة 40 كانت أقل من الفترة التي تحتاجها في حال كانت درجة الحرارة 20، بينما متوسط وقت نمو الذكور من البويضة حتى الموت تراوح من 26.97 يوما عند 32 درجة مئوية إلى 50.75 يوما عند 20 درجة مئوية.
تنخفض المدة اللازمة لتكاثر القرمزية في ظل درجات الحرارة العالية
وبينت نتائج الدراسة أن درجة الحرارة الأعلى تساهم في إنتاج البويضة أسرع، وكان احتمال بقاء البويضة التي تم وضعها حديثا على قيد الحياة حتى مرحلة البلوغ أعلى عند درجة حرارة 32 درجة مئوية بنسبة تتراوح بين 44 و60٪، وبلغت فترة وضع البيض عند تربية الدودة القرمزية عند 32 درجة مئوية (17.97 يوما)، وكذلك أعلى معدل خصوبة (355.29 بيضة/أنثى)، وتم تسجيل أعلى قيمة لمعدل الزيادة الطبيعية (rm) عند درجة الحرارة ذاتها.
وتشير دراسة لدائرة الأرصاد الجوية لدى الاحتلال، نشرت في 27 يوليو/تموز 2022، وتغطي جغرافيا كامل الأراضي المحتلة، إلى أنه بحلول عام 2050، من المتوقع أن يكون متوسط درجة الحرارة في فلسطين أعلى بنحو درجة ونصف درجة مقارنة باليوم، وبحلول نهاية القرن، من المتوقع أن يرتفع متوسط درجة الحرارة بمقدار أربع درجات، وسوف ينخفض هطول الأمطار بنحو الخمس، وتتضاعف الظواهر الجوية المتطرفة، ويرتفع مستوى سطح البحر بمعدل حوالي 4 ملم سنويا.
ويجمع شبيب وسلمان على أن طريقة زراعة الصبر في فلسطين أيضا هي أحد الأسباب التي أدت للانتشار السريع، إذ إنه يُزرع عادة في المناطق الهامشية على أطراف القرى والبلدات وعلى حدود الأراضي، وهو ما صعّب من عملية مكافحة الدودة القرمزية.
مناخ فلسطين يجتذب الحشرات الهاربة من المناطق الجافة
يجذب طقس فلسطين بعض أنواع الحشرات الهاربة من المناطق الجافة ذات درجات الحرارة المرتفعة والتي أثرت على دورة حياتها، إذ يصنف ضمن الطقس المعتدل رغم ما طرأ عليه من ارتفاع في درجات الحرارة.
ويشير العلاوي في إفادته لـ "العربي الجديد" إلى أن التغيرات المناخية الكبيرة التي شهدتها منطقة البحر الأبيض المتوسط في السنوات الأخيرة، ولا سيما الزيادة في درجات الحرارة، لعبت دورا هاما في زيادة التصحر، ومن المتوقع أن تصبح المنطقة أكثر جفافا وسخونة، وهذه التغييرات ستؤثر على جميع أجزاء النظام الإيكولوجي الزراعي (نظم الزراعة والغذاء المستدامة)، وستساهم في بقاء الحشرات الضارة وتطورها، وستؤثر بشكل غير مباشر على العلاقات الغذائية بين الحشرات الضارة والأعداء الطبيعيين، ولذلك من المتوقع أن تشكل الدودة القرمزية آفة واسعة النطاق وتهديدا خطيرا لزراعة النبات في البلدان التي لم تتعرض بعد للهجوم، مضيفا أنه تم الكشف ولأول مرة عن هذه الآفة الخطيرة مؤخرا في مجموعة من دول البحر الأبيض المتوسط كالجزائر وتونس.
ومن الحشرات التي غزت المزروعات في فلسطين خلال السنوات الأخيرة أيضا توتا أبسلوتا وتسمى حفار أوراق الطماطم، والتي تتغذى على نبات البندورة، وحشرة المنّ، التي أنهكت موسم العنب لدى الفلسطينيين، بحسب عبد الجليل حمدان أستاذ الأحياء في جامعة الخليل، وأحد المشاركين في تأليف كتاب "تربية أصول أشجار الفاكهة في فلسطين: الوضع الحالي والمستقبل تجاه سيناريوهات تغير المناخ في المستقبل"، موضحا أن الحشرات تتأثر بدرجات الحرارة لأنها من ذوات الدم البارد، والتغير المناخي أثر على هجرتها من مناطق لأخرى، وهذا يعني أن فلسطين قد تكون عرضة لانتشار حشرات جديدة خلال السنوات القادمة، في ضوء الارتفاع الحاصل على درجة الحرارة.
هل تكافح الجهات المعنية الآفة الجديدة؟
تُجمع مصادر التحقيق على أن الحل الفعال لمواجهة انتشار الدودة القرمزية وأنواع أخرى في ظل ارتفاع درجات الحرارة، هو تربية العدو الطبيعي أو الحيوي، وهو كائن حي يفترس أو طفيلي يتغذى على كائن آخر (Prey- Host) ينتج عنه موت الأخير أو منع تكاثره، وفق موسوعة العلوم العربية، وهذا في الحالة الفلسطينية مفقود كما يؤكد شبيب وسلمان، بينما حصلت "العربي الجديد" على معلومات من وزارة الزراعة الفلسطينية تفيد بأنها طلبت من وزارة زراعة الاحتلال ذلك العدو الحيوي لمكافحة الدودة القرمزية، لكن الأخيرة قالت إنها في طور تربيته.
وحاولت "العربي الجديد" الحصول على تعقيب من مستشار رئيس الوزراء الفلسطيني لشؤون المناخ جميل المطور حول ما تقوم به السلطة في هذا المجال، فأجاب بأن "الموضوع مهم، لكن لا تفاصيل لديه، وهناك إدارات مختصة تعنى بتأثير المناخ لديها كامل التفاصيل".
وأوضحت المصادر أن وزارة الزراعة الفلسطينية استخدمت مبيد chlorpyrifos (مركب فوسفات عضوي يستخدم كمبيد) لمحاربة الدودة القرمزية، رغم أنها كانت قد حظرته عام 2011، لخطورته الصحية، وتشير خلاصة دراسة أجرتها المديرية العامة للصحة وسلامة الغذاء الأوروبية حول كلوربيريفوس وكلوربيريفوس ميثيل، ونشرت نتائجها في 26 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2019 إلى وجود مخاوف من استخدامه تتعلق بصحة الإنسان، ولا سيما فيما يتعلق بالسمية الجينية المحتملة والسمية العصبية التنموية، بينما بدأت دول أخرى مثل المغرب بالاعتماد على الأعداء الحيويين لمحاربة الانتشار، كما يوضح العلاوي، مشيرا إلى رصد أربعة عشر نوعا من الحشرات التي تتغذى على الدودة القرمزية، وتعتبر حشرة الدعسوقة Hyperaspis trifurcata الأكثر استعمالا في العالم.