تطارد أميركا البرنامج النووي الإيراني بعدما شاركت في انطلاقه عبر مفاعل طهران الوارد ذكره تسع مرات في الاتفاق المعلن عام 2015، وسبق أن زودته باليورانيوم المخصب بدرجة نقاء عالية، فما هي أهميته ودوره الحالي؟.
- في نوفمبر/ تشرين الثاني 1967، زار خبراء شركة AMF الأميركية طهران، لوضع اللبنة الأساسية للبرنامج النووي الإيراني، عبر تركيب وتشغيل مفاعل طهران للبحوث، بعدما وافقت الولايات المتحدة الأميركية عام 1959 على إهدائه لنظام الشاه، ضمن خطة الرئيس دوايت أيزنهاور المعروفة بـ"الذرة من أجل السلام".
سبق ذلك إبرام إدارة أيزنهاور في 5 مارس/ آذار 1957 اتفاقية من 11 مادة مع نظام محمد رضا بهلوي، لمساعدة طهران على الاستخدام السلمي للطاقة الذرية، غير أن بهلوي عقد صفقة نووية مع فرنسا عام 1974 لبناء مصنع مشترك لتخصيب اليورانيوم، وبعدها مع جنوب أفريقيا لشراء الكعكة الصفراء (وقود للمفاعلات يمكن استخدامه لتصنيع السلاح النووي)، وتأسيس بنية تحتية نووية، ما أثار شكوكا في الأوساط الأميركية بأن إيران أطلقت بحوثا في مستويات متدنية لإنتاج الأسلحة النووية.
زيارة إلى مفاعل طهران
يقع مفاعل طهران للبحوث وسط العاصمة في شارع أمير أباد شمالي، وتوجد النواة المركزية للمفاعل على عمق ثمانية أمتار، بحسب موقع التلفزيون الإيراني، ولدى مفاعل طهران للبحوث "مكانة وأهمية قصوى" في البرنامج النووي الإيراني، بحسب رئيس المفاعل، والذي التقاه معدّ التحقيق في السادس من إبريل/ نيسان الماضي خلال الزيارة مفضلا عدم الإفصاح عن اسمه لاعتبارات أمنية، مشيرا إلى أن المفاعل "يشكل البنية التحتية الأساسية ونقطة الانطلاق لتدريب وتعليم العلماء الإيرانيين ممن يعلمون في البرنامج النووي"، قائلا: "تربية العلماء والطواقم أهم أعمال مفاعل طهران للبحوث"، غير أن المفاعل، والذي يعمل بقدرة 5 ميغاوات، يتجاوز الجانب النظري إلى نشاطات عملياتية "مثل إجراء اختبار الوقود النووي المنتج في منشآت أخرى"، وهنا يوضح رئيس المفاعل أن "بعض الدول يمكن أن تتنج الوقود لكنها غير قادرة على اختبار فاعليته وجودته".
وينتج المفاعل النَّوويدات المشعَّة (Radionuclide)، التي تستخدم في مجالات الطب والزراعة والصناعة، حسب رئيسه، والذي أشار أيضا إلى إنتاج "التوربينات" النووية (Turbine)، لمواجهة التلوث البيئي والتحليل النووي للمواد الزراعية واكتشاف آثار الجريمة.
التخصيب بنسب عالية يقرب طهران من "زمن الاختراق النووي"
ويضيف رئيس مفاعل طهران، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن أهم وظائف المفاعل على الصعيد الطبي، تتمثل في إنتاج 5 أصناف من أدوية مشعة، ويستفيد مليون مريض سرطان من أدوية المفاعل، بحسب تصريحات رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي لوكالة "إيلنا" العمالية الإصلاحية.
ويؤكد رئيس مفاعل طهران للبحوث أن مؤسسته هي الأهم في إيران، لكنها ليست الوحيدة، مشيرا إلى وجود مفاعلين بحثيين آخرين في مدينة إصفهان، فضلا عن استمرار العمل لإكمال مشروع مفاعل "خنداب" البحثي للماء الثقيل في أراك، وسط البلاد.
وبدأت عملية إنشاء مفاعل "خنداب" البحثي قبل 22 عاما، ولكنه "أكثر تعقيدا من مفاعل طهران للبحوث"، حسب تصريحات صالحي. وأبدت مجموعة 5+1 (تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا)، قلقها من إنشاء المفاعل بسبب إنتاجه سنويا نحو 8 كيلوغرامات من مادة البلوتونيوم، معتبرة أن هذه الكمية تكفي لصناعة قنبلة إذا قررت إيران التوجه نحو صناعة الأسلحة النووية، وبالتالي اتفقت إيران والمجموعة بموجب البند الثالث من الملحق الأول بالاتفاق النووي على إغلاق قلب المفاعل بالإسمنت وإعادة بنائه، وأكد رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي أنه بعد "إعادة بناء المفاعل سينتج سنويا قرابة كيلوغرام من البلوتونيوم".
وقود عالي التخصيب
عمل مفاعل طهران للبحوث بوقود اليورانيوم عالي التخصيب (HEU)، والذي تتجاوز نسبته 90%، لكن تم تخفيضها إلى 20% من النوع الصفيحي U3O8-Al منذ عام 1993 في إطار برنامج خفض التخصيب البحثي واختبار المفاعلات (RERTR)، التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بحسب موقع الدبلوماسية الإيرانية الإصلاحي.
وكانت الولايات المتحدة قد زودت مفاعل طهران عند تشغيله بخمسة كيلوغرامات من اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء 90%، لكن بعد انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، رفضت تزويد إيران بالوقود، إلى أن عقدت طهران صفقة مع الأرجنتين عام 1987 لاستيراد 116 كيلوغراما من وقود اليورانيوم لمدة عشرين عاما، حسب تقرير لوكالة "تسنيم" الإيرانية المحافظة.
إلا أن الأرجنتين امتنعت أيضا عام 2008 عن تزويد إيران بالوقود نتيجة الضغوط الأميركية، وهو ما دفع طهران إلى التوجه نحو إنتاجه، إذ يقول بهروز كمالوندي، المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية: "لو وافقوا على تزويدنا بهذا الوقود لما كنّا سنتجه نحو تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%"، معللا ذلك في حديث لموقع "الدبلوماسية الإيرانية" الإصلاحي، بأن "إنتاج اليورانيوم بهذه النسبة ليس له مبرر اقتصادي بسبب كلفة المعدات المطلوبة".
ويعد مفاعل طهران المنشأة الوحيدة التي تعمل باستمرار باليورانيوم عالي التخصيب بنسبة 20%، وفق تصريح رئيس المفاعل لـ"العربي الجديد"، قائلا إن مفاعلات البحوث تعمل بهذا الوقود لـ"ضرورة أن يكون تدفق النيوترون عاليا لاستخدامه في الأعمال الخاصة بها". ويقول إن المفاعل يخضع لرقابة منتظمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفق معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية (NPT)، مؤكدا أنه "بعد نقل وقود اليورانيوم إلى المفاعل يتم فك الشمعة لتفتيشه من قبل مفتشي الوكالة الدولية".
لكن تخصيب اليورانيوم بهذه النسبة العالية يرفع قدرات إيران النووية بشكل كبير، ويقرّبها من "زمن الاختراق النووي" (Breakout)، وهي الفترة الزمنية التي تستطيع فيها أي دولة أن تخصب ما يكفي من اليورانيوم لصناعة السلاح النووي، لذلك ظلت مسألة تخصيب اليورانيوم واحدة من أهم القضايا الخلافية في المفاوضات التي انتهت إلى الاتفاق النووي عام 2015، حيث منع القرار رقم 1737 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، في 23 ديسمبر/ كانون الأول 2006، إيران من تخصيب اليورانيوم إطلاقا. لكن في نهاية المطاف، وافقت المجموعة السداسية على التخصيب عند مستوى 3.67% فقط، وفق البندين الخامس والسابع من الاتفاق النووي والذي ذكر مفاعل طهران تسع مرات.
وتقرر تأمين وقود المفاعل من خلال عقد صفقات تجارية مع الخارج، كما ورد في البند 60 من الاتفاق، مع الإشارة إلى أن مجموعة 5+1 ستسهل هذه الصفقات و"في حال لم تكن هناك إمكانية لعقد صفقة لتأمين هذا الوقود، فدول المجموعة توفر كمية أوكسيد اليورانيوم U3O8 بنقاء 19.75 في المائة لأجل إنتاج وقود مفاعل طهران".
غير أن إيران في إطار خفضها المستمر لتعهداتها المنصوص عليها في الاتفاق النووي، كسرت الحد المسموح به لتخصيب اليورانيوم، ورفعت النسبة إلى 20% في 4 ديسمبر/ كانون الأول 2020، في منشأة "فوردو"، وسط البلاد، ثم يوم 13 إبريل/ نيسان الماضي، رفعتها إلى 60 في المائة، لإنتاج مادة "موليبدنوم" لصناعة الأدوية الطبية المشعة، ردا على الهجوم الذي استهدف منشأة "نطنز" لتخصيب اليورانيوم يوم 4 إبريل، وفق ما أعلنته منظمة الطاقة الذرية الإيرانية عبر التلفزيون المحلي.
لم يكن رفع إيران تخصيب اليورانيوم إلى 20% بدافع الحاجة إليه، إذ قال رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي، في يناير/ كانون الثاني 2020، للتلفزيون الإيراني، إن طهران "تمتلك وقود اليورانيوم بنقاء 20% لمفاعل طهران للسنوات الخمس المقبلة"، مضيفا أنها "ستخزن ما ستنتجه".
مخاوف من عمليات التطوير
استوردت إيران اليورانيوم الخام من الخارج، قبل أن تكتشف مناجم هذه المادة لأول مرة عام 1994، وبدأت عملية الاستخراج من منجم "ساغند" بمحافظة يزد، وسط البلاد، عام 2009.
وتخطط إيران لتطوير وقود مفاعل طهران للبحوث، إذ أعلنت يوم 13 يناير/ كانون الثاني الماضي، وفقا للتلفزيون الإيراني، عن إطلاق أنشطة بحث وتطوير لتصميم وقود متطور للمفاعل، معلنة أنها تستخدم "اليورانيوم المعدني" (مادة ثقيلة سامة مشعة) كمنتج وسيط لإنتاج هذا الوقود، لكن هذه الخطوة نالت اعتراضات دولية شديدة، لتصدر ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بيانا مشتركا يوم 16 من الشهر نفسه، مؤكدة أن ما قالته طهران "ليس له مناحٍ مدنية وينطوي على جوانب عسكرية خطيرة".
بدأت إيران في استخراج اليورانيوم من منجم ساغند عام 2009
ويحظر الاتفاق النووي في بنده 24 إنتاج أو الحصول على معدن اليورانيوم، كما تنص المادة 26 في الملحق الأول للاتفاق على أنه "إذا أرادت إيران البدء بالبحث والتطوير بشأن وقود على أساس معدن اليورانيوم لأجل مفاعل طهران البحثي بكميات قليلة، وذلك بعد عشر سنوات، عليها أن تعرض برنامجها على اللجنة المشتركة وتتابع إقرار اللجنة".
ولليورانيوم المعدني استخدامات متعددة، أهمها في إنتاج الرؤوس النووية للصواريخ، كما يقول الخبير النووي الإيراني البارز حسن بهشتي بور، لـ"العربي الجديد"، مضيفا أن "الإعلام الغربي يركّز على هذا الشكل من الاستخدام، ويزعم أن إيران تعمل على أهداف عسكرية من خلال ذلك".
ويرد رئيس مفاعل طهران على ما سبق بأن "الوقود الحالي بات قديما وقلمّا يستخدمه مفاعل شبيه في العالم"، مشيرا إلى أن "الوقود المتطور كثافته عالية ويحسّن جودة المنتجات ويقصر مدة الإنتاج ويزيد من دقة الاختبارات النووية وسرعتها"، لكنه يكشف أن "العمل لإنتاج هذا الوقود هو في مراحله البحثية ولم يدخل بعد مرحلة الإنتاج".