ينتحل خريجو تخصص التربية الرياضية وحاصلون على دورات تدريبية لأسابيع قليلة، صفة اختصاصيي مهنة العلاج الطبيعي بالضفة الغربية، ما تسبب في تفاقم إصابات المرضى في ظلّ عجز رسمي عن وقف الظاهرة بسبب محدودية الدور الرقابي .
- خضع الأربعيني الفلسطيني عماد جدوع في إبريل/نيسان 2020، لعملية جراحية عاجلة بعدما كشفت صورة الرنين المغناطيسي انزلاقاً في الغضروف نتج عنه تضيق في القناة العصبية (قناة الحبل الشوكي)، كما أخبره اختصاصي جراحة الدماغ والأعصاب والعمود الفقري، معيداً تراجع وضعه الصحي إلى تردده على أشخاص يدّعون أنّهم اختصاصيو علاج طبيعي. وكان قد لجأ إلى أحدهم في مارس/آذار من العام نفسه بطوباس، شمالي الضفة الغربية، وخضع لعدة جلسات طلب منه خلال إحداها الاستلقاء على ظهره ووضع فوطة على رقبته وسحبه بقوة حتى فقد الوعي والقدرة على السير وخرج من عنده محمولاً بعد دفع 100 شيقل (31 دولاراً).
وعقب يومين من الآلام المبرحة أعاد جدوع الكرّة بالتوجه إلى شخص آخر يدعي أنه معالج في مدينة جنين هذه المرة، قام بنفس الحركات، زاد عليها ضغطه بكلتا يديه على أسفل الظهر، وبعدها أصبحت الآلام مستمرة لمدة 24 ساعة، ولم يعد يقوى على السير، ما دفعه للتوجه إلى طبيب اختصاصي هذه المرة ليكتشف تردي وضعه الصحي، كما يقول لـ"العربي الجديد".
تكررت معاناة جدوع مع 7 حالات أخرى يوثق التحقيق ما وقع لهم، بسبب منتحلي صفة اختصاصيي العلاج الطبيعي في فلسطين، والذين يوهمون المرضى بقدرتهم على علاجهم وفق ما ترصده النقابة الفلسطينية العامة للعلاج الطبيعي، والتي تقرّ بأنّ هذه الظاهرة آخذة بالتوسع في ظلّ إعلانات متكررة عن دورات مخالفة غير معترف بها تحت عنوان التأهيل في العلاج الطبيعي بحسب ما يوثقه تحقيق "العربي الجديد".
المتطفلون على المهنة
تُعرّف الهيئة العالمية للعلاج الفيزيائي World Physiotherapy هذا النوع من العلاج بأنه خدمة يقدمها الاختصاصي للأفراد للحفاظ على أو استعادة الحدّ الأقصى من الحركة والقدرة الوظيفية، وتضيف أن الجمعيات الوطنية للعلاج الطبيعي مسؤولة عن تحديد أدوار المعالجين الفيزيائيين وطبيعة هذا النوع من العلاج، ونطاق ممارسة المهنة.
ويحظر قانون النقابة الفلسطينية العامة للعلاج الطبيعي في مادته الرابعة على أي شخص ممارسة المهنة قبل أن ينضم إلى سجل الممارسين ويصبح من بين أعضاء النقابة، ويجب على الراغب في التسجيل والترخيص نيل شهادة في العلاج الطبيعي من جامعة أو معهد معترف به، على أن تكون الشهادة مصدقة من وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، كما عليه إنهاء فترة الامتياز بعد الشهادة عبر التطبيق العملي في المستشفيات أو مراكز العلاج الطبيعي ثم يجتاز الفحص حسب النظام الخاص، بحسب المادة الثامنة من القانون ذاته، وبالتالي وفقاً للقانون يؤكد مدير وحدة الإجازة والترخيص في وزارة الصحة الدكتور عبد الله الأحمد، بأن الحصول على ترخيص مزاولة المهنة يعتمد بشكل أساسي على المؤهل الأكاديمي، وأي شخص غير حاصل عليه هو "منتحل صفة".
يحصل المنتحلون على دورات لمدة ثلاثة أشهر ثم يزاولون العلاج الطبيعي
ويكشف رصد معد التحقيق عن حصول العديد من الدخلاء على شهادات في تخصص التربية الرياضية، بسبب تشابه المجالين خاصة في ما يتعلق بآلية عمل وتمدد العضلات، وهو ما لاحظه اختصاصي العلاج الطبيعي في المستشفى الأهلي العام بمحافظة الخليل جنوبي الضفة الغربية، إياد أبو رضوان، مضيفاً إلى ما سبق، فئة تلتحق بدورة لا تزيد مدتها على 3 أشهر في الحجامة أو العلاج الطبيعي، ليمارسوا المهنة بعدها، رغم أنّ هذه الدورات لا تؤهل الشخص لأن يصبح اختصاصي علاج طبيعي، إنما تمنحه تثقيفاً ذاتياً عاماً، وممارسته لأي نوع من المعالجة يعتبر مخالفة، لأنه غير مؤهل خاصة أنّ أي خطأ يؤدي إلى تدهور صحة المريض، كما يوضح نقيب ممارسي العلاج الطبيعي محمد عمرو.
ويؤكد أبو رضوان ذلك ويضرب مثالاً بحالات عديدة راجعته خلال عمله، ومن بينهم مريض كان يعاني من التهاب في العصب السابع وحالته متردية نتيجة وجود شلل في نصف وجهه، وما صعَب علاجه لجوءه منذ عام إلى شخص غير متخصص، في حين لو أنه توجه إلى اختصاصي علاج طبيعي في البداية، وتحديداً بعد 10 أيام من انتهاء العلاج الدوائي، ليجري تأهيل عضلات الوجه والعين، لما وصل إلى مرحلة الشلل النصفي في منطقة الوجه.
وبحكم التداخل بين المهام يقدم بعض أخصائي العلاج الوظيفي (يختص بتمكين الأطفال والبالغين من التكيف مع إعاقاتهم المؤقتة أو الدائمة بفاعلية في المواقف الحياتية المختلفة)، أنفسهم على أنهم أخصائيي علاج طبيعي، بحسب رئيس قسم العلاج الطبيعي في جامعة فلسطين الأهلية، الدكتور عزام العرب، موضحا أن أخصائي العلاج الوظيفي هو جزء من الفريق أو الهيئة المختصة بالتأهيل، لكن لا يستطيع تولي عمل العلاج الطبيعي، وقد يتحول الأمر لاستغلال تجاري من قبل بعضهم.
دورات غير معترف بها
يستغرب اختصاصي العلاج الطبيعي عمر صوافطة، والذي يدير مركزاً خاصاً للعلاج الطبيعي في محافظة طوباس شمالي الضفة، من طلب شبان وشابات العمل لديه استناداً إلى شهادة حصلوا عليها بعد الالتحاق بدورة في العلاج الطبيعي لمدة 3 أشهر في أحد المراكز التعليمية الحاصلة على تراخيص من وزارة التربية والتعليم، والتي لا تمنحهم حق ممارسة المهنة، إلّا أنّهم يعملون بموجبها في كثير من الأحيان تحت ذريعة أنهم لم يجدوا عملاً في تخصصاتهم.
ويوضح الناطق باسم وزارة التربية والتعليم صادق الخضور، أنّ الوزارة ترخص المراكز الثقافية لكنّها لا تصادق على أي شهادات لها علاقة بالشأن الصحي، كونه يتطلب اختصاصاً، وأي دورات في المجال منوطة بوزارة الصحة، وفي حال أعلن أحد المراكز الثقافية عن دورات متخصصة تنذره الوزارة بأنها لن تصادق على شهاداته، مشيرا إلى أن الوزارة تراقب عمل المراكز الثقافية للتأكد من التزامها بما هو مثبت في ترخيصها، لكنها لم تتلق أي شكوى بشأن عقد مراكز أكاديمية لدورات في مجال العلاج الطبيعي، فيما يؤكد عمرو وجود تلك الحالات، معتبراً الدورات تطفلاً على المهنة، ويجب محاربتها، لأنّ مزاولة المهنة يجب أن تكون للممارسين المرخص لهم فقط، وهؤلاء بلغ عددهم في فلسطين 3 آلاف اختصاصي مسجلين لدى النقابة.
المتاجرة بصحة المرضى
ترى اختصاصية العلاج الطبيعي جنان قرينة، أنّ ظاهرة انتحال صفة اختصاصيي العلاج الطبيعي تتوسع، ومرد ذلك استغلال هؤلاء المنتحلين لحاجة الناس موضحة أن أطباء العظام والأعصاب يحولون المرضى لاستكمال علاجهم بإشراف اختصاصي العلاج الطبيعي وبالتالي يقع البعض ضحية لهؤلاء المنتحلين لصفة الطبيب.
إغلاق 3 مراكز يديرها منتحلون لصفة اختصاصيي العلاج الطبيعي
والفارق بين الاختصاصي وغيره كبير، لأنّ اختصاصي العلاج الطبيعي درس تشريح الجسم والعضلات والأعصاب المغذية لها، بحسب أبو رضوان والذي يقول: "حين يحول اختصاصي العظام مريضاً أجريت له عملية تثبيت رباط صليبي، نتيجة محدودية حركة الركبة مثلاً، ستكون طريقة علاجه خاطئة عبر شخص غير اختصاصي، ما سيخلف أضراراً تغير نتيجة العملية، وهو ما يستلزم توعية المريض بأنّ العلاج الطبيعي ليس مجرد مساج أو تدليك، وإنّما إعادة تأهيل للجزء المصاب".
هذا ما تؤكد عليه قرينة بقولها إنّ الحاصل على دورة في العلاج الطبيعي لا يستطيع التعامل مع حالات خطيرة وصعبة مثل ضحايا حوادث السير أو الإصابات الرياضية، وإعادة تأهيل الأعصاب، ومساعدة المرضى المصابين بأمراض تنفسية، كما يحدث مع مرضى كورونا لمساعدتهم على تجاوز أزمات ضيق التنفس مثلا، وتضرب مثالا بالمريض الذي لديه ضعف في عضلة القلب، إذ يحظر ممارسة تمارين معينة معه قد تتسبب في إجهاد عضلة القلب وربما تسبب الوفاة، كذلك العلاج بعد العمليات الجراحية وتبديل المفصل هناك برنامجا علاجيا تدريجيا، وحركة المفاصل تكون محتسبة وفقا للوقت، وكذلك الأمر بالنسبة للمصابين بالجلطات، يجب مراقبة علاماتهم الحيوية خلال الجلسة ومعرفة متى يجب التوقف عن التمرين.
وللدلالة على خطورة اللجوء لغير المتخصصين، يؤكد مسؤول وحدة العلاج الطبيعي والتأهيل في وزارة الصحة، كرم البرغوثي، أنّ ذلك يتسبب في تأخير علاج المريض، وتراجع حالته، فاستخدام حركات خاطئة مع مريض الديسك مثلاً قد يصيبه بشلل أو خلل في الفقرات، أو مضاعفة الحالة أو الخدران الدائم، ويصل الأمر إلى الحاجة لتدخل جراحي عاجل، وهو ما حدث مع الستيني سمير حداديه، من مخيم طولكرم شمال البلاد، والذي يعاني من انزلاق غضروفي في منطقة الظهر منذ عام 2014، استجاب لنصيحة صديقه للتوجه إلى شخص في بلدة الرام شمال القدس المحتلة، يقدم جلسات علاجية في منزله، إلا أن آلامه ازدادت في اليوم التالي، وأثر ذلك على المشي، ولم يجن أي فائدة من الجلسة التي دفع مقابلها 125 دولارا.
محدودية الدور الرقابي
بلغ عدد مراكز العلاج الطبيعي المرخصة في الضفة الغربية 145 مركزا حتى نهاية عام 2020، تتركز غالبيتها في جنين التي تضم 34 مركزا، بحسب الأحمد.
وتلقت النقابة الفلسطينية العامة للعلاج الطبيعي خلال عامي 2019 و2020 شكويين فقط، تتعلق إحداهما بممارسة العلاج الطبيعي على يد أشخاص غير مؤهلين داخل حمامات البخار، لكن مسؤولية النقابة تنحصر في محاسبة المزاول للمهنة والمسجل في قوائمها، وفق عمرو، مضيفا أن المزاول في حال ارتكب خطأ ما تتخذ بحقه عقوبات بموجب قانون النقابة، أما ما يتعلق بالدخلاء على المهنة وكذلك المراكز التي تعقد دورات مخالفة فإن النقابة تبلغ عنها وزارة الصحة لاتخاذ الإجراءات اللازمة كون النقابة ليست جهة تنفيذية.
ولدى سؤال الوزارة عن أسباب عدم اتخاذ اللازم بحق المخالفين، يردّ الأحمد بأنّ الوزارة تعنى بالرقابة على المنشآت المزاولة للمهن الطبية المرخصة من قبلها، كذلك مراقبة واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بشأن أي منشأة غير مرخصة تزاول إجراءات طبية، وأما من يدعون ممارسة العلاج الطبيعي في منازلهم أو بيوت المرضى مثلا، من الصعب على المفتشين إحصاؤهم أو الوصول إليهم إلا بشكوى، وفي حال تقديم ما يثبت وجود منتحل لصفة طبية يُحول مباشرة للدائرة القانونية، والتي تحيله بدورها إلى النيابة العامة، ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين، وبغرامة لا تزيد على ألفي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين استنادا إلى قانون الصحة العامة رقم (20) لعام 2004، والذي يحظر في المادة (63) مزاولة أي مهنة طبية، أو مهنة صحية مساعدة، إلا بعد الحصول على ترخيص.
لكن ما يصعب مهمة التفتيش وجود 7 عاملين فقط في الضفة الغربية بالمستشفيات ويتم انتدابهم للقيام بمهمة التفتيش كلما اقتضت الحاجة لذلك، وفق البرغوثي الذي يقرّ بالتقصير قائلاً: "طبعا مقصرون، مع ذلك فإن النقابة يجب أن يكون لها دور كبير بالتعاون مع الوزارة، بهدف حماية المهنة".
وأغلقت الوزارة في السنوات الثلاث الأخيرة 3 مراكز للعلاج الطبيعي، بحسب البرغوثي والذي يوضح أن اثنين منها في محافظة جنين شمال الضفة، وتابع :"تم إحالة القائمين على تلك المراكز إلى النيابة العامة، وتبين أن أحدهم ممرضا، دخيل على مهنة العلاج الطبيعي ويدعي بأنه يعالج أمراض الديسك من خلال تعليق المريض من قدميه، ثم يقوم بشده للأسفل وحتى أنه كان ينشر مقاطع على فيسبوك، والقضية قائمة حالياً، أما الثاني فقد تلقى دورة في الطب البديل، وتعمل لديه في المركز موظفتان إحداهما حاصلة على شهادة دبلوم والأخرى خريجة علاج طبيعي غير مسجلة في النقابة ولا تمتلك تصريح مزاولة مهنة".