خلقت الاستثمارات السورية فرص عمل جديدة في السوق الأردني، أسهمت في تشغيل يد عاملة سورية وأردنية وخففت من البطالة، كما أنعش الوجود السوري القوة الشرائية باعتبارهم مستهلكين جدداً يسعون لتوفير متطلبات حياتهم.
-نقل اللاجئ السوري الخمسيني مازن سالم عبيدو خبرته في إنتاج الحلويات الشامية إلى الأردن، بعد أن خسر 5 محال في دمشق حين أجبرته الحرب على المغادرة عام 2012، وحين استقر به الحال في مدينة إربد شمالي الأردن، أسس مصنعا متخصصا في إنتاج كافة أنواح الحلويات الشامية والبوظة (المثلجات)، ثم طور استثماره حتى أصبح يمتلك سلسلة محال مكونة من 6 فروع، موظفا رأس مال قدره 30 ألف دينار أردني (42296 دولارا أميركيا) يشاركه في ثلثه مستثمر أردني، بحسب رواية عبيدو لـ"العربي الجديد".
تجربة عبيدو تعكس جانبا من إسهامات المستثمرين السوريين الذين لجأوا إلى الأردن في خلق فرص عمل جديدة أمام الأردنيين والسوريين على حد سواء، عبر الاستثمارات التي نقلوها معهم إلى المجتمع المضيف، والتي تتسم بالتنوع، إذ يشير عبيدو إلى أن 80% من العاملين في مشروعه أردنيين و20% من الجنسية السورية، كما يوثق التحقيق 7 تجارب أخرى لمستثمرين سوريين سجلت نجاحا بفضل ما وجدوه من تسهيلات مُنحت لهم من الحكومة الأردنية لنقل شركاتهم ومصانعهم إلى المملكة.
حجم الاستثمارات السورية في الأردن
شهد عام 2011 بداية تدفق المستثمرين السوريين إلى المملكة، إذ "استثمر 105 سوريين بالشراكة مع أردنيين في كل مناطق وقطاعات المملكة بمبلغ 4,945,826 دينارا أردنيا (6 ملايين و97 ألف دولار)، بينما ارتفع عدد الشركاء في عام 2012 إلى 441 سوريا، وظفوا رأس مال بقيمة 27,347,926 دينارا (38 مليونا و56 ألف دولار)، بحسب بيانات حصل عليها "العربي الجديد" من دائرة مراقبة الشركات في الأردن (مؤسسة وطنية مستقلة مالياً وإدارياً، تابعة لوزارة الصناعة والتجارة والتموين)، وتبين البيانات أن الحصص الاستثمارية للسوريين بعد عام 2012 كانت ترتفع عاما وتنخفض في آخر، ووصلت عام 2021 إلى 18,392,759 دينارا (25 مليونا و93 ألف دولار) بعدد 590 شريكا سوريا، وفي عام 2022، بلغ مجموع الحصص 17,607,819 دينارا (24 مليونا و82 ألف دولار) بعدد 576 شريكا من السوريين.
و"منذ عام 2011 وحتى سبتمبر/أيلول من عام 2022، سجل السوريون 855 مؤسسة فردية (منشأة يمتلكها شخص واحد وترتبط الذمة المالية بصاحبها)، برأس مال بلغ 26,499,640 دينارا (37 مليونا و36 ألف دولار)"، وفق الرد المكتوب الذي وصل إلى "العربي الجديد" من وزارة الصناعة والتجارة والتموين الأردنية.
وفي بداية الحرب السورية، تسارع نمو الاستثمارات في المملكة جراء حركة لجوء رجال الأعمال إليها، أما الآن، فتشهد البلاد مرحلة من استقرار الصناعات، حيث أصبحت مستوطنة في الأردن وتنمو، بحسب رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة الأردن نائل الكباريتي، الذي قال إن الصناعات السورية التي نقلها اللاجئون إلى الأردن أضافت تنوعا بخاصة في مجال الصناعات الغذائية، وهو ما يؤكده عماد المحمود، نقيب أصحاب المطاعم والحلويات في محافظات الشمال التي يتركز فيها السوريون، مؤكدا أن الوجود السوري في الأردن ساهم في ارتقاء قطاع المطاعم وخلق جوا منافسا، ما ساعد على تطوير القطاع على مستوى المملكة، وتتسم المنتجات التي يقدمها السوريون بجودة عالية ولاقت استحسانا وإقبالا كبيرين من الأردنيين.
ويعتبر عضو مجلس إدارة غرفة صناعة عمّان، الدكتور إياد أبو حلتم، أن الاستثمارات السورية شكلت قيمة مضافة وحجمها مهم في ضخ السيولة للاقتصاد الأردني، كما استقدموا الخبرات والتكنولوجيا اللازمة، وخاصة في القطاعات التي تحتاج لحرفية في العمل، مثل صناعة القوالب والماكينات والصناعات الهندسية والمعدنية والصناعات الغذائية، وقد نقلت العمالة السورية ذات المهنية العالية خبراتها المتراكمة ووظفتها في الأردن، أما المستثمرون السوروين فلديهم مداخل إلى أسواق متنوعة، ولدى نقلهم عملهم إلى الأردن، أصبح تصديرهم يخرج منه، وكسبت البلاد الولوج إلى أسواق جديدة.
واستمرت الاستثمارات السورية بالتدفق إلى الأردن بفضل التسهيلات والحوافز التي قدمتها هيئة الاستثمار الأردنية، إذ "منحتهم، عام 2018، بطاقة خاصة لهم باسم "فئة ب"، تمنح من يمتلكها مزايا عديدة مثل السماح له باستقدام أسرته أو من يعيلهم، واستخدام المركبات ذات اللوحات السورية، كما يمكنه أيضا الحصول على رخصة قيادة أردنية وقيادة السيارات الأردنية"، بحسب تقرير بعنوان "الاستثمار الأجنبي في الأردن لسنة 2022"، الذي نشر على موقع المدونة القانونية (يديره محامون أردنيون).
ويوضح المحامي عبد الرحمن القطاونة، الذي يعمل في مكتبه الخاص ومتخصص بقضايا الاستثمارات والشركات، أنه وبحسب تعليمات بطاقة المستثمر، يسمح للمستثمرين السوريين بتملك 50% من رأس المال لأي مشروع استثماري تجاري، أما المشروع الاستثماري الصناعي فيحق للمستثمر تملك 100% من رأس المال المفتوح.
استثمارات متنوعة تخلق فرص عمل
بدأ المستثمر السوري محمد الخمران استثماره في الأردن بشراء عقار في منتجع رويال مون، الذي يعد أكبر منتجع سكني سياحي على مستوى محافظات الشمال، والواقع في منطقة السويلمة في محافظة المفرق شمال شرقي الأردن، ليقرر بعدها الدخول شريكاً رئيسياً في المشروع إلى جانب ثلاثة مستثمرين أردنيين، وبرأس مال 20 مليون دينار (28 مليوناً و197 ألف دولار) مقسما بينهم بالتساوي، ويؤمن الخمران أن الأردن بيئة آمنة للاستثمار لوجود قوانين تحمي وتضمن حقوق المستثمرين الأجانب.
أما المستثمر سامر النن، عضو مجلس إدارة شركة الدرة العالمية، والذي قدم إلى الأردن عام 2011 هربا من الحرب وبحثا عن الأمان، لاستكمال مشروع عائلته الذي بدأ عام 1979 في صناعة المواد الغذائية، فاستأجر بداية مصنعا لرب البندورة في مدينة الحسن الصناعية في الرمثا شمالي المملكة، ثم وسع مشروعه إلى 4 مصانع لصناعات جديدة كالمربى بأنواعه، والمخللات والمعلبات والبهارات والحلاوة والطحينية والخل.
ويرى الدرة أن نقل استثماره إلى الأردن كان بادرة نجاحه بحكم سهولة القوانين والتسهيلات، فقد أصبح لديه 75 وكيلا حول العالم.
ويشكل السوريون 25% من الأيدي العاملة في منتجع رويال مون، والنسبة المتبقية أردنيون غالبيتهم من أبناء الشمال، بينما يشغل مصنع الدرة 700 عامل، 600 منهم أردنيون و100 عامل سوري. ولم يفتح عبيدو فرص عمل أمام الرجال فحسب، بل يتعاقد مع سيدات سوريات لإنتاج أصناف متعددة من الحلويات، ليقوم ببيعها في محاله.
وبحسب تقرير "سوق العمل الأردني بالأرقام (2014-2018)" الصادر عن وزارة العمل الأردنية في يونيو/حزيران 2019، فإن "صافي عدد الوظائف المستحدثة للسوريين في الأردن وصلت في عام 2013 إلى 2539 وظيفة، وفي عام 2014 بلغت 1963، وفي 2015 بلغت 561، وفي 2016 بلغت 1010، وفي عام 2017 بلغت 1795 وظيفة. أما عدد العمال السوريين المسجلين لدى وزارة العمل في عام 2018، فقد وصل إلى 40519 عاملا، بينما في عام 2017 بلغ 41921 عاملا، وهو ما شكل ارتفاعا مقارنة بعام 2016، إذ كان عددهم 33485 عاملا، أما في عام 2015، فبلغ 5307، وفي 2014 بلغ 5700 عامل. أما في ما يتعلق بعدد التصاريح الممنوحة للعمال السوريين في عام 2018، فقد منحت وزارة العمل 45649 تصريحا، وفي عام 2017 منحت 46716 تصريحا، و36790 تصريحا لعام 2016، وهو ما شكل ارتفاعا مقارنة بعامي 2015، الذي أصدرت فيه الوزارة 5552 تصريحا، و2014 الذي أصدرت فيه 6026 تصريحا".
ويشترط قانون العمل الأردني تشغيل عشرة عمال أردنيين مقابل كل عامل أجنبي، لضمان الخلط بين العمالة الأردنية والأجنبية وفتح فرص عمل أمام الأردنيين، لتخفيف البطالة في المملكة، بحسب المحامي القطاونة.
إنعاش للحركة التجارية
يشير مازن مرجي، أستاذ الاقتصاد في جامعة العلوم الإسلامية العالمية (خاصة)، إلى أن الشركات السورية كانت ترسل منتجاتها سابقا إلى الأردن لبيعها للمستهلكين، لكن الحال تغير بعد الحرب السورية وانتقال استثمارات سورية متنوعة إلى المملكة، إذ أصبح المنتج اليوم يُصنع ويُصدر من الأردن، كما خلق الوجود السوري مستهلكين جدداً، أنعشوا القوة الشرائية وحركوا السوق المحلي، ولولا ذلك لكان الوضع الاقتصادي أسوأ مما كان عليه.
وهو ما أكدته دراسة بعنوان "اللاجئون: فرصة أم عبء على اقتصاديات الدول المضيفة– دراسة حالة اللاجئين السوريين في الأردن"، المنشورة في مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية العدد 20، بتاريخ 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، مبينة أن "وجود اللاجئين السوريين أنعش الحركة التجارية في الأردن خاصة في المحافظات الأكثر استقطابا للاجئين، كمحافظات "إربد والرمثا والمفرق"، حيث ارتفع الطلب على السلع الغذائية وفتح العديد من المحال التجارية لتلبية هذا الطلب المتزايد"، موضحة أن "المفرق أصبحت من المحافظات الأكثر نشاطا في حركة البيع والشراء لوجود أكثر من 170 ألف لاجئ سوري يسكنون فيها".
تمويل دولي يدعم الاقتصاد الأردني
"وسع المجتمع الدولي إلى حد كبير المساعدات الخارجية والمنح التنموية المخصصة للأردن في أعقاب الأزمة السورية، حيث تلقى، بين عامي 2012 و2015، مبلغا غير مسبوق من المساعدات الدولية التي ساهمت في زيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي، إذ وصلت قيمة المنح والقروض الخارجية إلى 3.1 مليارات دولار عام 2012، أي أكثر من أربعة أضعاف إجمالي ما تلقاه في عام 2011، ووصلت قيمة المساعدات الاقتصادية الأميركية المقدمة إلى الحكومة الأردنية وحدها 700 مليون دولار عامي 2014 و2015، أي تقريبا ضعف المبلغ الذي قدمته الولايات المتحدة عام 2011، وبذلك، فإن أزمة اللاجئين السوريين ساهمت في حدوث ارتفاع مهم في حجم التمويل الدولي، وهذا يعتبر فرصة مهمة لتطوير البنية التحتية للمملكة الأردنية والرفع من مستويات التنمية فيها"، وفق الدراسة السابقة.
ويصف مرجي الوجود السوري في الأردن بأنه "خفيف الظل"، إذ كان يتعامل بمهنية مع احتياجاته ويسعى لتوفير دخله من دون أن يؤثر على الجانب الأردني، واندمج السوريون بشكل مميز في المجتمع الأردني، مؤكدا أهمية أن تلغي الحكومة الأردنية تعاملها مع السوريين على أن وجودهم مؤقت، لأن هذا سيحسن من المشاريع والاستثمارات واستقطاب منح لعمل مشاريع يعمل فيها الأردني والسوري معا.
هذا الوضع شجع السوري أنس رباطة، مالك محالّ إنارة في مدينته دمشق، على أن ينقل عمله إلى الأردن بعد اندلاع الثورة السورية في2011 ، وبحكم وجود أقاربه في الأردن وتردده المستمر إليه، قرر الاستثمار فيه برأس مال قيمته 20 ألف دينار (28197 دولار)، وبعد سنوات على إقامته وعمله في الأردن، يرى رباطة أن قرار قدومه إلى الأردن كان صائبا لقرب نمط الحياة ولسهولة الإجراءات التي تساند المستثمر وتشجعه.