"عائلةٌ سورية بأكملها، الأم - 68 عاما - وابنتها وابنها وزوجته وأبناؤهم حاولوا الهرب عبر البحر إحدى عشرة مرة، ألقي القبض عليهم ست مرات، بينما فروا قبل القبض عليهم خمس مرات أخرى" العائلة السابقة تعد أبرز الحالات التي تعامل معها محمد الكاشف، الباحث في ملف اللاجئين بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
يُعتبر الكاشف من أبرز الحقوقيين المهتمين بملف اللاجئين في مصر، فضل الكاشف الاحتفاظ باسم العائلة السابقة التي نجحت في السفر إلى النرويج بطريقة غير شرعية عبر البحر.
من وجهة نظره يرى الحقوقي المصري أن الأوضاع المعيشية السيئة وحالة الشحن الإعلامي المستمرة ضد السوريين والفلسطينيين أبرز أسباب الهجرة غير الشرعية والمغامرة بالأبناء والحياة، بعد أن أصبح اللاجئون غير قادرين على تلبية حاجتهم الإنسانية الأساسية من "العلاج والعمل ودخول الأبناء المدارس".
رصد الكاشف حالات متعددة للقبض العشوائي على السوريين، منها حالة تمت مطلع العام الجاري لشاب سوري قبض عليه أمام منزله في الإسكندرية، وحصل على حكم بالإدانة في أول درجات التقاضي ثم البراءة لاحقا في الاستئناف، وبالرغم من ذلك تم إبعاده إلى لبنان.
يعتقد الكاشف أن مغامرة اللاجئين في رحلة الموت تتعلق أيضا بكون مصر وفقا للقانون الدولي دولة لجوء، الأمر الذي يصعب معه طلب اللجوء من دول أوروبا خلال الوجود على الأراضي المصرية".
تزايد الهجرة غير الشرعية
بحسب بيانات المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وحركة تضامن اللاجئين - التي حصلت عليها "العربي الجديد" - تم توثيق 4083 حالة، تم فيها القبض على مهاجرين سوريين و(فلسطينيين سوريين)، خلال عام 2014 خلال محاولتهم الهجرة غير الشرعية، في الوقت الذي تم إلقاء القبض على نحو 2756 مهاجرا عام 2013، تبقى منهم 418 شخصاً في الحبس موزعين على عدد من أقسام الشرطة في الإسكندرية والبحيرة وكفر الشيخ".
من جانبها ترى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، أنه يمكن بالفعل الحديث عن وجود ظاهرة للهجرة غير الشرعية في مصر.
المكتب الإعلامي في القاهرة رد على أسئلة "العربي الجديد" حول إحصاءات هجرة السوريين والفلسطينيين السوريين بأنها لا تقوم بتسجيل الفلسطينيين وفقا لتعليمات السلطات المصرية، فيما تكشف الإحصاءات - التي حصلنا عليها من المفوضية - لعام 2013 تسجيل هجرة 42 ألف وافد غير نظامي عن طريق البحر لإيطاليا، من بينهم 12 ألفا من السوريين خرجوا من ليبيا أو مصر بما يشكل نسبة 29% من المهاجرين غير الشرعيين العام الماضي.
بيانات المفوضية كشفت كذلك ارتفاع أعداد المسجلين لديها بعد يوليو/تموز 2013 عقب الهجوم الذي تعرض له السوريون من طرف وسائل الإعلام المصرية، إذ شهد شهر سبتمبر/أيلول من العام نفسه، تسجيل 23 ألف سوري لدى المفوضية بالقاهرة ليصل العدد الإجمالي إلى 139 ألف لاجئ سوري مسجل حتى الآن في مصر.
وفسرت المفوضية رفض عدد من السوريين تسجيل أسمائهم كلاجئين في مصر، بتخوفهم من ختم جوازات سفرهم كطالبي لجوء، ما قد يهدد سلامتهم الشخصية حال عودتهم إلي سورية.
وحول الرقم الدقيق لعدد من سافر عن طريق الهجرة غير الشرعية قالت المفوضية إنها "تقوم حاليا بعملية تحديث بيانات اللاجئين السوريين للتحقق من العدد الموجود في مصر".
وأكدت المفوضية علمها باعتقال السلطات المصرية 2473 شخصا منذ بداية 2014، من بينهم 1052 سوريا حاولوا مغادرة مصر عن طريق البحر بطريقة غير شرعية، وتابعت أنها تعمل مع الحكومات والمجتمعات المضيفة لتحسين بيئة الحماية للسوريين، كما تدعم المفوضية الحكومات المضيفة ماليا لتحمل عبء توفير الخدمات للاجئين.
ليست جنة إنها الهلاك
يقر راسم الأتاسي - رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سورية وعمدة الجالية المهاجرة في القاهرة - بتناقص عدد الجالية من 550 ألف سوري قبل 30 يونيو/حزيران إلى نحو 300 ألف حاليا، ويفسر الأتاسي الانخفاض الكبير في الأعداد بعدة أسباب من بينها ضيق الموارد الاقتصادية التي شهدتها مصر بشكل عام، بالإضافة إلى الضغوط التي تعرض لها السوريون في مصر، وعلى رأسها تجديد الإقامة وحرمانهم من لمّ الشمل".
يرى الأتاسي أن "الهجرة غير الشرعية ليست جنة"، كما يظن العديد من السوريين ويصفها بـ"الهلاك أو الجحيم" لأن نسبة من عبروا البحر لا تتجاوز 40 %، أما الباقون فقد احتجزوا من قبل خفر السواحل المصرية أو فشلت رحلته وغرق.
وبالرغم من كل المخاطر التي يتعرض لها السوريون فإن"الهجوم الإعلامي واتهام السوريين بممارسة السياسة واختلاق قصص وحكايات غير واقعية عنهم وتغير معاملة المصريين معهم أجبرهم على اختيار الجحيم" - يقول الأتاسي متابعاً -"ليس لدينا القدرة على توفير الإقامة، كما أن أزمات المأكل والمشرب تفاقمت، فقد توقفت الجمعيات عن الدعم الذي كان يقدم للسوريين المحتاجين لتغير وجهات نظر بعض الإخوة المصريين".
وقال الأتاسي "روجت العديد من الإشاعات عن السوريين في مصر أكثرها كذبا أنهم تسببوا بالضغط على الاقتصاد المصري وهذا الكلام غير صحيح على الإطلاق لأن السوريين أدخلوا إلى مصر خمسة مليارات دولار من الاستثمارات خلال العامين الماضيين، كما تصلهم ملايين الدولارات تحويلات من ذويهم في الخارج، ومن منظمات دولية تساعد اللاجئين، كما أجّرت آلاف العائلات السورية شققا ومنازل ودفعوا مقابل ذلك إيجارات حركت السوق العقاري في مصر".
خلال بحثنا عن الأسباب الحقيقية لهجرة السوريين، اتصلنا بكمال سعيد - رئيس لجنه الإغاثة بتنسيقية الثورة السورية في القاهرة - والذي يعد من أبرز الأسماء السورية في مصر، إلا أن المفاجأة كانت سفره إلى أوروبا عن طريق البحر، فقد تأكدنا عن طريق بعض أصدقائه في القاهرة من الأمر، وهو ما تأكد بعد أن راجعنا حساب ابنه على فيسبوك في 7 سبتمبر/أيلول الماضي، إذ كتب "مسا الخير لأحلى أصدقاء، شكرا لكل إلّي سأل عنا، نحنا بخير الحمد لله وصلنا ع الدنمارك" فيما نشر صورة مع والده وعائلته.
إلقاء النفس إلى التهلكة
تحلل الدكتورة منال زكريا - أستاذة علم النفس في جامعة القاهرة - الأسباب النفسية للجوء السوريين والفلسطينيين إلى الهجرة غير الشرعية قائلة "يعاني هؤلاء من درجات مرتفعة من نقص الصلابة النفسية وعدم القدرة على تحمل الضغوط الكبيرة عليهم، فيصبحون كأنهم يسعون للانتحار للتخلص من حياتهم، بناء على أمل ضعيف، كثيرا ما يغرق معهم".
وتضيف "أغلب هؤلاء غير قادرين على التأقلم ولا يجدون أمامهم سوى المخاطرة بعائلاتهم من أجل الوصول إلى "جنة أوروبا" كما يحلمون بها.
إحراج مصر
كيف ترى السلطات المصرية تزايد الهجرة غير الشرعية؟ توجهنا بالسؤال السابق إلى مصدر أمني يعمل في مصلحة الجوازات والهجرة في وزارة الداخلية المصرية - رفض ذكر اسمه - فأجاب "تضع الهجرة غير الشرعية السلطات المصرية في موقف محرج مع الدول المجاورة، وبالأخص دول البحر المتوسط، لأنها تظهرنا بمظهر العاجز"، يتابع المصدر مفسرا حديثه "الأعداد الكبيرة للمهاجرين غير الشرعيين الذين يخرجون من مصر تعطي انطباعا أن مصر لا تستطيع ضبط حدودها، والأمر لا يتعلق بالمهاجرين حاملي الجنسيات الأخرى فقط، ولكن أيضا ينطبق على المصريين الراغبين في الهجرة الذين يخوض عشرات الألوف منهم تجربة الهجرة غير الشرعية".
تعاني الحكومة المصرية غيابا تشريعيا في مواجهة الهجرة غير الشرعية الأمر الذي دعا رئيس لجنة الأمن القومي المنبثقة عن اللجنة العليا للإصلاح التشريعي المستشار مجدى العجاتي إلى الكشف في تصريحات صحافية قبل أيام عن توجه لدى لجنته لدراسة تشريع لمواجهة التسلل والهجرة غير الشرعية من مصر. إلا أن المشكلة لم تنتهِ والمحاولات لم تتوقف، ليبقى السوريون في مصر يعانون الحياة فقراً أو الموت غرقا.
يُعتبر الكاشف من أبرز الحقوقيين المهتمين بملف اللاجئين في مصر، فضل الكاشف الاحتفاظ باسم العائلة السابقة التي نجحت في السفر إلى النرويج بطريقة غير شرعية عبر البحر.
من وجهة نظره يرى الحقوقي المصري أن الأوضاع المعيشية السيئة وحالة الشحن الإعلامي المستمرة ضد السوريين والفلسطينيين أبرز أسباب الهجرة غير الشرعية والمغامرة بالأبناء والحياة، بعد أن أصبح اللاجئون غير قادرين على تلبية حاجتهم الإنسانية الأساسية من "العلاج والعمل ودخول الأبناء المدارس".
رصد الكاشف حالات متعددة للقبض العشوائي على السوريين، منها حالة تمت مطلع العام الجاري لشاب سوري قبض عليه أمام منزله في الإسكندرية، وحصل على حكم بالإدانة في أول درجات التقاضي ثم البراءة لاحقا في الاستئناف، وبالرغم من ذلك تم إبعاده إلى لبنان.
يعتقد الكاشف أن مغامرة اللاجئين في رحلة الموت تتعلق أيضا بكون مصر وفقا للقانون الدولي دولة لجوء، الأمر الذي يصعب معه طلب اللجوء من دول أوروبا خلال الوجود على الأراضي المصرية".
تزايد الهجرة غير الشرعية
بحسب بيانات المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وحركة تضامن اللاجئين - التي حصلت عليها "العربي الجديد" - تم توثيق 4083 حالة، تم فيها القبض على مهاجرين سوريين و(فلسطينيين سوريين)، خلال عام 2014 خلال محاولتهم الهجرة غير الشرعية، في الوقت الذي تم إلقاء القبض على نحو 2756 مهاجرا عام 2013، تبقى منهم 418 شخصاً في الحبس موزعين على عدد من أقسام الشرطة في الإسكندرية والبحيرة وكفر الشيخ".
من جانبها ترى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، أنه يمكن بالفعل الحديث عن وجود ظاهرة للهجرة غير الشرعية في مصر.
المكتب الإعلامي في القاهرة رد على أسئلة "العربي الجديد" حول إحصاءات هجرة السوريين والفلسطينيين السوريين بأنها لا تقوم بتسجيل الفلسطينيين وفقا لتعليمات السلطات المصرية، فيما تكشف الإحصاءات - التي حصلنا عليها من المفوضية - لعام 2013 تسجيل هجرة 42 ألف وافد غير نظامي عن طريق البحر لإيطاليا، من بينهم 12 ألفا من السوريين خرجوا من ليبيا أو مصر بما يشكل نسبة 29% من المهاجرين غير الشرعيين العام الماضي.
وفسرت المفوضية رفض عدد من السوريين تسجيل أسمائهم كلاجئين في مصر، بتخوفهم من ختم جوازات سفرهم كطالبي لجوء، ما قد يهدد سلامتهم الشخصية حال عودتهم إلي سورية.
وحول الرقم الدقيق لعدد من سافر عن طريق الهجرة غير الشرعية قالت المفوضية إنها "تقوم حاليا بعملية تحديث بيانات اللاجئين السوريين للتحقق من العدد الموجود في مصر".
وأكدت المفوضية علمها باعتقال السلطات المصرية 2473 شخصا منذ بداية 2014، من بينهم 1052 سوريا حاولوا مغادرة مصر عن طريق البحر بطريقة غير شرعية، وتابعت أنها تعمل مع الحكومات والمجتمعات المضيفة لتحسين بيئة الحماية للسوريين، كما تدعم المفوضية الحكومات المضيفة ماليا لتحمل عبء توفير الخدمات للاجئين.
ليست جنة إنها الهلاك
يقر راسم الأتاسي - رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سورية وعمدة الجالية المهاجرة في القاهرة - بتناقص عدد الجالية من 550 ألف سوري قبل 30 يونيو/حزيران إلى نحو 300 ألف حاليا، ويفسر الأتاسي الانخفاض الكبير في الأعداد بعدة أسباب من بينها ضيق الموارد الاقتصادية التي شهدتها مصر بشكل عام، بالإضافة إلى الضغوط التي تعرض لها السوريون في مصر، وعلى رأسها تجديد الإقامة وحرمانهم من لمّ الشمل".
وبالرغم من كل المخاطر التي يتعرض لها السوريون فإن"الهجوم الإعلامي واتهام السوريين بممارسة السياسة واختلاق قصص وحكايات غير واقعية عنهم وتغير معاملة المصريين معهم أجبرهم على اختيار الجحيم" - يقول الأتاسي متابعاً -"ليس لدينا القدرة على توفير الإقامة، كما أن أزمات المأكل والمشرب تفاقمت، فقد توقفت الجمعيات عن الدعم الذي كان يقدم للسوريين المحتاجين لتغير وجهات نظر بعض الإخوة المصريين".
وقال الأتاسي "روجت العديد من الإشاعات عن السوريين في مصر أكثرها كذبا أنهم تسببوا بالضغط على الاقتصاد المصري وهذا الكلام غير صحيح على الإطلاق لأن السوريين أدخلوا إلى مصر خمسة مليارات دولار من الاستثمارات خلال العامين الماضيين، كما تصلهم ملايين الدولارات تحويلات من ذويهم في الخارج، ومن منظمات دولية تساعد اللاجئين، كما أجّرت آلاف العائلات السورية شققا ومنازل ودفعوا مقابل ذلك إيجارات حركت السوق العقاري في مصر".
خلال بحثنا عن الأسباب الحقيقية لهجرة السوريين، اتصلنا بكمال سعيد - رئيس لجنه الإغاثة بتنسيقية الثورة السورية في القاهرة - والذي يعد من أبرز الأسماء السورية في مصر، إلا أن المفاجأة كانت سفره إلى أوروبا عن طريق البحر، فقد تأكدنا عن طريق بعض أصدقائه في القاهرة من الأمر، وهو ما تأكد بعد أن راجعنا حساب ابنه على فيسبوك في 7 سبتمبر/أيلول الماضي، إذ كتب "مسا الخير لأحلى أصدقاء، شكرا لكل إلّي سأل عنا، نحنا بخير الحمد لله وصلنا ع الدنمارك" فيما نشر صورة مع والده وعائلته.
إلقاء النفس إلى التهلكة
تحلل الدكتورة منال زكريا - أستاذة علم النفس في جامعة القاهرة - الأسباب النفسية للجوء السوريين والفلسطينيين إلى الهجرة غير الشرعية قائلة "يعاني هؤلاء من درجات مرتفعة من نقص الصلابة النفسية وعدم القدرة على تحمل الضغوط الكبيرة عليهم، فيصبحون كأنهم يسعون للانتحار للتخلص من حياتهم، بناء على أمل ضعيف، كثيرا ما يغرق معهم".
وتضيف "أغلب هؤلاء غير قادرين على التأقلم ولا يجدون أمامهم سوى المخاطرة بعائلاتهم من أجل الوصول إلى "جنة أوروبا" كما يحلمون بها.
إحراج مصر
كيف ترى السلطات المصرية تزايد الهجرة غير الشرعية؟ توجهنا بالسؤال السابق إلى مصدر أمني يعمل في مصلحة الجوازات والهجرة في وزارة الداخلية المصرية - رفض ذكر اسمه - فأجاب "تضع الهجرة غير الشرعية السلطات المصرية في موقف محرج مع الدول المجاورة، وبالأخص دول البحر المتوسط، لأنها تظهرنا بمظهر العاجز"، يتابع المصدر مفسرا حديثه "الأعداد الكبيرة للمهاجرين غير الشرعيين الذين يخرجون من مصر تعطي انطباعا أن مصر لا تستطيع ضبط حدودها، والأمر لا يتعلق بالمهاجرين حاملي الجنسيات الأخرى فقط، ولكن أيضا ينطبق على المصريين الراغبين في الهجرة الذين يخوض عشرات الألوف منهم تجربة الهجرة غير الشرعية".
تعاني الحكومة المصرية غيابا تشريعيا في مواجهة الهجرة غير الشرعية الأمر الذي دعا رئيس لجنة الأمن القومي المنبثقة عن اللجنة العليا للإصلاح التشريعي المستشار مجدى العجاتي إلى الكشف في تصريحات صحافية قبل أيام عن توجه لدى لجنته لدراسة تشريع لمواجهة التسلل والهجرة غير الشرعية من مصر. إلا أن المشكلة لم تنتهِ والمحاولات لم تتوقف، ليبقى السوريون في مصر يعانون الحياة فقراً أو الموت غرقا.