الفساد في الجزائر... تجاهل التصريح بالممتلكات يفاقم الكسب غير المشروع

26 يوليو 2021
الجزائر في المركز 104 على مؤشر الفساد العالمي (العربي الجديد)
+ الخط -

يتفاقم الفساد في الجزائر الغنية بالموارد النفطية على الرغم من وجود ترسانة تشريعات يفترض أن تعزز الشفافية، وعلى رأسها قانون الوقاية من الفساد ومكافحته وتحديداً المادة 4 الخاصة بالتصريح بالممتلكات والتي يتم تجاهلها.

- فوجئ محامي الخزينة العمومية الجزائرية (مسؤولة عن جوانب تنفيذ الميزانية) زكرياء دهلوك، بما كشفته تحقيقات الفساد الأخيرة والتي أماطت اللثام عن ثروات كبرى بحوزة مسؤولين غادروا المناصب وفتح ملفاتهم القضاء الجزائري مؤخرا، ويضرب مثالا بأربعة من كبار رجال الدولة اطلع على ملفاتهم، وهم وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل والذي فر بعد اتهامه في 6 قضايا فساد خلال عام 2019، وضبط في حسابه البنكي مبلغ بقيمة مليوني يورو، ووجهت له تهمة حيازة ثروة غير مبرّرة المصدر، لتتابعه الخزينة العمومية قضائيا باعتبارها طرفا مدنيا متضررا.

وعملت الخزينة العمومية على جرد ثروات هؤلاء المسؤولين لمتابعتهم قضائيا واسترجاعها للصالح العام، وفق دهلوك والذي أضاف موضحا :"استكملنا ملف شكيب خليل ولا نزال بصدد جرد ثروات المسؤولين الآخرين، ومن بينهم وزير النقل والأشغال العمومية السابق عبد القادر قاضي المسجون حالياً، بعد أن ضُبطت بحوزته ممتلكات غير مبررة المصدر يتم جردها والتحري عنها ومبالغ مالية، وكذلك وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي والتي ضُبطت في حساباتها مبالغ مالية بالدينار الجزائري، واتهمت بتلقي عمولات من طرف رجال أعمال مقابل منحهم امتيازات في صفقات تنظيم المهرجانات والمعارض التي تقام تحت إشراف الوزارة، كما طلبت الخزينة العمومية أيضا جرد ممتلكات وزيرة الصناعة السابقة جميلة تامازيرت، بعد ثبوت وجود بعض الممتلكات لديها في فرنسا على غرار حانة ومطعم".

ويجري متابعة 45 مسؤولا لحد الساعة في قضايا الكسب غير المشروع، وفق دهلوك، ومن بينهم المسؤولون الأربعة الذين صرحوا بممتلكاتهم لدى توليهم مناصبهم، لكن الثروات المسجلة بحوزتهم اليوم مجهولة المصدر، وهو ما دفع الخزينة العمومية إلى تقديم شكوى قضائية ضدهم، الأمر الذي يراه المحامي والقيادي في حزب جبهة العدالة والتنمية، عمار خبابة، علامة على استفحال ظاهرة استغلال المناصب العمومية لجمع المال بطرق غير شرعية، سواء عن طريق الرشوة او استغلال النفوذ، متسائلا: "كيف يجمع الوزير ثروة بمليوني يورو ودخله الشهري لا يتجاوز 1800 يورو أو 360 ألف دينار وفق المعلن من رواتبهم؟".

كيف تتم مراقبة الذمة المالية؟

حلت الجزائر في المركز 104 عالميا من بين 179 دولة رصدها مؤشر مدركات الفساد لعام 2020 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية.

ويتهم المسؤول بالإثراء غير المشروع وفق قانون مكافحة الفساد ومكافحته رقم 06 ـ 01، بعد ثبوت زيادة غير مبرّرة في ذمته المالية، مقارنة بمداخيله المشروعة، ويشترط أن تكون الزيادة معتبرة وملفتة للنظر، كأن يتم تسجيل تغيير نمط حياته في ظرف وجيز أو ارتفاع رصيده البنكي او اقتنائه عقارات وغير ذلك من مظاهر الثراء، وفق توضيح يوسف رومان، مدير مركزي على مستوى وزارة الداخلية والجماعات المحلية.

الصورة
تحقيق الجزائر 1

ويُقارَن بين مداخل المسؤول المشروعة ووضعه الحالي، وفي حال العجز عن تبرير الزيادة يكون محل متابعة جزائية وفقا للمادة 4 من نفس القانون والتي تلزم الموظف العمومي بالتصريح بممتلكاته باكتتاب تصريح بالممتلكات خلال الشهر الذي يعقب تاريخ تنصيبه في وظيفته أو بداية عهدته الانتخابية ويجدد هذا التصريح فور كل زيادة معتبرة في الذمة المالية للموظف العمومي بنفس الكيفية التي تم بها التصريح الأول، كما يجب التصريح بالممتلكات عند نهاية العهدة الانتخابية أو عند انتهاء الخدمة.

ويؤكد الدستور الجزائري في مادته 24 (الفقرة 4) على "….. يجب على كل شخص يعين في وظيفة عليا في الدولة، أو ينتخب أو يعين في البرلمان، أو في هيئة وطنية، أو ينتخب في مجلس محلي، التصريح بممتلكاته في بداية وظيفته أو عهدته و في نهايتها……..".

تضخيم فواتير المعاملات المالية آلية متكررة لنهب المال العام

ويقول رومان في إفادة لـ"العربي الجديد" يكون التصريح بالممتلكات الخاص برئيس الجمهورية، وأعضاء البرلمان، ورئيس المجلس الدستوري وأعضائه، ورئيس الحكومة وأعضائها، ورئيس المجلس الدستوري وأعضائه، ورئيس الحكومة وأعضائها، ورئيس مجلس المحاسبة، ومحافظ بنك الجزائر، والسفراء، والقناصل، والولاة، أمام الرئيس الأول للمحكمة العليا، وينشر محتواه في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية خلال الشهرين المواليين لتاريخ انتخاب المعنيين أو تسلمهم مهامهم، كما يكون التصريح بممتلكات رؤساء وأعضاء المجالس الشعبية المحلية المنتخبة أمام وزارة الداخلية، ويكون محل نشر عن طريق التعليق في لوحة الإعلانات بمقر البلدية أو الولاية حسب الحالة خلال شهر، ويصرح القضاة بممتلكاتهم أمام الرئيس الأول للمحكمة العليا.

ويتم تحديد كيفيات التصريح بالممتلكات بالنسبة لباقي الموظفين العموميين عن طريق التنظيم، إلا أن التصريح يتم حسبه، لجل الإطارات على مستوى وزارة الداخلية.

غياب المساءلة أثناء المهام وبعدها

يعترف الأمين العام للنقابة المستقلة لموظفي الضرائب عبد الحميد بوعلاق، بغياب أي مراقبة للمسؤولين الجزائريين من طرف مصالح الضرائب، كما ينفي وجود أي متابعة للوزراء ومديري الشركات الحكومية الكبرى والإطارات السامية، (كبار الموظفين في الدولة)، للتصريح بممتلكاتهم بعد مغادرة المنصب، مؤكدا: "نحن كأعوان ضرائب، لا نراقب ولا نتابع ولا نساءل عن ثروات المسؤولين وممتلكاتهم".

ويجزم المتحدث في إفادة لـ"العربي الجديد" أن عملية تكوين الثروة، تتم منذ البداية بعيدا عن أعين الرقابة، فبعد التصريح بالممتلكات قبل تولي المنصب بالنسبة للمسؤول لدى المصالح المعنية، سواء العقارات أو الأملاك المنقولة الأخرى، تنتهي الإجراءات، ولا يخضع هؤلاء لأي متابعة حول تنامي ثرواتهم، يضيف بوعلاق.

وتبقى عملية التصريح بالممتلكات ومتابعة مصالح الضرائب لكبار مسؤولي الدولة مهمة صعبة أو شبه مستحيلة، حتى بعد مغادرتهم مناصبهم، لأنهم خط أحمر، والتصريح الذي يقدمونه بخصوص ممتلكاتهم لدى توليهم المنصب تستلمه المصالح المختصة، كما يضيف الأمين الوطني للنقابة المستقلة لأعوان الضرائب، عبد الوهاب خالفة، وتابع: "حتى صغار المسؤولين نجد صعوبة في التدقيق في ممتلكاتهم بحكم أن عددا كبيرا منهم يرفضون التصريح بها، كما لا توجد متابعة، فالإدارة العمومية الممثلة في مصالح الداخلية، لا تقدم هذه التصريحات للمصالح الجبائية، وبالتالي لا يمكن مراقبة ومعرفة مقدار الثروة التي تشكلت خلال فترة العمل".

الصورة
الجزائر2

وعند تسجيل زيادة غير مبررة في الثروة، يفترض حسب خالفة، تحرك الضرائب من أجل التحقيق في عدم تسجيل الممتلكات وعدم دفع الضريبة وفقا لما تنص عليه الضريبة على الثروة في المادة 13 لقانون المالية التكميلي 2020، حتى وإن كان هذا الشخص مسؤولا.

يتابع خالفة : "بعض المسؤولين ملزمون بالتصريح بممتلكاتهم لدى وزارة الداخلية وإذا وجدت شبهة تقوم بمراسلة مصالح الضرائب، على أن تقوم هذه الأخيرة بمراسلة المصالح الخارجية للضرائب على مستوى الولايات للتحقيق في هذه الممتلكات، إن كانت بالفعل موجودة وكم تبلغ قيمتها المالية".

ويعترف بعدم تفعيل الأمر، قائلا لـ"العربي الجديد": "للأسف هذا الشيء لم يحدث وكل السنوات التي مضت لم نتلق طلبا واحدا للتحقيق في الثروة، حتى لو كانت لمسؤول بسيط على سبيل المثال رئيس بلدية".

وترد المديرة العامة للضرائب، في وزارة المالية آمال عبد اللطيف على هذه الاتهامات بأن المشكلة المطروحة ترجع إلى الطريقة التقليدية المعتمدة في مراقبة الثروة، في ظل نقص الوسائل لدى مصالح الضرائب وغياب الرقمنة، وهو ما يجعل بعض المسؤولين يفلتون من إحصاء ثرواتهم.

كيف يتم التلاعب بالقانون؟

قدم النائب السابق عمار موسى تصريحا بممتلكاته عند بداية عهدته التشريعية عام 2012، ولكن بنهاية العهدة الثانية وخروجه من البرلمان بتاريخ 1 مارس/ آذار 2021، وانقضاء مهلة شهر، لم يُستدعى برفقة غيره من النواب للتصريح بممتلكاتهم من طرف إدارة المجلس الشعبي الوطني، مضيفا "ذهبت طوعا للتصريح بممتلكاتي في أعقاب ذلك، رغم أنه لم تتم مساءلتنا ولا مطالبتنا رسميا بذلك".

ويعتمد المسؤولون أساليب وحيلا مختلفة للتلاعب بالقانون وجمع ثروات بطرق مخالفة، منها تضخيم الفواتير في ما يتعلق بالمعاملات المالية، خصوصا مع الشركات الأجنبية وكذلك منح صفقات سواء داخلية لرجال أعمال أو خارجية لمؤسسات أجنبية، للاستفادة من عمولة أو نسبة معينة من الصفقة سواء في شكل عملة أجنبية أو عقارات وخدمات متنوعة، وفقا للمحامي خبابة، وضرب هنا مثالا بقضية الرئيس المدير العام السابق لمجمع سوناطراك، محمد مزيان الذي أدين وحكم عليه بالسجن لعامين بتهمة اختلاس أموال عامة وإبرام صفقات مخالفة للإجراءات القانونية.

مصالح الضرائب غير قادرة على مراقبة المسؤولين الجزائريين 

وفي بعض الحالات يهرب المسؤول الأموال المنهوبة إلى حسابات بنكية في الخارج وإيداعها في حسابات الأقارب والأصدقاء في الدول المعروفة بالملاذات الضريبية، والتي تقبل الأموال ولا تسأل عن مصدرها، كما أنها تحافظ على سرية الحسابات ناهيك عن شراء عقارات وأسهم عبر أسماء مستعارة. واستدل هنا بما جرى الكشف عنه عام 2016، ضمن تسريبات وثائق بنما، والتي كشفت عن امتلاك وزير الصناعة الجزائري الموجود في الخارج، عبد السلام بوشوارب لحساب في سويسرا وشركة وهمية هناك وممتلكات في فرنسا.

وتابع بعضهم يسجلون أملاكهم باسم أقاربهم وأبنائهم، خاصة ما يتعلق بالعقار والقروض البنكية وغيرها من الامتيازات، وهو ما كشفته المحاكمات السابقة لبعض المسؤولين في الدولة على غرار قضية المدير العام السابق للأمن الوطني عبد الغني هامل المسجون حالياً برفقة عائلته، بعد حكم صدر في أغسطس/آب 2020، بالسجن لمدة 12 سنة نافذة وحجز ومصادرة ممتلكات ومنقولات المتهمين من عائلة الهامل.

350 اعتداءا ضد أعوان الضرائب

يواجه أعوان الضرائب مخاطر عديدة تعوق أداء مهامهم، بسبب تغوّل المسؤولين وأصحاب المال على الإدارة الجبائية، وفق بوعلاق والذي تابع :"كل عون ضرائب يتحرك صوب المسؤول ويستفسر عن ثروته أو ممتلكاته يتعرض في أعقاب ذلك لمضايقات".

ويضرب هنا المتحدث مثالا برئيس المفتشية الوطنية للضرائب لمكتب ولاية ميلة شرق الجزائر (فضل عدم ذكر اسمه حتى لا يضغطوا عليه مجددا)، والذي سجل شكوى لدى النقابة تفيد بخضوعه للتهديد من طرف والي ولاية ميلة، نتيجة مساءلته لرجال أعمال ومسؤولين حول ثرواتهم، ولكنْ تدخّل الوالي لصالح رجال الأعمال وتحجّج بتزامن هذه المساءلات مع فترة كورونا، وهو ما يفرض ضرورة تأجيلها.

ويفترض أن يكون لقطاع الضرائب دور كبير في تحصيل الأموال للخزينة، ومراقبة ثروة المسؤولين، غير أنه تم تهميشه وإضعافه لاسيما وأن أعوان الضرائب لا يسمح لهم بطريقة غير مباشرة بالتدخل والبحث والتحقيق في تنامي ثروات المسؤول، يضيف بوعلاق، مستدركا الإمكانات اللازمة للتنقل ومعاينة الثروة غير متوفرة، وكذلك المركبات وحتى الحماية الجسدية، وفي حال تدخلوا ليس لديهم حماية قانونية من تجاوزات رجال الأعمال والمسؤولين.

وتابع: "على سبيل المثال لدينا أعوان ضرائب متابعون قضائيا والإدارة لم تستطع حمايتهم من مسؤولين ورجال أعمال"، وهو ما يبدو في حالة  محمد خيدر عون ضرائب بولاية الطارف شرق الجزائر، والذي تعرّض لضغوط من طرف رجل أعمال ناشط في مجال البلاستيك، ورئيس بلدية أودعا ضده شكوى لدى القضاء بتهمة فرض ضرائب مبالغ فيها وطلب رشوة، ورغم أنه تمت تبرئته سنة 2019 إلا أنه لم يعد لمنصبه لحد الساعة، مضيفا "أحصينا في هذا الإطار 50 قضية موجودة على طاولة القضاء بسبب تعسف المسؤولين ورجال المال ضد أعوان الضرائب".

إحصاء جديد للثروات

تحضر المديرية العامة للضرائب، للقيام بإحصاء جديد للثروات وتحديث قائمة ممتلكات الأشخاص، خلال العام الجاري، وفق إفادة آمال عبداللطيف والتي تابعت: "المسؤولون ليسوا بمنآى عن تلك القائمة، للتمكن من تطبيق ما ينص عليه قانون المالية التكميلي لسنة 2020 في المادة 13 من رفع عتبة فرض الضريبة من 50 مليون دينار إلى 100 مليون دينار علاوة على تخفيض النسبة التصاعدية في جدول حساب الضريبة من 1 بالمائة إلى 0.25 بالمائة"، مؤكدة أنه نظرا لغياب إحصائيات دقيقة عن عدد الأثرياء في الجزائر وقائمة ممتلكاتهم، ستقوم وزارة المالية بتحيين بيانات الثروات والممتلكات عبر تكليف الضرائب بهذه المهمة بالتنسيق مع قطاعات أخرى.

ويمكن مجابهة ظاهرة الثراء غير المشروع لدى بعض المسؤولين عبر التدقيق في مسألة التصريح بالممتلكات قبل تولى المنصب وبعد المغادرة بطريقة عقلانية وليست انتقامية تجعل المسؤول متخوفا، إضافة إلى تطبيق مبدأ فصل السياسة عن المال خاصة في المناصب التي تسمح لأصحابها بتكوين ثروة، عبر منح صفقات لمقربين مقابل عمولة مالية وفق مقترح تقدّم به الخبير الاقتصادي أحمد سواهلية إلى وزارة المالية، والذي يقول لـ"العربي الجديد": "يجب متابعة التصريحات الحقيقة للممتلكات ومضاعفة الرقابة خاصة من طرف مجلس المحاسبة، اليوم هناك إجراءات مهمة قامت بها الدولة في هذا الإطار، عدة مسؤولين يقبعون في السجن لكن هذا غير كاف، يجب وقف ظاهرة نهب المال العام".