سوريون خلال عودتهم لبلدهم من تركيا، مايو الماضي (Getty)
08 يوليو 2024
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تغير موقف المشجعين العرب من تركيا إلى هولندا**: تحول مشجعون عرب من تأييد "النموذج التركي" إلى دعم منتخب هولندا ضد الفريق التركي، نتيجة غضب متزايد تجاه تركيا بسبب الاعتداءات العنصرية ضد السوريين.

- **تصاعد العنصرية في تركيا وتأثيرها على اللاجئين**: شهدت تركيا تصاعدًا في أعمال العنف العنصرية ضد اللاجئين السوريين، مما أدى إلى مقتل وإصابة العديد منهم، وأثار مظاهرات في مناطق ريف حلب الشمالي.

- **الحلول المقترحة لمواجهة العنصرية**: تشمل فرض القانون على المحرضين، إنشاء مؤسسة لمكافحة العنصرية، إشراك المتضررين في توصيل رسالتهم، وتعزيز التواصل بين السوريين والمجتمع التركي عبر مبادرات فردية وجماعية.

للمرة الأولى يبادر مشجعون عرب من جنسيات متعددة كانوا من المؤيدين والمدافعين عن "النموذج التركي" بكل تجلياته السياسية والاجتماعية وحتى الرياضية إلى تأييد منتخب هولندا في مباراته التي جرت أول أمس ضد الفريق التركي، وهي ردة فعل وإن كانت تبدو بسيطة وتدخل في نطاق الحرية الشخصية، لكنها تعكس أبعادا أعمق وتقول إن غضبا يتنامى في صدور هؤلاء الذين كان بينهم من يشجع الأتراك ويحرص على متابعة مشاركاتهم في بطولات عالمية وأوروبية سابقة وكأن منتخبهم هو فريق بلادهم.

ولا يقتصر الأمر على الرياضة فقد دافع الناشطون ذاتهم عن الديمقراطية التركية، ورفضوا محاولة الانقلاب التي وقعت في يوليو/تموز 2016، واشتبكوا على مواقع التواصل مع مؤيديها ومن بينهم أتراك شاركوا العرب الشامتين في النموذج، الذي رأى فيه هؤلاء انفتاحا، على مكونات المجتمع، وتركيزا على خلق دولة رفاه وقانون يمكن لكل مواطنيها والقاطنين فيها جني ثمار الاستقرار الأمني والاقتصادي والتمتع باحترام حقوق الإنسان.

وخلال الأعوام الماضية لم تنجح أفعال بعض العنصريين والمتطرفين اليمينيين هنا وهناك ضد اللاجئين السوريين أو السائحين العرب في إقناع هؤلاء بتغيير موقفهم من النموذج، وظلوا على ولائهم، ما يعد نجاحا للقوة الناعمة التركية، فما الذي جرى؟

هذه المرة، الأمر مختلف، بدأ بما يصح أن نطلق عليه "بوغروم" قيصري نسبة إلى المدينة التي روعها العنصريون بارتكاب أعمال شغب وسلسلة اعتداءات وتدمير وإحراق جماعي استهدفت ممتلكات سوريين، وما تلاها من أحداث استهدفت اللاجئين في أكثر من ولاية حتى وصل الأمر إلى قتل الفتى السوري حمود حمدان النايف في أنطاليا، بعدما اقتحمت مجموعة من الأتراك شقة كان يقطنها مع رفاقه العمال الذين أصيب ثمانية منهم بسبب الضرب والطعن بالسكاكين، بالإضافة إلى العديد من المشاهد التي انفجرت مرة واحدة ومن أناس عاديين، يفترض ألا يتورطوا في جرائم كهذه، من بينهم امرأتان تركيتان ورجل بجانب أطفالهم انتشر مقطع مصور لهم بينما يجمعون الحجارة من الشارع لإلقائها على الحوائط الزجاجية لمحل سوري، وكذلك تهديد متطرف عنصري يحمل سكينا لرجال أعمال سعوديين أثناء جلوسهم في مطعم فاخر في إسطنبول، وكما قيل فإن أحدهم يستثمر ملايين الدولارات في تركيا، لكن الرجل نقم عليهم بعد أن تحدثوا بالعربية كما جاء في الأخبار السيارة، ما يشي بأن مرض العنصرية استفحل ودخل فئات متنوعة من حيث العمر والجنس والطبقة الاجتماعية، ولم يعد يقتصر على البسطاء أو غير المتعلمين ممن يسهل التلاعب بهم، إلى حد أن مواطنا تركيا يعمل في جمع الأوراق والبلاستيك، اضطر لكتابة عبارة "أنا لست سورياً" على عربته، بعد تعرضه لمحاولة اعتداء من مواطنين أتراك خلال أحداث العنف الأخيرة التي تعرض لها اللاجئون، كما أطلق العنصريون حملة ضد تركية متزوجة من أجنبي من أصول أفريقية عبر تعليق، إذا لم تنزعج من هذا المشهد فأنت خائن للوطن!

على المقلب الآخر جاءت ردة الفعل لأول مرة بعدما شهدت مناطق ريف حلب الشمالي، بما في ذلك مدن الباب واعزاز وعفرين التي تخضع لسيطرة القوات التركية إلى جانب الفصائل السورية المعارضة، مظاهرات غاضبة تنديدا بالاعتداءات التي تعرض لها السوريون، وأنزل المتظاهرون العلم التركي بما يحمل الأمر من حساسية لدى الجانب التركي، ورفعوا أعلام الثورة على المباني الحكومية التي يديرها موظفون أتراك، ما أدى إلى إصابة بعضهم وتدمير ممتلكات ومبانٍ حكومية وخدمية، ليدخل على خط الفتنة مهيجون صبوا المزيد من الزيت على نارها التي تشتعل ببطء منذ أعوام على يد اليمينيين المتطرفين الذين يستغلون اللاجئين باعتبارهم "كعب أخيل" الحزب الحاكم لمحاصرته بتبعات وجودهم الأمنية والاقتصادية والمجتمعية التي يجري التلاعب بها وتضخيم أو فبركة بعض آثارها والاقتصار على السيئ منها، وترك جوانبها الإيجابية وهي عديدة حتى يحققون آمالهم في إزاحة "العدالة والتنمية" عن المشهد السياسي بعد أعوام من النجاح في كل استحقاق، ولو كان الأمر على حساب جثث السوريين.

ينبئ ما سبق بأن العنصرية لم تعد على هامش المجتمع التركي بل تقترب ببطء من متنه وعموده الفقري وتطمح إلى أن تغرقه بتصوراتها الوهمية حول حل أزمات التضخم وتراجع الاقتصاد بترحيل اللاجئين! لكنها وإن كانت حتى اللحظة لم تلق نجاحا في صناديق الاقتراع بسبب الولاء الشعبي للنموذج وتاريخ الحزب الحاكم وكاريزما الرئيس أردوغان، إلا أن متاجرة أحزاب المعارضة بانتظام بالخطاب المناهض للمهاجرين، هي الدعوة التي أصبحت أعلى صوتا في السنوات الأخيرة، حتى أنها بدأت تتسرب إلى التيار الرئيسي وأدت إلى زيادة العنف الشعبي ضد اللاجئين جراء الخطاب العدواني والعنصري، بما ينذر بفتنة كبيرة يجب التحرك بسرعة لوأدها قبل أن تستنزف اقتصاد تركيا وقوتها الناعمة وأمنها القومي، فالمستهدف وإن بدا سوريا أو عربيا سائحا حاليا لكن العنصرية ستصل إلى بقية مكونات المجتمع آجلا أو عاجلا وتؤلبه على بعضه بعضا وتفتح ثغرات في جسده لمن يريدون استهدافه حتى يمكنهم النفاذ منها، فما الحل؟

باختصار لن تؤدي بعض المبادرات الفردية هنا وهناك كتوزيع ورود على محال يعمل فيها سوريون إلى نتيجة حاسمة، البداية تكون من فرض القانون والنظام على المحرضين من منتجي خطاب الكراهية، ووضع تشريع يمكن بواسطته وقفهم عند حدهم عبر مؤسسة تكون معنية بمكافحة العنصرية ضد أي من مكونات المجتمع التركي أو ضيوفه، سواء من اللاجئين أو السائحين، وكذلك العمل بشكل وقائي ضد من يحاولون ممارسة العنف ضد اللاجئين. صحيح أن وزارة الداخلية التركية قامت بعمل مميز ردا على أحداث قيصري وأوقفت 1065 شخصا كما أوقفت المعتدي على السائحين السعوديين، لكن منع وقوع تلك الأحداث من البداية وكشف مخططات القائمين عليها ومحاسبتهم قضائيا وإعلان الأمر للجمهور هو المأمول، خصوصا مع إعلان هؤلاء نياتهم عبر منصات التواصل والحاجة إلى ردع خطابهم أخلاقيا وقانونيا.

كذلك لا بد من إشراك كل الفئات المتضررة من العنصرية في مواجهة الظاهرة، منهم على سبيل المثال كل المشتغلين في مجال السياحة وعالم المال والأعمال، إذ يقوم نشاط هؤلاء على التواصل مع العالم الخارجي، والدول العربية سوق ضخم للمنتجات التركية والسائحين العرب يتوافدون عليها عدة مرات في العام ومن ثم يجب على أصحاب المصلحة المشاركة في توصيل رسالتهم إلى الشعب التركي وتكرارها عبر مختلف المنصات القريبة من الجمهور والقادرة على النفاذ إلى عقله، وبالتوازي مع ذلك لا بد من خطة تقوم على محور إعلامي وتربوي يستهدف فئات المجتمع العمرية الصغيرة تحديدا لمنع هذا الفيروس من الوصول إلى عقولها.

أما السوريون فعليهم محاولة التواصل مع المجتمع المحيط بهم، عبر مبادرات فردية وجماعية لا تتوقف على مدار العام، من أجل جذب المزيد من المؤيدين لقضاياهم وشرح وضعهم الحقيقي وتفنيد شائعات العنصريين التي تستهدفهم بأنهم يحصلون على أموال من الدولة أو يرتكبون جرائم أو أن بلادهم آمنة ولا يريدون العودة وغير ذلك من الترهات، ولا بد من نقل حقيقة الوضع في بلادهم ومن ذلك مناطق الشمال السوري التي لا تخضع لنظام الأسد وتسيطر عليها المعارضة وفصائلها، الوضع فيها ليس مختلفا كثيرا عن مناطق النظام، إذ إن خياراتهم إما ديكتاتورية جبهة النصرة التي تقوم على فرض رؤى دينية قروسطية وفساد متنوع المشارب او استبداد الفصائل التي عاثت ابتزازا في من أوقعهم حظهم العاثر تحت مخالبها، كما تنتشر في مناطقها أنواع أخرى من الفساد الذي طاول كل مناحي الحياة.

السوريون بالتأكيد يحلمون بالعودة إلى بلدهم وحياتهم، لكنّ نموذجي المناطق غير الخاضعة لحكم الأسد لا يصلحان للحياة، ورغم مرور كل تلك الأعوام في خروج تلك المناطق عن سيطرة جمهورية العائلة الحاكمة في دمشق، لم يتم تمرين أهلها على حكم أنفسهم وبناء نموذج جاذب يقوم على الشفافية وحقوق الإنسان والديمقراطية، بل العكس هو ما تحقق، على سبيل المثال لم تنظم في تلك المناطق انتخابات حقيقية تسمح لأهلها بحكم أنفسهم وتنميتها وصنع نموذج قد يجذب المزيد من السوريين في تركيا، ولعل تغييب أصوات هؤلاء وتركهم للفصائل التي أحالت حياتهم جحيما يوميا، هو ما دفعهم للاصطدام بالوجود التركي الذي يحتاج إلى مساعدتهم في بناء مؤسسات حقيقية قادرة على خلق بيئة جاذبة لمن يعيشون على أرضه ووقتها ستتحقق فعلا العودة الطوعية.